الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترويض الألم

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 9 / 20
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


عندما نصف الألم فإننا نعني تلك الحالة الصعبة من التوازن الجسدي ، الألم الجسدي لا تستطيع السيطرة عليه ، لكن يمكنك التماهي معه بشكل ما ، حيث تسلّمه طاقتك ، تقول : فليكن ما يكون !
رحلتي مع السّرطان جعلتني أستطيع أن أسلّم نفسي بهدوء للألم فقط أطلب أن ينتهي حتى لو كانت النتيجة هي الموت ، فأنت ترحل إلى الموت حاملاً كلّ أفكارك ، فيأخذك دون أن تدري، وتدخل في إغفاءة أبدية.
هناك أشياء تلامس قلبك الضعيف ، تسكنك في الحظة ما و أنت عازم على الرّحيل. الأمر الإيجابي هو لحظات السّعادة المرافقة للألم.
لم أكن قد حسبت حساب ليلة البارحة ، فقد كنت أحتفي بحفيدتي ، واختلطت دموع السّعادة بدموع الرّجاء ، وسهرنا إلى ما بعد منتصف الليل على الصوفاية الطويلة في المطبخ، كنا نلتحف الغطاء معاً ، ورأسينا متقابلين بعد أن ذهبت حفيدتاي إلى منزلهما ، فهما تعتقدان أن حفيدتي ريتا ملك لهنّ، ولا يسمحن لها بالحديث.
شعرت برائحة دخان دفعتني للسعال ، و ليس في منزلي من يدخن سيجارة ولو عن طريق الصدفة ، ذهبت حفيدتي إلى النوم، اعتقدت نفسي أنني سوف أغفو بسرعة بعد سهرة حبّ دافئة ، لم أشعر بأيّ ألم إلا الألم المعتاد و الذي يهدأ عند أخذ المسكن. أخذت المسكّن، هدأت قليلاً ، لكن بعد ساعة شعرت أن النهاية قد حلّت وعليّ مواجهتها. للنهاية صوت تسمعه بجلاء، سمعت حفيدتي صوت تجشؤي ، فاستيقظت ، و سألتني إن كانت تستطيع مساعدتي، أو أن تتواصل مع أولادي لينقلوني إلى الإسعاف , طمأنتها أن الوضع طبيعي، وسوف أتحسن بعد دقائق .
لم أشعر بالتّحسن . بل شعرت بأنني أتعرّق عرقاً غزيراً ، و أنني فقدت قوّتي ، لكن عليّ القبول ، وعدم إيقاظ الصبية الجميلة ، وما هي إلا ربع ساعة حتى سقطت أرضاً ، و أخرجت كل مافي أمعائي، وفقدت قوتي حتى على العودة إلى الفراش، لكنّني تمسّكت بالجدار ، وعدت. عادت حفيدتي إلى الاستيقاظ ، ولم تعد تستطيع النوم ، فذهبنا إلى غرفة الجلوس ، وتمددنا كل منا على صوفا. في انتظار الصباح ، ثم أغمضت حفيدتي أجفانها ، و انتقلت ببطء إلى المطبخ . حاولت أن أستجمع قوّتي، نزلت إلى الشارع ، و إلى طريق الغابة بينما لا أستطيع مساعدة نفسي ، اخترقني نسيم الصباح البارد ، عدت ، صنعت القهوة ، مارست حياتي بشكل عادي ، بينما حفيدتي لا تزال نائمة ، سألتني: ما الفرق بين الحياة و الموت؟ لم أعرف الفرق ، لكن رحلة الولوج إلى الموت كانت عادية ولو انتهى الأمر بلحظة كان ذلك طبيعياً، كما أن الحياة جميلة، ونسيم الصباح أخاذ ، وفي كلتا الحالتين: الموت، أو الحياة هناك أشياء تستحق التحدّث عنها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العمر الطويل
بارباروسا آكيم ( 2021 / 9 / 20 - 12:20 )
لك طول العمر يا سيدتي
و تمنياتي لك بالشفاء العاجل
و تمنياتي أن تكتبي لاحقاً عن تجاوزك لهذه المحنة


2 - تحية لك
نادية خلوف ( 2021 / 9 / 21 - 07:07 )
كل الحب لك بارباروسا


3 - هذا الألم
ماجدة منصور ( 2021 / 9 / 21 - 11:48 )
سيدة نادية : لما لا تعقدي معاهدة صداقة مع الألم...مثلما فعلت أنا!!0
هل تصدقي إن قلت لك بأن الإعتياد على الألم هو الذي جعلك ما أنت عليه فعلا و حقا!!0
رحلة حياتك ترتبط بالألم منذ لحظة ولادتك سيدة نادية...فنحن نلمس الألم العتيق في كل كتاباتك0
لك كل الإحترام
و ل ريتا كل الحب و التقدير


4 - تحية لك
نادية خلوف ( 2021 / 9 / 22 - 15:14 )
تحية لك ماجدة . هي أكثر من صداقة، ربما كنت و الألم كتوأم سيامي لا نستطيع العيش إلا متلاصقين . محبتي

اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل