الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمةُ شرق السُّودانِ والحقائقُ المُغَيَّبة ..!

فيصل عوض حسن

2021 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


بتاريخ 10 فبراير 2020، كتبت مقالتي الموسومة (مَتَى يَنْتَبْهْ اَلْسُّوْدَانِيُّون لِعَمَالَةِ حَمدوك)، تعليقاً على طَلَبَ حمدوك من الأُمم المُتَّحدة (الوِصاية) على السُّودان، وتسليم مجلس الأمن إدارة وتنظيم جميع شئوننا (الدَّاخِليَّة والخارجِيَّة)، وجَعْلِه رقيباً وحسيباً ومُنتشراً بطول البلد وعرضها، وتمكينه من كل شيئ دون حدودٍ أو استثناء.
حالة السُّودان حينها كانت شبه مُستقرَّة، والنزاع كان محصوراً في مناطق مُحدَّدة، وبالإمكان حسمه ومُعالجته بطرقٍ وأساليبٍ أُخرى، دون الحاجة لطلب (الوصاية) على (كامل) السُّودان، خاصة وأنَّ بعض مناطق النزاع كان (ولا يزال) تحت وصاية البعثات الأُمَمِيَّة، التي فشلت في حماية المدنيين، إنْ لم أقل زادت أوضاعهم تعقيداً. لذلك قلت وقتها بأنَّ حمدوك وقحتيُّوه (عُملاءٌ) للخارج و(أزلامٌ) للكيزان، وأنَّهم سيعملون بتنسيقٍ مع العَسْكَر على (إشعال) الصراع في (بقيَّة) مناطق السُّودان، حتَّى (يُشرعنوا) لطلب الوصاية، مع إطلاق أبواقهم الإعلامية، لتضليلنا وإلهائنا بـ(هيافاتهم) المُتلاحقة، ريثما يُكملوا (العَمَالة) ونجد أنفسنا مُجبرين على القبول بـ(تمزيق/تفتيت) السُّودان، ذلك المُخطَّط الشيطاني الذي بدأه الكيزان، ويستكمله حُكَّامنا الحاليين (عَسْكَر/مدنيين)، ولعلَّنا نحيا ذلك الواقع الذي (أوقعوا) غالبيتنا في فخاخه، ومن ضمنه أزمة الشرق وغيرها من الأزمات، التي (صنعها) حُكَّامنا تبعاً لأحداثٍ/إجراءات مُخطَّطة ومدروسة بعناية.
شَكَّلت اتفاقيات جوبا الآليَّة أو المُنطلق الرئيسي، لاستكمال مُخطَّط (التفكيك)، وهي اتفاقاتٌ رفضها جميع أهل السُّودان (الأصيلون/أصحاب الوَجْعَة)، وعلى رأسهم أهلنا البجا (الأصيلون)، الذين أكَّدوا مراراً عدم مُشاركتهم في تلك الاتفاقيات، وأنَّهم لم يُفَوِّضوا أحداً لتمثيلهم فيها، وأعلنوا بوضوح أنَّ من يتحدَّثون باسم الشرق في جوبا، لا ينتمون للسُّودان من أساسه وليس فقط الشرق، وهي الحقيقة التي أقرَّ بها بعض أُولئك (المُجنَّسين) صوت وصورة. وبعيداً عن أزمة الشرق، دعا الكثيرون حمدوك لحسم فوضى المُجنَّسين، الذين جَلَبَهم الكيزان بمجموعاتٍ كبيرةٍ ومنحوهم الجنسيات والمزايا المالِيَّة والسُلْطَوِيَّة، وطالبوه بمُراجعة جميع الهويات/الأوراق الثبوتِيَّة المُستخرجة منذ 1989 على الأقل، والإبقاء فقط على (الهويات) المُسْتوفية للقوانين التي كان معمولاً بها قبل المُتأسلمين، وذلك لحماية السيادة الوطنِيَّة، وضمان التَحَوُّل الديمُقراطي وبناء دولة القانون، وتسهيل (عودة النَّازحين) وضحايا الحرب لمناطقهم الأصيلة، حيث تمَّ استيعاب أُولئك (المُجنَّسين) في المليشيات الإجرامِيَّة لا سيما الجنجويد، وتوطينهم في غالبِيَّة أراضينا خاصَّةً بدارفور والشرق. ولكن حمدوك وقحتيُّوه (عَزَّزوا) سطوة (المُجنَّسين)، وجعلوهم أطرافاً رئيسيَّة في مُفاوضات/اتفاقيات جوبا الكارِثِيَّة، ليستعينوا بهم في تفكيك ما تبقَّى من السُّودان، على نحو ما يجري الآن بالظبط، وهذه من أكبر (الخِيانات) الحمدوكيَّة في حق السُّودان وأهله، وما كان ينبغي لها أن تكون، لو كان حمدوك يتمتَّع بذَرَّة من الوطنِيَّة. وتركيزي على حمدوك لأنَّه (خان) ثقة الشعب، ويعمل بخبثٍ استثنائي، ودون أي سُقُوف أخلاقِيَّة أو إنسانِيَّة، مما يُحتِّم توثيق تلك (الخيانة) للتاريخ بشفافِيَّةٍ ووضوح، والتذكير المُتواصل بها دون تخفيفٍ أو تجميل!
أطلقَ حمدوك وقحتيُّوه مجموعة من (المقاطيع) وآكلي الفتات لتضليل الرأي العام (الدَّاخلي/الخارجي)، بشأن ما يجري في الشرق، ومن أبرز تلك التضليلات مُحاولاتهم المفضوحة لوصف ما يجري في الشرق تارةً بالصراع (القَبَلي)، وتارةً بـ(العُنصُرِيَّة)، وذلك تدليسٌ سافرٌ للحقائق، ويعكس اختلالاً مفاهيمياً كبيراً، لأنَّ الصراع القَبَلي يكون بين مُكوِّنات (سُودانِيَّة فعلاً)، ولأنَّ العُنصُرِيَّة تعني الشعور بالتفوُّق والإقصاء/التمييز بين البشر، على أساس اللون أو الانتماء العرقي، وما يحدث في الشرق يختلف تماماً عن هذه المفاهيم. فأهلنا البجا يُقاومون المُجنَّسين (الإريتريين)، الذين يكرهون السُّودان وأهله كُرهاً خُرافياً، ولم يُنكروا أو يخفوا ذلك الكُره، كما لم ينفوا انتماءهم الوجداني لبلدهم الأصل إريتريا، وبلغت وقاحتهم حدوداً غير مسبوقة، حينما نَادَى (رموزهم دعك عامَّتهم) بقتال وضرب السُّودانيين (إجمالاً) بالصواريخ، وبعضهم يُنادي الآن بـ(الوصاية) على السُّودان، حتَّى يتشرَّد أهله (الآمنين) كما حدث لهم، بخلاف الشتائم والإساءات التي يعفُّ اللسان عن ذكرها، والتي طالَت الجيش السُّوداني الذي يُداهنونه الآن!
أهلنا البجا مَارسوا ضبط النَّفس لأقصى درجة، وزاروا الخُرْطُوم مراراً وتكراراً، وأوفدوا ممثِّلين عنهم لجوبا، وجلسوا مع العَسْكَر والمدنيين، واستقبلوهم في الشرق، وتَلقُّوا وعوداً جميعها كانت (كاذبة)، وبمثابة تخدير بينما يمضي حمدوك وقحتيُّوه في مُخطَّطاتهم الخبيثة بلا حياءٍ! وحمدوك بصفةٍ خاصَّة، كان له القدح المعلَّى في (تأجيج) الشرق، من خلال احتوائه للمُجنَّسين الإريتريين، خصماً على أهل الشرق (البجا السُّودانيين الأصيلين)، حتَّى قبل اتفاقات جوبا، على نحو اختياره شخصاً (فاقد الأهلِيَّة) كوالي لكسلا، وهو اختيارٌ فَضَح (أكاذيب) حمدوك بشأن التزامه بـ(الكفاءة) وقِيَم ومبادئ الحُرِيَّة والشفافِيَّةِ والعدالة وإصلاح الخدمة المدنِيَّة، التي وعدَ بها عقب إعلانه رئيساً للوُزراء. والأخطر، أنَّ ذلك الشخص لم يُخفِ انتماءه وولاءه لإريتريا ويتباهى بذلك، ولكن حمدوك (تجاهل) رغبة أهل البلد المُتمثِّلة في اختيار (والي سُّوداني)، من أبناء السُّودان المُؤهلين وهُم كُثُر، ويفوقون والي حمدوك والقحتيين أكاديمياً ومِهَنيَّاً وأخلاقياً، مما دفع أهلنا السُّودانيين للرفض ومُناهضة اختيار حمدوك، الذي تَرَاجَع بعد شهرين من الصراعات وأقال ذلك (المُجنَّس)! مع مُلاحظة أنَّ حمدوك صنع تلك الأزمة واختفى تماماً، وترك الجميع في صراع على نحو ما يجري الآن بشأن مسار الشرق الكارثي!
إنَّ تصعيد أهلنا البجا الماثل، جاء بعدما استنفذوا جميع سُبُل التَواصُل والتفاهم مع حمدوك وقحتيُّوه، الذين أغرقوا السُّودان بكامله في (خياناتهم) المُتلاحقة، ولم تنحصر شرورهم على أهلنا البجا، الذين يُشكِّلون أحد محاور شعوبنا (الأصيلة). تلك (الأصالة) التي توارثوها عبر الأجيال، وهي التي دفعتهم لضبط النَّفس رغم (مَرارَة) الظلم والتجاهل، وكل ما فعلوه هو التعبير (السلمي) ورفضهم للوصاية، وفرض المُجنَّسين عليهم، فقاموا بإغلاق مداخل ومخارج محطة الحاويات ومنطقة الكشف الجمركي في “دما دما”، بميناء بورتسودان بدءاً من عصر الجمعة 17 سبتمبر 2021، بجانب منطقة أوسيف على الحدود مع مصر، وإغلاق الطريق القومي بعددٍ من مناطق الشرق، مع استثناء عبور السيارات الخاصة والبَصَّات السفريَّة. وما أن أعلن أهلنا البجا عن ذلك، حتى امتلأت الأسافير وغيرها بالأكاذيب والتضليلات والتصريحات المُخجلة والدعوات السَّافرة، وغالبيَّتهم حصروا الموضوع في الأشخاص، سواء عمداً أو جهلاً، ووصفوا المُحتجين بما يُسمَّى (فلول)، وطالبوا بحسمهم بقُوَّة وفرض ما أسموه (هيبة الدولة)!
أين كان هؤلاء الأدعياء من المظالم التاريخيَّة لأهلنا البجا؟ ولماذا صمتوا تجاه التصريحات المُوثَّقة (صوت وصورة) للمدعو أركو مناوي، وهو يعترف بوقاحة غير مسبوقة: "أنَّ له صديقاً (اشترى) مسار الشرق"! من الذي (اشترى)، ومن الذي (باع)، وبأي صفة؟ وأين أصحاب الحق؟! لماذا صمتوا أمام (سُفُور) ووقاحة المُجنَّسين وتجاوُزاتهم الصَّارخة والمُتلاحقة ضد السُّودان وأهله؟! وأين المنطق في (حصر) قضايا أُمَّة وقومِيَّة (أصيلة/عريقة) كالبجا في شخصٍ واحد أو شخصين أو حتَّى مجموعة؟! وهل الملايين التي تقف ضد مسار الشرق، سواء من أهلنا البجا أو بقيَّة القوميات السُّودانِيَّة، جميعهم كيزان؟! وعلى أي أساس جلستم معهم سابقاً بنحوٍ مُوثَّق (صوت وصورة)؟! كيف تتهمونهم بـ(الكوزنة) وتجلسون معهم؟! وأين هؤلاء الخونة من تصريحات عرمان ومناوي وجبريل وغيرهم من تُجَّار الحرب والمُستهبلين، ودعواتهم الواضحة للجلوس مع الكيزان و(قبولهم)؟! ولماذا (تستنكرون) تتريس الشوارع، بعدما صَفَّقتُم لها بالأمس وقد أتت بكم لكراسي السُلطة، التي تمارسون منها (عَمالتكم) المفضوحة الآن؟!
لم ينشُد أهلنا البجا أي مطالب خاصَّة، كالمناصب وغيرها على نحو ما يُروِّج له المُجنَّسين وآكلي فتات قحت، وإنَّما تقدَّموا بمطالب عادلة وواضحة وبسيطة، وجميعها تصب في مصلحة السُّودان الكبير وليس فقط الشرق، لكن حمدوك تحديداً أصَرَّ على (تجاهلها) والمُضي في مُخطَّطه المُدمِّر، ودفع أهلنا البجا للتصعيد الماثل. ولا اعتقد أنَّ أي (سُّوداني/أصيل) يُؤيِّد تعزيز (سُطوة) المُجنَّسين، سواء في مسار الشرق أو غيره، وتزداد الحالة حساسية مع (المُجنَّسين الإريتريين)، بما يحملوه من أحقاد وكُراهِيَّة (خُرافِيَّة) تجاه كل ما هو سُّوداني، وفق ما أوضحنا في عددٍ من المقالات المدعومة بالمقاطع الصوتِيَّة/المرئِيَّة، كمقالة (السُّودانُ ومَهَازِل الإريتريين المُجنَّسين) بتاريخ 11 يوليو 2021، و(متى ننتشل السُّودان من اختطاف المُجنَّسين) بتاريخ 16 أغسطس 2021. ولا اعتقد أيضاً أنَّ أي (سُّوداني/أصيل) يخشى (مُراجعة الهُويَّة)، أو يرفض استرداد حقوقنا الضائعة ويقبل بظلم أهله ببقيَّة السُّودان! والحقيقة الأخطر، أنَّ حمدوك وقحتيُّوه (صنعوا) كل الأزمات من العدم، حتَّى (يُشرعنوا) لـ(خيانتهم) المُتمثَّلة في طلب (الوصاية) على السُّودان، وها هم الآن يُطلقون آكلي فتاتهم للترويج لهذه (الكارثة)، التي سيدفع تكلفتها السُّودانِيُّون (الأصيلون) وحدهم، وجميع من يُنادي بهذا الأمر من المُجنَّسين الذين لا تربطهم علاقة بهذه الأرض الطاهرة!
إنَّنا مُطالبون بقولِ الحقيقةِ بِتَجَرُّدٍ وحِيَادِيَّة دون مُوَارَبةٍ أو تجميل، وفتنةُ الشرق صنعها حمدوك وقحتيُّوه من العدم، وهي فَضَحت (ازدواجيَّة) البعض و(اختلال) مفاهيمهم، فبعدما كانوا ينتقدون أكاذيب الكيزان وفسادهم و(عَمَالَتِهِم)، يتغاضون الآن عن كوارث حمدوك وقحتيُّوه ويشكروهم عليها، ويُناصرون الأجانب ويتضامنون معهم ضد أهلنا (الأصيلين) بالشرقِ!
ليتنا نترك عواطفنا ونتَدَبَّر بعقولنا، ونفيق قبل فوات الأوان، ونعي بأنَّ ما يجري في الشرق ليس صراعاً قَبَلياً، وإنَّما هو غَزْوٌ واستيطانٌ واستعمار، يجب حسمه كلياً ومنعه مُستقبلاً، ويبدأ ذلك بالتضامُن والتكاتف الكامل مع أهلنا البجا، وإجبار حمدوك وقحتيُّوه على التراجُع. وللحديث بقيَّة في مقالنا القادم إن شاء الله، عن (عدم سُّودانِيَّة) الحاضنة الرئيسيَّة التي يتدثَّر بها مُجنَّسوا إريتريا بالأدلة والشواهد التاريخيَّة الرصينة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي