الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزوة البعث الكبرى

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2021 / 9 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



لو تمعنا قليلاً بأوجه حياة الأمس وحياة اليوم، أيام الزمن الجميل، والأبيض والأسود، أو "أيام اللولو"، كمصطلح رومانسي، و"القرش المقدوح"، كيف كانت الحياة، وكيف كان البشر يتعاملون، وكيف كانت السنين تسير، بتناغم، وهدوء وانسياب، من دون الكثير مما طفا على السطح، وبات سلوكاً يومياً للفرد والمجتمعات بكل قرفه وبشاعته، ودناءته، وخروجه عن القيم والتقاليد والأخلاق...

فلم يكن لا احلى ولا اجمل من تلك البراءة والنقاء والصفاء والرتابة التي لا تعكرها أخبار السوء والقتل واللصوص والأوغاد، إنه زمن العلاقات الإنسانية البريئة الصافية الصادقة، والوجوه الباسمة البشوش التي كنا نقابلها، والتي خبرناها وعرفناها في ريفنا الجبلي الساحر الطاهر النقي قبل غزوة البعث الكبرى والإصابة بالجرثومة والفيروس القومي والناصري العنصري الخطير وغزو وتكاثر وتناسل المستعربين والمخبرين وكتبة التقارير التلاميذ النجباء لصلاح نصر وسيء الذكر والسيط عبد الحميد السراج (سلاحه الأسيد)، والأتباع من دعاة العروبة الكاذبة واستحضار واستجلاب انموذج دولة "المباحث" الفاشي المخابراتي العسكري الأمني الشرير لمطاردة الشرفاء والأحرار والمثقفين والوطنيين الأحرار وشيطنتهم وإيقاظ كل النعرات القبلية والعشائرية والعائلة و"الفتن" النائمة والدفع بها وزجها على مسرح الحياة وفي ورش لتفجير وضعضعة المجتمعات وخلخلة بنيانها المجتمعي والعمل والسطو على الممتلكات الشخصية والأملاك الخاصة الإنتاجية المتوارثة أباً عن جد ومصادرتها واستملاك وسلب أراضي البشر تحت حجج التأميم الناصرية الإجرامية الكاذبة غير القانونية وانتهاك الدساتير وتعطيلها وتعليقها وازدراء قيم العصر ومعاداة البشر بحجة وجود "قيم وعادات وتفاليد عربية" أصيلة لدى هذه المجتمعات فلا حاجة لها بقيم العصر ومعتقدات ومواثيق العالم المتحضر ونشأت لذلك، وبعد عملية برمجة وتثقيف وضخ مبرمج وومنهج، طبقة من الرقيق والقنان الموالي، وحالة من التعبئة والرفض الشعبي العام للحداثة واحتقارها ومحاربتها بموازاة الترويج لـ، وتنمية قيم السوق المادية وإحداث حالة من الفرز الطبقي الحاد بعد عملية نهب منظم لموارد الدولة بإشراف رسمي وزرع الخوف والرعب والتوجس وحالات الاستعداء بدل المحبة والطيبة والوفاء والإيثار القائمين ومن ثم ما جرى من تحول وعملية خراب وتخريب وتشويه العقول والنفوس وتدمير حياة الناس بالفكر العروبي الشوفيني الفاشي القاتل السام المميت...

كل ذلك بات اليوم بحكم الماضي الآفل السحيق وبعدما تحول الكثير من أولئك البشر البسطاء الطيبين، يوما ما، لوحوش حقيقيين انقلبوا على أبناء جلدتهم وباتوا لهم اعداء ألداء من دون رحمة ولا شفقة وبهم متربصين..

بالأمس القريب، مثلاً، "أيام اللولو"، أيام الوفرة والخير والكرم والطيبة الشديدة والزائدة، حين كنت تذهب لشراء مادة ما من عند البقال، الذي يستقبلك بابتسامة عريضة، وعلى محياه كل ملامح الطيبة، لتطلب مثلاً كيلو بندورة، أو حليب، حتى يهرع لمساعدتك، ولا تذهب من دون أن "يطبش" لك الميزان، وتكون الكمية المباعة أكثر من كيلو غرام، وتقول له "سجل على الدفتر عندك، بكرا البابا بيعطيك"، فيبتسم ويقول لك سلم على البابا كثيراً، وتكرم عينك وعينه، فيما اليوم، جاؤوك بالميزان الإليكتروني الذي يبيعك السلعة على "العداد"، وبالغرام، وعليك الدفع على "دوس بارة"، فلن يقرضك أحد فلساً واحداً حتى لو كان أخيك التوأم، وبعد أن تجلس على الطابور لساعات نظراً لندرة وفقدان المواد. وكم كنا نمر من أمام التنور، لتجد نساء القرية وهن يخبزن الرغيف الطازج الساخن ذا الرائحة الشهية، من نتاج أرض و"حاكورة" قريبة من بيتك تعرف كل حبة تراب بها وقد تمرغت بها كثيراً وتعشق رائجتها، وكنت أنت ترى وتتابع تلك السنبلة وهي تكبر يومياً وأنت ذاهب غاد لمدرستك وهاهي قد أصبحت حبة ناضجة ومن ثم عجيناً اليوم، لتقوم إحداهن، على الفور ومع ابتسامة عذبة، بمناولتك رغيفاً، طالعاً من صميم قلبها، فيما اليوم يخصص لك الرفاق الأشاوس، وبعد غزوة البعث الكبرى، نصف رغيف يومي، وعلى بطاقتهم الذكية، لـ"تتلسعه"، وتغرزه بجسدك كما تغرز لقاح الكورونا، وينزل على معدتك كالسم الهاري، بلا طعم ولا نكهة ولا رائحة، فالرفيق المستورد "الوطني"، يستجلب لك أسوأ أنواع الحنطة الفاسدة المسوّسة من عند أفسد تجار ومافيات من فلول الرفاق الحمر الفاسدين، ويبيعك إياه كنخب أول، ويراكم هو المليارات في بنوك الإمبريالية والصهيونية والاستعمار ثم يخرج لك في قنوات التضليل والضلال وإعلام العار والارتزاق ليبيعك القيم والمبادئ والأخلاق ويطنطن على مسامعك ويدندن بالزغاريد الوطنية والأهازيج والشعارات.....

مرّت بي منذ قليل صورة لرفيق مسؤول من المستعربين متجهم عابس الوجه الذي يقطع الخميرة من البيت يقطر منه السم الأصفر الزعاف وقارنته بوجوه ذلك الزمن الساحر الأخاذ، فعرفت واستدركت سبب هذا الشؤم والنحس والخراب والبلاء الذي أصاب العباد، فاستعذت بإيل وهبل ونينار وعشتار، من "هكذا صباح وهكذا "شوفات"، وشو بدك تحكي لتحكي، وتتذكر لتتذكر"، سكّروا الدفتر واقلبوا صفحة الزمن الجميل.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البعث اليباب
عامر سليم ( 2021 / 9 / 23 - 12:17 )
حزب البعث حزب فاشي شوفيني انتهازي قذر تأسيساً و فكراً وممارسةً و كوادراً , وهو سبب وأساس وجذر الخراب الذي حصل لأوطاننا ومازال.


2 - تقييم البعث
منير كريم ( 2021 / 9 / 23 - 18:29 )
تحية لكما
لاشك ان البعث هو كارثة
لكن ماهو تقييم البعث ؟
ثلاثة تقييمات سمعت بها للبعث
اولا البعث فاشيي-نازي
ثانيا البعث جزء من التيارات العروبية الاسلامية ذات الاصل البدوي
ثالثا البعث شبه شيوعية , وما البعثيون الا تلاميذ نجباء لستالين
شكرا لكما

اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس