الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هبات الجنيات

محمد الإحسايني

2006 / 8 / 19
الادب والفن


*هِبات الجنيات
ش. بود لير

كان ذلك،اجتماع الجنيات الكبير،لإجراء قسمة الهبات على جميع المواليد الذين رأوا النور منذ أربع وعشرين ساعة.أولاء أخوات القدر العتيقات والشواذ جميعُهن، وأولاء أمهات الفرح والألم الغريبات الأطوار،كنّ جميعُهن من شتى أنواع الجنيات: كانت طائفة منهن يَبْدون مغتمات ومقطباتِ الجبين، والأخرياتُ يبدون مرحاتٍ وماكرات؛ فقد ظلت الشاباتُ بعضُهن دائماً شاباتٍ،وظل بعضُهن العجائزُ دائما عجائزَ،ومافتئ جميعُ الآباء الذين يؤمنون بالجنيات يتواردون؛ وكل واحد منهم يحمل بين ذراعيه مولوده.
وكانت المواهب والملكات والحظوظ المواتية،والظروف القاهرة،متراكمة بجانب المجلس،كمكافآت فوق المنصة،في حفل توزيع المكافآت .ومما كان يكتسي الغرابة هنا، هو أن الهبات لم تكن مكافأة عن جهد؛ بل على العكس تماماً من ذلك،نعمة ً ممنوحة ًلمن لم يولد بعدُ نعمة ًفي الإمكان أن تحدد مصيره،وأن تصبح أيضاً مصدر شقائه كماهي مصدرُ سعادته. وظلت الجنيات المسكينات جدّ منشغلات،لأن حشد الملتمسين للهبات كان كبيراً،والعالم الوسط المقام بين الإنسان والله ،خاضع مثلنا لقانون الدهر المرعب،وتعاقبه اللانهائي،وللأيام، والساعات،والدقائق،فالثواني.
حقاً،لقد ظللن ذاهلات شأن الوزراء يوم انعقاد الجلسة الوزارية، أو كمستخدمي المصرف البلدي مون دو بييته عندما يخول عيد وطني ،الإعفاءات المجانية للمستفيدين من القروض؛ بل إنني أعتقد أنهن كنّ ينظرن بين الفينة والأخرى إلى عقرب الساعة بنفاد صبر، شأن
قضاة بشر، يجلسون للقضاء منذ الصباح، فلا يستطيعون أن يتوقفوا للحلم بعشاء على الطريقة العائلية، ولا بالتفرغ لبيوتهم الغالية؛ بل يوجد في العدالة فوق الطبيعية شيء من التهور ومن المخاطرة،فلا نعجب أن يوجد مثلُ ذلك أيضاً في العدالة البشرية،فقد نصبح نحن أنفسُنا؛ والحال هذه،قضـاة ظالمين.
كذلك كانت قوة جذب الثروة مغناطيسياً محكوماً بها للوريث الوحيد من عائلة جد غنية، ليس
موهوباً بأي معنى من معاني البر، ولابأي اشتهاء بالنسبة للخيرات بتا تاً، والذي إن عليه أن يوجد معانقاً لملايينه بطريقة مدهشة.
وهكذا كان قد أُعطِيَ الجميلُ والقوة الشاعرية لابن ٍ أبوه فقيرٌ كئيبُ المُحيا، عاملٌ محجريّ كدود في مهنته،ما كان يستطيع بأي وجه من الوجوه، أن يساعد مَـلـَكاتِ صغاره ، ولا أن
يُرضيَ حاجات ذريته التي يُرثى لها.
نسِيتُ أن أقول لكم إن توزيع الهبات في هذه الأحوال الرسمية، أمر نهائي، وإن أي هبة لايمكن أن تكون مرفوضة. لقد ظلت الجنيات يؤدين ويحترمن عملهن المرهـق المكتمِل، ذلك أنه لم تبق بتاتاً أي هبة، أوخلعة، كي يُرمَى بها إلى كل هذه الحثالة البشرية،حتى إن رجلاً شجاعاً؛ وأظنه تاجراً صغيراً مسكيناً، نهض يمسك بفستان الجنية من البخار المتعددة ألوانُه؛وقد كانت هي أبعد أن تدركها الأبصار ،فصاح في وجهها:
"حنانيك! سيدتي! أ فتَنسَيْننا! ما زال هناك ولدي! فلا أحب أن أكون قدسعيتُ إليكِ بدون جدوى"
وكان يمكن أن تغدو الجنية مرتبكة، لأنه لم لم يبق شيء.ومع ذلك؛ فقد تذكرتْ في الزمن المحدد، قانوناً معروفاً جيداً، بالرغم من أنه قلما طبق، في العالم فوق الطبيعي، المسكون بالإلهات الأسطوريات غير الملموسات، صديقات الإنسان، والمجبرات في الغالب على أن يتبنين أهواءه، كالجنيات، والعفاريت،والسرفونيات،والسلفات، وولدان وحوريات البحر.أريد أن أتحدث عن القانون الذي يمنح الجنيات، في حال مشابهةلهذه الحال،يعني في حال نفاد الحصص،مـَلـكـَة إعطاء حصة واحدة منها،شريطة أن يكون للجنية المانحة الخيال الكافي لخلقها مبـاشـرة .
أجابت الجنية الطيبة؛ والحال هذه، بثبات جدير بمقامها: أعطي لولدك، أعطيه، هبة متعة الإعجاب، فسأل صاحب الدكان الصغير بعناد، والذي كان يبدو بلا ريب ، أحد أولئك المحتاجين المعروفين إلى هذا الحد، العاجزين عن أن يرتفعوا إلى مقام المنطق العبثي:" لكنْ، كيف متعة الإعجاب؟ المتعة؟ لماذا متعة الإعجاب؟" أجابته الجنية المغتاظة" فعلتُ ذلك متعمدة...فعلتُه متعمدة" مدبرة له ظهرها! وملتحقة بموكب رفيقاتها، فأنشأت تقول لهن:" كيف تجدن هذا الفرنسي العامي المتباهي، الذي يريد أن يعرف كل شيئ، والذي حصل لولده على أحسـن الحصص، فيتجرأ أيضاً على أن يسأل ويناقش في ما لاجدال فيه."

* سأم باريس : قصائد نثر قصيرة ش. بودلير

ترجمة محمد الإحسايني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدورة الـ 77 من مهرجان كان السينمائي.. ما أبرز ملامحها وأهم


.. الموسيقي المصري محمد أبوذكري يصدر ألبومه الخامس -روح الفؤاد




.. بين المسرح والسياسة: المخرج وجدي معوض في عشرين 30 ??بعد اتها


.. بعد جولة عروض عربية وعالمية، مسرحية أي ميديا في باريس




.. صباح العربية | الفنانة السعودية سارة صالح تبدع في غناء أغنية