الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الى جان دمو في زمن الفجيعة

علي رشيد

2003 / 5 / 13
الادب والفن


 

هل يحق لي أن أرثيك أيها النائم فوق فوضى الرحيل ، ومسالك المدن الممنوعة من الرغبات ، هل يحق لي أن أرثيك ايها المستديم في ضياع جميل أوصلك لموت بعيد عن إلفة الأمكنة التي لم تألفها  .
وهذا العذاب السرمدي وهو يوشم تفجعه في ملامحك المترعة بالحرمان ، كيف له أن يجد نبيا زاهدا بالجاه ، وضجيج التعاليم وبهلوانية الكتبة الصغار ونساخي الكذب ومروجي ثقافة الأشاعة وكتاب التقاريروالنميمة ، والشعراء المنسوجين على هيئة مدح  .
 كيف يمكن لهذا العذاب الذي مارس زهوه بفروسيتك أن يجد نبيا بعد رحيلك ايها النبي الهائم خارج الزمن المر وصلافته المختومة بالخسران .
 كيف يمكن لهذا العذاب أن يستوطن جسد نحيل متمرد على زمنه الضاج بالخديعة والردح ، زمن القتل الضرورة ، والموت الضرورة ،  والحرب الضرورة ، ومفلسف هذا الزمن  ( القائد) الضرورة ، والابن ( المشوه ) الضرورة ، وهو يتربع فوق عرش الكلمة ويفتض نزاهتها  
( الكلمة التي أسسّت لعفتها ) بينما تقافز مثقفو الفرص كالثعالب الفرحة بكل كم الخراب الذي أطاح بعفة الشعر ،
جان دمو أيها الشاعر الفذ بنقائه ، لا بسلطة النص ، ايها المثقف الفذ بتمرده ، لا بكم الكتب المقروءة ، أيها المتمرد الحي الناضج بغيابه الحاضر ابدا ، لم تتزين للأماسي التي كانت تضج بالنباحين ومتصيدي العطايا والمتهافتين على فتات السلطة ، ولم تتصيدك العدسات في منابر الشعر ومرابد الكساد ونخاسة البيع للضمائر والنصوص .
جان دمو مؤسس ثقافة المقهى والبار .  ثقافة كانت تطيح بثقافة المؤسسة والوزارات وتهمش فاعليتها ، فلا غرابة أن يتمسح بأسمك ، وبمقهاك ، ومشربك النزيه حشد من مثقفي السلطة و التقارير، ومحرري وكتاب الصحف الرسمية .
 طوال حياتك وحتى بعد يومين من غيابك ، مازال هذا الرهط الرسمي  يغتسل بتاريخك من كلّ خطاياه ونصوصه وسلوكه المصهور بمصطلح التدنيس وتعكيرعذوبة الشعر ، كان و مازال هذا الرهط ينافق اسمك في كتاباته ، كم هائل من الكذب والتدنيس كانت تسطره خيالات وأحلام الكتاب والشعراء من أصحاب الزي الرسمي والمكاتب الفاخرة في وزارة الثقافة والأعلام ومثقفي الأمية الشائعة .
وسأعود لسؤالي البدء ، هل يحق لي رثاءك ؟ وأنا لست صديقا لك ولم أجالسك سوى مرتين يتيمتين طوال حياتي ، ومرة ثالثة جلست معنا في بار السعدون (في شارع السعدون ) أواخر السبعينات  لتشرب كأسك على عجل ، كأسك الذي دعيناك لتناوله معنا محبة حين كنا نحتفل بتخرج وتفوق صديقنا الفنان التشكيلي حسن عبود ( استاذ مادة الكرافيك في معهد الفنون الجميلة ) ، وكنا نتبارى لجرك الى الحديث عن الشعر والترجمة ، أنا وحسن والفنان عبد الأمير علوان والمسرحي سمير عبد الجبار والفنان علي الحمداني والشاعر الراحل و الجميل صاحب الشاهر رديفك في الصعلكة والفوضى والموت ، لكنك أصررت ( مجالستك الممتدة لنصف ساعة ) في الحديث عن طعم البيرة ودهاء أصحاب البار في غش البيرة ( الفل ) الرخيصة ، ولم نتمكن من أن ندون في ذاكرتنا حديثا مباشرا لك عن الشعر والحياة وبعد أن سرقتنا الحروب والمنافي لم ألتقيك بعدها أبدا .
 جان دمو اسم  عصي على المزايدة ، أسم يتكالب الأدعياء ( زورا ) بتدوينه بتاريخهم الشخصي الزائف ، ربما ليتجملوا من عهر سلوكي يلازمهم فيحاولوا أن ينتموا ( حتى ولو من خلال مقال مزور ) لعالمك الفنطازي الشاتم لقطيعهم ، خصوصا وهم يعرفون جيدا بأنك لن تقرب كتاباتهم ولست معنيا بتكذيبهم عن سيناريوهات تراكمت عن سكراتهم معك ، وضياعهم وصعلكتهم ( المزعومة ) وبصحبتك في المدن والبارات الممهورة بغيابك ، ومناداتك بأسمائهم لحظة السكر ، وتقاسمك وإياهم أرائك المقاهي والبارات في ليالي الشتاء  ، في الوقت الذي كان هؤلاء الأدعياء ينامون في فنادق الدرجة الأولى أيام المهرجانات ، ويمتلكون بيوتا وسيارات ( من هبات القائد ) ويمتلكون مرتب شهريا لايحلم جان دمو في الحصول على ثلثه وطيلة عمره .                
 جان دمو أيها الراحل  في صمته الأبدي الى صمت أبدي  .
 ربما جاء رحيلك أعتراضا على زمن أناخ عصر الفجيعة بين ثنايا هزائمنا وموتنا وخذلاننا ، زمن المقابر الجماعية ، وقتلى الحروب ، والمناحاة ، زمن اختفاء القتلة بعدما سرقوا عمرك وشوهوا الوطن المرسوم في مخيلتك ، زمن الانفلات والموت والحرائق ، ربما كنت تتساءل
أي بغداد ستعود لتتشرد في شوارعها ، وأي بار ستقضي بقية عمرك بين أرائكه وأي صحبة ستسامرهم   بعدما أحترقت بغداد ، وتشوهت خارطة الذاكرة والأرصفة والمقاهي التي كنت تتمنى أن تعود لألفتها ، وتناثرت أجساد الصحب والحبيبات  ، الى أي زمن كنت ستعود ، والى أي ذاكرة تحن ، بعدما دجّن الدمار والموت والكوليرا العراق لفجيعة جديدة تتحدث الأنكليزية هذه المرة ، بعدما توارى منظمو فجيعتنا الأولى وانتهاء مرحلة فجيعة السلطة وتحولنا الى فجيعة العولمة .
  هل استكان الموت بهدأتك ، أم أنك من سيدوّن بهذا الموت زمن رحيلك المبكر ، فتروض تجهمه الفج ليشاركك أنخاب كؤوس مازالت مترعة بهذيان السكرة الأولى والموت الأول .

هامش : أكرر أعتذاري لجان دمو عن رثائي هذا  ، وسأترك لجيش من المتمسّحين بذاكرته أن يتحدثوا ( بزيف )  عن  أيامهم ومنادمتهم معه ، لابأس يا جان أنه زمن النساخين ، فداوم بانشغالك بالموت عنهم ، كما كنت مشغولا بسكرتك عن ضجيجهم .
علي رشيد
11-5-2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي