الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغامرات صحراوية.. قراءة في كتب حول الصحراء الكبرى

محمد عبعوب

2021 / 9 / 18
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


استأثرت الصحراء الكبرى منذ القدم باهتمام العديد من المغامرين والرواد سواء على صعيد الدول او الافراد، وذلك لدوافع مختلفة يأتي في مقدمتها الرغبة في التوسع و الهيمنة وحصد المكاسب الاقتصادية، او بدافع حب الاستطلاع و الاكتشاف التي سجلت العديد من الرحلات التي قام بها مغامرون ومغامرات لمجرد الالمام والمعرفة بعالم يسوده الغموض و تروى حوله الغرائب.
كتابان لمؤلفين جابا هذه الرقعة من القارة الافريقية خلال النصف الاول من القرن العشرين ، يثيرهما حب الاستطلاع و ما يروى من حكايات خيالية عن هذا العالم الغامض، كما و إن بصورة غير مباشرة خدمة لمشاريع توسعية لدولتيهما او ممولي رحلتهما.
الكتاب الاول الذي أهدتني إياه شبكة المعلومات الدولية، لرحالة انجليزية تدعى "روزيتا فوربس" زارت خلال عشرينات القرن الماضي واحة الكفرة في رحلة مثيرة منطلقة من مدينة اجدابييا على ظهر جمل ضمن قافلة تحت رعاية الحركة السنوسية التي كانت سلطتها الروحية على ليبيا في طور التبلور في تلك الفترة في ظل الحكم الايطالي .
في هذا الكتاب الذي وضعت فيه المؤلفة خلاصة رحلتها المليئة بالمصاعب والأخطار، تظهر مدى جسارة وصلابة هذه السيدة الانجليزية التي ولدت وترعرعت في ثلوج وخضرة الجزر البريطانية، وتقرر بحب استطلاع جارف خوض هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر و المصاعب، إن لجهة الطبيعة الصحراوية القاسية لطريق الرحلة ، او لجهة المخاطر الامنية في تلك الصحاري القاحلة سواء من جانب قطاع الطرق او انعدام المياه والعواصف و ندرة العلامات الدالة على الطرق الصحيحة والسليمة للوصول الى تلك الواحة التي سيطر حب استطلاعها والتعرف على تفاصيلها على عقل المؤلفة وشجعها الى خوض هذه المخاطر..
الكتاب يضم تفاصيل دقيقة مهمة جمعتها المؤلفة، سواء على صعيد طبوغرافيا المناطق التي مرت بها او على صعيد التركيبة السكانية للجماعات والقبائل التي صادفتهم خلال مرور قافلتها بالواحات .. لم تترك المؤلفة مشهد وقعت عليه عيناها خلال هذه الرحلة إلا وسجلت تفاصيله وخلفياته مستعينة بمرافقيها او من تقابلهم خلال هذه الرحلة.. عديد الحوادث التي عاشتها المؤلفة خلال هذه الرحلة، سواء الطبيعية مثل ندرة المياه ونقص الغذاء والسير مئات الأميال على الاقدام ومواجهة عصابات قطاع الطرق او قبائل تشك في سلامة مشروعها الاستطلاعي و تهدد بقتلها ورفاقها، وهي مخاطر قليلا ما يصمد أمامها حتى الرجال، لكن هذه السيدة الجسورة أصرت على تحدي هذه المصاعب والمخاطر والوصول الى هدفها وهو واحة الكفرة التي أثار خيالها غموض ما سمعته عنها من مرافقها المصري حسنين.
القراء الأعزاء اذا قررتم قراءة هذا الكتاب، وهو مطول بعض الشيء؛ عليكم بالتزود بقنينة ماء دائما كلما فتحتم الكتاب، ذلك ان معاناة هذه الرحلة وجو الصحراء الحارق وعطش هذه المغامرة سيتسرب اليكم ولن تستطيعوا التوقف عن مرافقة هذه المغامرة الجسورة .. بقى ان أشير الى أن المركز القومي المصري للترجمة الذي ترجم ونشر هذا الكتاب أخطاء في عدم الاستعانة بمراجع من البلاد التي جرت فيها هذه الرحلة، أي ليبيا ليتفادى الأخطاء التي وقع فيها فيما يتعلق بأسماء بعض الأماكن والقبائل والأشخاص والأدوات و التقاليد بشكل صحيح، ذلك ان المترجم يفتقر بكل تأكيل للإلمام الدقيق بهذا الجانب ، وكان حريا الاستعانة بمواطن من الكفرة او اجدابيا لتصحيح هذه الأخطاء..
الكتاب الثاني حول هذه الصحراء وضعه الكاتب الانجليزي "جيمس ويللارد" خلال عشرينات القرن الماضي، صدرت طبعته العربية الاولى عن مكتبة الفرجاني بليبيا عام 1967 .. يضم الكتاب تحليلات عميقة وقيمة يقدمها المؤلف لمشاهد و وقائع رصدها هو خلال رحلته قاصدا مدن افريقيا جنوب الصحراء انطلاقا من مدينة مرزق بالجنوب الليبي، كما يستند في جزء كبير من تحليلاته على ما سجله رحالون ومغامرون بينهم سيدات وتجار سبقوه في عبور الصحراء الكبرى منذ فجر التاريخ وحتى النصف الاول من القرن العشرين في رحلات شاقة قاصدين اهم مراكزها التجارية ، مثل هيرودوتس و ابن بطوطة وابن ماجد وليو الافريقي إضافة الى ما دونه عشرات الرحالة و المغامرات المعاصرين للمؤلف والسابقون له، الذين استفاد منهم في إنجاز كتابه هذا.
كانت انطلاقته في رصد مشاهد من هذه الرحلات الشاقة والمليئة بالمخاطر من مدينة مرزق بالجنوب الليبي التي كانت حتى عشرينات القرن الماضي تشكل مركزا تجاريا مهما وملتقى للتجارة بين افريقيا جنوب الصحراء ومدن ساحل جنوب المتوسط و اوروبا.. كما يضع القارئ في خضم ما شهدته منطقة الصحراء من غزوات وحروب خاضتها الدول الاستعمارية الأوروبية منذ القرن الثامن عشر وحتى أربعينات القرن العشرين، دفع فيها الأفارقة ثمنا باهظا من دمائهم و حياتهم ولا زالوا يدفعون حتى هذه اللحظة.
يسرد المؤلف الكثير من المخاطر والمصاعب التي واجهها و الرحالة السابقون في رحلاتهم لعبور الصحراء الكبرى التي كانت تشكل لهم لغزا مليئا بالاسرار، كما يقدم تفصيلا و توثيقا لثقافات القبائل والشعوب التي مروا بها في مسيراتهم المثيرة.. الكتاب بالرغم ما يحويه من تحامل على الإسلام بربطه للكثير من الأخطاء والوقائع التي عاشها هؤلاء الرحالة خلال مرورهم بقبائل تدين بالاسلام خلال هذه الرحلة بالإسلام كدين، إلا أن القارئ المتمكن والملم بالخلفيات الثقافية للمهتمين بالشأن الافريقي عن الاسلام في تلك الفترة، لن تثيره تلك الأحكام المضللة التي يسردها المؤلف في تحليله لخلفيات الحوادث التي مر بها هؤلاء الرحالة و المغامرين. الكتاب فيه الكثير من التفاصيل المثيرة عن معانات تجارة القوافل وتضحيات خدمها ، و ما عاناه الأفارقة من تجار الرقيق خلال رحلات الموت عبر هذه الصحراء المخيفة ..
الكتاب في تقديري يعطي للقارئ فهما أوسع و أعمق لما نعيشه اليوم من عودة لظاهرة الاستعمار الغربي (الاوروبي الامريكي) للقارة بصورة جديدة تعتمد على استنزاف خيرات القارة ومواردها الاقتصادية مسنودا بسلاح التهديد بالتدخل العسكري و بأدوات محلية صنعتها آلته الإعلامية الجبارة، و بقرارات تصدرها ما يعرف بهيئة الأمم المتحدة التي هي اليوم مجرد مؤسسة لشرعنة هذه التدخلات، مستبعدا الشكل القديم للغزو المباشر .
--------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا