الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار خارج الصندوق

زياد عبد المنعم عبيد

2021 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


من الواضح والجلي أننا جميعا قادرين على ملاحظة مجموعة كبيرة من المشكلات والتحديات الوطنية الملحة والتي استعصت على حكومات عديدة ومتعاقبة ولم يجد المجتمع المصري لها حلول مرضية أو وافية. وقد أضرت السياسات العشوائية والارتجال في اتخاذ القرارات وانعدام الرؤيا لتراكم المشكلات وزيادة تعقيدها وتفاقمها حتى أصبحت ظواهر خطيرة تهدد أمن واستقرار ورخاء المجتمع والدولة. وقد آن الأوان أن نواجه مشكلاتنا وتحدياتنا بجسارة وإبداع المصريين وبذكائهم ورغبتهم للنهوض وأن نظهر الإرادة المصرية الحقيقية للتغلب على تلك العوائق التي اجتازتها دول ومجتمعات كثيرة من قبلنا. ولست أحاول أن أوجه نقد لما آلت إليه الأمور أو من هو المسئول فجميعنا نتحمل الأوزار بدرجات متفاوتة، ولكن الوضع الحالي يتطلب منا جميعا عمل مخلص منزوع من الأهواء والمصالح الشخصية والشللية لا يضع سوى المصلحة العليا للوطن والشعب نصب أعينه. وفي هذا السياق أطرح على سيادتكم مجموعة من الأفكار التي قد يعتبرها البعض غير تقليدية أو غير نمطية ولكنها مبادرات وأفكار أقل ما فيها أنها تفتح المجال للحوار والنقاش حول ابتكار حلول واقعية وعملية لمشكلاتنا العميقة والمتجذرة. وفي هذا السياق أقترح أن يتم فتح المجال لتلقي المقترحات الجادة من كافة شرائح المجتمع لحل الإشكاليات المتراكمة على الحكومة والدولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وغيرها من المنصات العامة وإتاحة الفرصة للجميع للإسهام في حل الإشكاليات واقتراح أساليب معالجة القصور في المجالات المختلفة. وبإشراك المجتمع في عملية مواجهة التحديات تتحقق أهداف عديدة منها زيادة الوعي العام والإحساس بالمسؤولية والاهتمام بالقضايا العامة والهامة بالإضافة لخلق بدائل لدى صناع ومتخذي القرار من واقع الحلول والمقترحات النابعة من المجتمع ومن الدوائر المهتمة والمعنية. وبدلا من البحث عن موارد في صورة قروض أو معونات يجب علينا أولا النظر في ما نمتلكه من موارد ونعيد تعبئتها واستخدامها بشكل يحقق الاستفادة القصوى منها.

1. الاستفادة من الموارد المهدرة:
المنشآت العامة والمواقع الهامة والعقارات: عبر العقود الماضية شيدت أبنية ومنشآت أصبحت في وقتنا الحاضر مهملة ومتهالكة لا تلبي المتطلبات العصرية ويتكلف تجديدها وإحلالها قيمة تساوي إقامة منشئة جديدة. وفي هذا الخصوص أقترح على الدولة ممثلة في مجلس الوزراء ومجلس المحافظين أن تعد قائمة تحصر فيها تلك المباني والمنشآت والأراضي الغير مستغلة والمهملة التي يمكن الاستفادة بها بطرق مختلفة تدر على الدولة الربح أو العائد الإيجابي. وقد أبرزت عمليات الخصخصة التي قامت بها الدولة للكثير من تلك الأراضي والعقارات التي آلت لمستثمرين قاموا بشراء مئات الشركات العامة التي كانت تمتلك الأراضي والعقارات والمنشآت المتهالكة ضياع فرص قيمة وهامة بدون استفادة تذكر. ومع بيع تلك الشركات العامة آلت ممتلكاتها للمشتري الجديد الذي غالبا ما حقق أرباح خيالية من استغلال الأراضي والعقارات التي كانت في الماضي القريب ملك الدولة. وتعتبر وزارة الزراعة في منطقة الدقي بالجيزة أحد أهم الأمثلة على سوء استخدام الدولة لما تمتلكه من عقار وأرض. فهذه الوزارة القابعة في وسط العاصمة تحتل أحد أهم الشوارع في منطقة تجارية وسكنية وسياحية يصل فيها قيمة متر العقار عشرات الألوف من الجنيهات والدولة لا توظفها إلا كموقع حكومي لوزارة الزراعة وهيئاتها ومراكز بحوثها وما إلى ذلك في حين أنه يمكن للوزارة الانتقال إلى أي موقع آخر في العاصمة أو خارجها وتأدية نفس المهام بل وبكفاءة أعلى والاستفادة من تطوير موقع الوزارة الحالي ليلبي أغراض السكن والتجارة والسياحة ويدر على الدولة آلاف الأضعاف مما يتحقق من وجود الوزارة في النصف الأول من شارع نادي الصيد بجانبيه وامتداداته. وإني أدعو القائمين على الدولة وصناع القرار فيها بضرورة إعادة النظر في طرق استغلال المباني الحكومية لمواقع فريدة وهامة يمكن لها أن تغير وتحول مسار الاقتصاد المصري وتعظم من الاستثمارات وتخلق فرص هائلة للمجتمع والدولة من خلال إعادة التخطيط للاستفادة من كافة مواردنا المتاحة في الأرض والعقار والتي لا توظف أو تستغل بشكل عصري وحديث يدر الربح ويحقق الفائدة المركبة للمجتمع والدولة.
الوقت: (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك) بالرغم من افتخارنا وتباهينا بقدم حضارتنا وتاريخنا وتراثنا بحساب قياس الوقت والزمن إلا أننا في الحاضر نكاد أن نكون فقدنا إحساسنا بهذا العامل القياسيي الهام. فالمجتمع أصبح يغرق في مستنقع الوقت الضائع الذي يهدر مواردنا وإمكاناتنا ويمحو كل آثار التطور والتقدم. الوقت هو أحد أهم القيم التي يجب العمل على حفظه والاستفادة منه بالدرجة القصوى، وإن لم يحدث فمصيرنا النسيان والتخلف والخسارة الفادحة. بالرغم من إمكانية اختلافي وانتقادي للسيد رئيس الدولة في موضوعات عديدة إلا إنه في هذا المقام يجب أن أوجه التحية والشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي على إدراكه لأهمية عامل الوقت وتوجيهاته الدائمة بضرورة اختصار الزمن في تحقيق المشاريع وتنفيذها وهو ما يعكس فهمه ووعيه للقيمة الكبيرة للوقت الذي أصبحنا لا نملك رفاهية إضاعته وإهداره. وإني أضم صوتي كمواطن لتوجيهات الرئيس لأنادي على كل المسئولين والمعنيين باتخاذ القرار بضرورة تسريع وتيرة العمل والنظر في المعوقات والعوامل التي تحول دون الاستفادة القصوى للوقت على كافة المستويات من رجل الشارع إلى أكبر المؤسسات.
وتعتبر المشكلة المرورية في مصر أحد أهم عناوين إهدار الوقت والموارد. اكتظاظ الحركة المرورية وتكدس الطرق تبطئ الحركة وتؤثر بشكل سلبي على معدلات تحقيق الأعمال وهو ما ينعكس بأضرار بالغة على الاقتصاد والاستثمار والسياحة والتجارة ناهيك عن ما يخلقه من تكدير المواطنين وتضخم الآثار الناجمة عن الزحام من تلوث وحوادث وضياع الفرص وتقليص حجم ما يمكن إنجازه. وهنا أقترح تشكيل لجنة عليا لوضع خطة عملية للقضاء على ظاهرة الزحام المروري واتخاذ كافة القرارات والتدابير لحل ومعالجة هذا التحدي الذي يقيد حركة مصر ويحد من قدرتها على الإنجاز ويهدر الموارد ويستهلك طاقتها ووقودها ببطء. المشكلة المرورية لها حلول تبدأ من التنظيم الحازم للطرق والمركبات واتجاهات السير والحركة بالإضافة لتغيير أماكن المصالح الحكومية ومؤسسات الدولة ومراكز العمل ونقاط التركيز. لا يسعني سوى أن أحسب قيمة الفرص الضائعة نتيجة للتكدس المروري والزحام وبطء الحركة، وهو أيضا ما يجعلني أن أعلن أننا مع أغلب الظن من أغنى دول العالم وأثراها بحساب ما يهدر من موارد وفرص ووقت، فلولا هذا النزيف المستمر لوصلنا لآفاق أكبر وأعظم مما يتخيله الجميع. ولا يمكن لنا أن ننهض ونحقق التطور والنجاح والرخاء لمجتمعنا بدون إيجاد حلول إبداعية وواقعية للتغلب على ضياع الوقت. وأطالب المسئولين بضرورة نقل كافة المؤسسات والهيئات الحكومية خارج أحياء القاهرة القديمة وتسكين الوزارات وغيرها من الأدوات الحكومية في أحياء القاهرة الجديدة كالعبور والسادس من أكتوبر والشروق والتجمع الخامس بشكل فوري بالإضافة للاستفادة من ثورة المعلومات والاتصالات لنقل أنشطة مجمع التحرير إلى مواقع أخرى في الصعيد والدلتا والإسكندرية للتسهيل على الجمهور الذي يعاني من السفر والتنقل لقضاء متطلباته.

2. التعليم: أحجية الدروس الخصوصية والمجموعات (القيمة والضرائب)
المؤكد أنه لا يوجد شخص يؤمن بالتنمية والنهوض بالبلاد إلا وكان التعليم على رأس قائمة الأولويات. فالجميع يعرف ويدرك أن منظومة التعليم في مصر منهارة تماما، حتى أن اسم الوزارة لم يعد يعبر عن النشاط الفوضوي التي تقوم به. فلا تربية على الإطلاق وبالتأكيد لا تعليم يذكر. وقد بدأت المنظومة في الفشل منذ أن وقعت الدولة في دائرة الحروب (حرب فلسطين 1945-1948، العدوان الثلاثي 1956، حرب اليمن1964-1965، حرب 1967 وحرب الاستنزاف والسادس من أكتوبر1967 - 1973) واستنزفنا كافة مواردنا وخلال ثلاثة عقود بدأت إشكاليات الاقتصاد المنهك من بطالة وعدم توفر الموارد، لذلك بدأنا بتصدير أثمن ما نملك، مواردنا البشرية. صدرنا أفضل المدرسين والمعلمين والموجهين إلى دول الخليج خاصة والدول العربية عامة في مقابل العملة الأجنبية التي يدرونها بالإضافة إلى تخفيف أعباء الدولة من جهة التوظيف ودفع الرواتب وما إلى آخره، أضف إلى ذلك الزيادة الهائلة في التعداد السكاني التي تقارب النسب القياسية وهي الآن تصل إلى مليون ومائتي ألف مولود كل تسعة شهور، وهو ما يوضح التحدي الكبير الذي تواجهه منظومة التعليم الأساسي والجامعي في ظل موازنات مالية لا تزيد بالتناسب مع الزيادة السكانية. وفي الواقع إن تصدير المدرسين الأكفاء والزيادة السكانية المستمرة لا تشكلان العقبات الرئيسية أمام منظومة التعليم فحسب إنما يعد التسيب الذي أصاب معظم أركان الدولة جزء لا يتجزءا من هذا التحدي الكبير، فمنظومة الدروس الخصوصية والمجاميع الدراسية خارج نظام التعليم الرسمي تشكل عبئ كبير وتعد أحد أهم عوامل فشل المنظومة التعليمية ككل. ولا يمكن النظر لمنظومة الدروس الخصوصية بدون التفكير أنها أحد أهم حلقات الفساد الكبرى في المجتمع وهي تشكل أيضا دولاب رئيسي من دواليب الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الموازي الذي يحد من قدرة البلاد ويثقب كل أعمدة الاقتصاد الرسمي.
إن ما تنفقه الأسر المصرية على الدروس الخصوصية والمجاميع الدراسية يكاد يكون أضعاف ميزانية التعليم الرسمي أو ما تنفقه الدولة على التعليم. وتشكل الدروس الخصوصية عبئ يثقل كاهل الأسر المصرية ويضعف من قدراتها المالية والاقتصادية ويخلق نوع من أنواع النشاطات التي تخرج عن إطار المحاسبة الرسمية فيما يتعلق بالضرائب العامة وضرائب الدخل وما إلى ذلك. وإنني أدعي أنه لو تم منع وتحريم وتجريم الدروس الخصوصية خلال السنوات الخمس القادمة سيشهد الاقتصاد المصري طفرات كبيرة في معدلات الإنفاق والاستهلاك والادخار والاستثمار، حيث ستوجه كل هذه الأموال (من ربع إلى ثلث الميزانية الأسرية) إلى الأنشطة الاقتصادية المذكورة. هذا بالإضافة لكون الدروس الخصوصية أصبحت وسيلة لابتزاز الطلبة والأسر ووسيلة أساسية لتدمير منظومة التعليم في المدارس وهي رشوة صريحة تقدم للمدرسين في مقابل التغاضي عن ممارسة التعليم الحقيقي ووضع معايير حقيقية للتطور الفكري والمهاري. إن وقف الدروس الخاصة والمجموعات الدراسية تماما هو قرار سيادي يجب تطبيقه بلا هوادة أو تراجع لإظهار إرادة الدولة على النهوض بأهم الأنشطة على الإطلاق وبإنقاذ الشعب المصري من هذه الدائرة المفرغة من الفساد والجهل والفقر.
المدرسين والمناهج والمدارس هم الأضلاع الثلاثة لإشكالية التعليم المصري، فبدون العمل على تخريج أعداد كافية من المدرسين المتمكنين من أنشطة التربية والتعليم وبدون إيجاد لهم المكافئات المناسبة وظروف العمل والمعيشة الآدمية لا يمكن لهؤلاء أداء المهمة المطلوبة منهم، أما المناهج فهي الأدوات الرئيسية للمعلمين والتي لا يمكن لهم العمل بمواد متأخرة أو متخلفة لا تواكب العصر والتطور حول العالم. المناهج لا تقتصر على الكتب والمطبوعات إنما تشمل المناهج الحديثة على مجموعة كبيرة من الأدوات والأنشطة التي تشكل مناهج متكاملة تدفع العملية التعليمية إلى الأمام. من أهم أضلاع الإشكالية التعليمية المدرسة، ذلك الحيز والمكان التي يجتمع فيه المعلمين بالطلبة والمناهج لتحقيق عملية نقل المفاهيم وإيصال المعلومات وزيادة الوعي والإدراك وصقل المهارات والتدريب والتربية البدنية والفكرية. إن الحيز المدرسي يعد أهم العناصر في العملية التعليمية، فلا بد من توافر المساحة المناسبة (أي القدرة الاستيعابية) داخل المدرسة ومنها داخل الفصول ويجب توافر متطلبات أساسية في هذا الحيز من مختبرات علوم وغرف للفنون وساحات للتدريب الرياضي وتجهيز الفصول بأجهزة الحاسب الآلي وتوفير الكراسي والمكاتب الكافية وإيجاد الإضاءة والتهوية اللازمة وتوفير الحمامات المناسبة للمدرسين والأطفال وعمل الترتيبات بالاحتياجات الخاصة ووضع معايير الآمان والسلامة بالإضافة لخلق أماكن مناسبة لاستراحة المعلمين والعمل الإداري والمالي. بدون توافر الشروط السابق ذكرها لا يمكن للعملية التعليمية أن تحقق الأهداف المرجوة ولن نتمكن من النهوض بمجتمعاتنا وأجيالنا المستقبلية أو التعويل عليها كلبنة أساسية قي منظومة الدولة الحديثة.
أرفق هذا الجدول الذي نشرته جريدة المصري اليوم بتاريخ 19/9/2014 لنتمكن من فهم أبعاد ظاهرة التعليم في مصر.

17619 عدد مدارس التعليم الابتدائي
10928 عدد مدارس التعليم الإعدادي
2994   جملة مدارس التعليم الفني
903   عدد مدارس التربية الخاصة
50   ألفا عدد المدارس الحكومية
9   ألاف عدد المدارس الخاصة
19   مليون عدد طلاب مصر
9906249   عدد الطلاب في المرحلة الابتدائية
44   أ لفا طالب عدد طلاب المرحلة الإعدادية
1445472   عدد الطلاب بالثانوي العام
40   طالبا حسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم كثافة الفصول فى مصر
165513 طالبا وطالبة  بالتعليم الفنى


و في هذا السياق وفي إطار إيجاد حلول واقعية لإشكالية التربية والتعليم في جمهورية مصر العربية أقترح التالي، إنشاء وتطوير المدارس المتاحة لتصبح مدارس مغناطيسية (جاذبة للمجتمع):
مدارسنا الآن طاردة لا تجذب الأطفال بل تعمل على إبعادهم عن المسار التعليمي فكل الممارسات تؤدي للنهايات متشابهة لا تعليم لا تربية لا اهتمام ولا رعاية. إذا كيف نغير هذا النمط السلبي الذي أدى إلى إنهاك البعد الثقافي للمجتمع المصري؟ المطلوب هو سياسات مبدعة خلاقة تزيل المنظومة المتهالكة وتعيد الأمل في إمكانية إحلال هذه المنظومة بأسلوب بديل. المدارس يجب أن تتحول لمراكز نهوض للمجتمع بشكل عام لا تنتهي وظيفتها بانتهاء الحصص الدراسية بل يمتد اليوم لتقوم المدرسة بأدوار أخرى في التوظيف والدعم والتوجيه المجتمعي، بالإضافة لصقل المهارات وتنمية القدرات ونشر الوعي والمشاركة في العمل العام. ويجب أن يبحث مقترح عمل مجلس أمناء لكل مدرسة من رجال الأعمال والمثقفين والمهتمين يعمل بالتنسيق مع مجلس أولياء أمور حقيقي يقوم بجمع الموارد وحشدها، والعمل على تطوير المدرسة والتنسيق بين إدارتها الفعلية والأطراف المعنية في المجتمع والدولة. تحديث العملية التعليمية لن يتحقق سوى بالإبداع قي حل المشكلات التقليدية المزمنة وتوجيه أغلب الموارد والجهود لذلك.

3. نقل الوزارات والمقار الحكومية: التواجد في أماكن التخصص
ماذا تفعل وزارة الشئون الإجتماعية في القاهرة؟ نعم توجد أحياء فقيرة وعشوائية في العاصمة العملاقة، لكني أرى أولوية العمل في أفقر المحافظات. فلماذا إذن لا ننقل الوزارة إلى إحداها؟ فمن المنطقي والطبيعي أن تتواجد الوزارة أو الهيئة المعنية في مركز عملها لتباشر بشكل يومي ودائم مع أولائك الذين يجب خدمتهم والعمل على حل مشاكلهم. أما أن توجد الوزارة هنا في القاهرة لتنعم بالخدمات ويبذل المواطن كافة إمكاناته للوصول إليها من كافة أرجاء الجمهورية فهذا عبث. يجب وضع قائمة بأفقر المحافظات وأكثرها احتياجا للمساعدة والعمل الاجتماعي لنرسل لها الوزارة بكل من فيها ليباشروا العمل في الموقع المعني.
وكذا الحال لوزارة الصناعة ووزارة البترول ووزارة الكهرباء ووزارة الري الخ... ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل إنني أقترح مراجعة تواجد أدوات حكومية عديدة في غير محلها الطبيعي، فمثلا لماذا يوجد قسم منطقة العجوزة في هذا المكان بشارع نوال وبهذا الشكل المستفز الذي يضيق من الحركة ويكرس الإحساس بتعمد جهاز الشرطة فرض أمر واقع بالقوة وبغير المنطق. ولماذا تستولي وزارة الداخلية على فيلات تاريخية أو قصور وتحولها إلى أقسام شرطة أو مراكز أمنية كما هو الحال في أحياء مثل الزملك وقصر النيل والدقي وفي كافة أرجاء الجمهورية. لقد آن الأوان لتنتهي هذه المظاهر من الفجاجة وسوء التخطيط والتعمد في إهدار الشكل الحضاري والقيم الإنسانية بالصلف والقوة المسيئة للبلاد والعباد.
ولا يمكن الحديث في هذا الشأن بدون الرجوع مرة أخرى لوزارة الزراعة التي رج الفساد أرجائها مؤخرا. ومنذ وقت طويل ظلت وزارة الزراعة مثيرة للجدل حول الدور التي تقوم به في دولة توصف أساسا أنها دولة بنيت على الحضارة الزراعية. فمنذ ثورة 1952 استولت الوزارة على أحد أجمل القصور في منطقة الدقي وكذا على مساحات هائلة من الأراضي والمسطحات الموجودة في ذات المنطقة. وبدأت مع هذا مسلسل من التوسع والتدهور في النشاطات ونطاقات العمل، فأصبحت الوزارة تسيطر على حدائق الحيوان بغير اختصاص وأصبحت تسيطر بغير وجه حق على المتحف الزراعي الذي كان يعد من أجمل وأهم المتاحف الحضارية والتراثية المصرية وتوسعة سطوة ونفوذ الوزارة حتى أصبح يعمل بها أكثر من ست مائة ألف موظف ما بين هيئاتها ومراكز أبحاثها وحدائقها ومتاحفها ومديرياتها المنتشرة في كل محافظات الجمهورية. وقد أتغاضى قليلا عن فكرة ضرورة وجود المقر الرئيسي في قلب العاصمة لدواعي إدارية وتنسيقية، إنما وجود شارع كامل من مراكز البحوث والهيئات المتخصصة هو ما يثير انتباهي. فمنذ زمن بعيد ضحت القاهرة بمعظم أراضيها الزراعية من أجل التوسع العمراني العشوائي الغير منظم وفقدت بذلك الكثير من محيطها الزراعي وثروتها الطبيعية واستبدلتها بكتل حجرية وأسمنتية مصمتة عبرت بذاتها عن فشل الوزارة المدقع في وضع سياسات حكيمة وثابتة تحافظ على الأرض والنشاط الأساسي التي تعنى به. وإذ بالوزارة تغرق في سبات عميق تنتهي خلاله زراعة القطن المصري وتجرف الأراضي لصنع الطوب الأحمر القبيح، وتنتشر الأمراض نتيجة لانتشار استخدام المبيدات الضارة بالإنسان والحيوان والتوسع في استعمال الأسمدة الخطرة التي لوثت الأرض ومصادر المياه بالإضافة للتصرف في الأراضي المستصلحة والقابلة للتوسع الزراعي من خلال دوائر من الفساد والمحسوبية. ولهذا تفاقمت أزماتنا المتعلقة بالاكتظاظ السكاني والبشري وزادت من الضغوط على الموارد والقدرات الشحيحة أصلا.
ولا يمكن الحديث عن تحريك الاقتصاد الداخلي والنهوض بالدولة قبل أن يقتنع المسئولين بأهمية اتخاذ قرارات مصيرية وصعبة لكنها هامة وضرورية بل حتمية تحد من إضاعة الوقت والموارد، وتفاقم الجهل والتخلف بإهمال العملية التعليمية وعدم التقدم بأفكار وطنية جديدة خلاقة تبدع في مواجهة مشكلاتنا وتحدياتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة