الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مونودراما.. لو كان للقطط سبعة أرواح.. عباس منعثر

عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)

2021 / 9 / 23
الادب والفن


المكان:
سحريّ للغاية تنتفي فيه قوانين الفيزياء.. ولا يسع الخيال أن يصفه..
الزّمان:
لا ملامح للزمن.
وصف:
يستطيع الكائن (هو) الطّيران والاختفاء، يمكن أن يوجد في أكثر من مكان في اللّحظة نفسها، وأن يتكلم وهو صامت أو يتخذ ألف شكل وشكل وألف وضع ووضع..

هو:
أمامي لحظاتٌ، لحظاتٌ فقط .. أعواني سيحضرون.. وعَلَيّ، قبلَ ذلك، أنْ أحزمَ أمري.
(يكور نفسه)
ضعِ الكائناتِ جميعاً في أصعبِ بلاءٍ وسيكونُ هيناً، بسيطاً إذا ما قورنَ بالامتحانِ الذي وضِعتُ فيه.
(ينقسم إلى سبعة)
مشكلتي أنني ...
(السّبعة في صوت واحد)
أنا الشّيطان.
(تتقاطع الكائنات السّبعة)
يُرعبني أسمي. أخافُهُ أحيانا، أخشى إغواءه.. يُخيّل لي أنني مرعب ورهيب بألف مرّة مما ترسمُني المخيلة..
(وكأنهُ في سيرك)
أملكُ مفاتيحَ المغلقِ والعَصي.. أقدِرُ أن أطيرَ، أن أختفي، أن ألجَ أبعد الأمكنةِ وأكثرها عسراً..
(يتحول إلى مثلث ضخم)
أنا مطواع وزَلِق.. مثلَ رعشةٍ في نشوة، مثلَ وخزةِ فكرةٍ خاطفة..
(ينحني ظهره وتتباعد ساقاه)
أنجزتُ ملايينَ الإغواءات، حرّفتُ بلايينَ الطّرق وارتكبتُ ملياراتِ المعاصي.. لكنّني قد أُصبحُ ذكرى تنساها الذّاكرة إنْ أخطأتُ الاختيار..
(يتبدل قناع وجهه بسرعة لآلاف المرّات)
لستُ أخافُ على الإنسان. لهُ من الحيلِ ما يفوقُ غيومَ السماء. هاكم الحروب، أَلَمْ تهلِكْ ملايينَ الضّحايا؟ هاكم القتل، ألا ينتشرُ كالوباءِ ولأتفهِ الأسباب؟ هاكم الجشع، أَلَمْ يهدِمْ نفوساً وأحلاماً وبيوتْ؟ هاكم الكذب، أليسَ أكثر انتشاراً من الهواء؟! الرّجلُ يكذبُ على المرأة، والمرأةُ على الرّجل! الزّوجُ يخادعُ الزّوجةَ وهي تفعلُ مثلَه.. الصّديقُ يغدرُ، الحبيبُ يخونُ، الجارُ يسرِقُ، الصّالحُ يحقدُ، العفيفُ يزني والحبيبُ يخون.. وها هو شيطانٌ من لحمٍ ودمٍ يقبعُ في الأرواح، ويتوارى في الزّوايا.. أنا خائفٌ على نفسي!
(ينطرح على أرجوحة هوائية)
كنتُ مرتاحاً .. في المائة سنة الماضية. قضيتُ الكثيرَ من الإجازاتِ وأبليتُ وقتي في الاستجمام..
(يأخذ شكل أفعى)
آه! آه! آه!
(يأخذ شكل تفاحة)
المشكلةُ.. المشكلةُ أنّ اللّه لم يتركْني في حالي، بل أرسلَ إليّ قائلاً: سأتوبُ عليك، إنْ توقفتَ عن أعمالِك! يقبلُ توبتي؟ أتوّقفُ عن أعمالي؟ يعني أن أكفَّ عن كوني شيطاناً.. وأعودَ رئيساً على الجان .. سيُسامحني؟!
(تظهر سلاسل كبيرة مشدودة إلى رؤوس حديدية ضخمة)
في الحياة، من يرفضُ وظيفةً كهذه؟ من يرفضُ أن يكونَ رئيسا؟! يأمرُ فيُطاع.. لهُ مكانةٌ سامقةٌ محترمة.. من يرفض؟!
(يجلس على عرش كبير وعالٍ جدا، ويحطم السلاسل)
غيرَ أنني رئيسٌ أيضاً.. أنا كبيرُ الأبالسة، وزعيمُ الشّياطين.. فرّختُ ما لا يُحصى من الأبناء، وهم طوعُ بناني.. قبل أن أصدرَ الأمرَ يُنّفذُّ بدقةٍ متناهية.. أنا الرّب بالنّسبة إلى أتباعي. فأيهما أفضلُ لي.. موقعي الآن.. أمْ ما يُغريني اللّهُ أنْ أكونَه؟!
(تظهر له نظارتان قطرهما ألف متر)
إذا رجعتُ رئيساً للجان، ستُعادُ القيودُ نفسُها. سأفعلُ الخيرَ فقط، وستكونُ مجرّد وظيفة.. أجلسُ صباحاً وأتعبّدُ ثم أتعبّدُ ثم أتعبّد.. إلى لا ما نهاية.. يا لها من مهنةٍ ليسَ فيها إبداع! سأتحرّكُ كآلة.. الأشياءُ مرسومةٌ بدقةٍ من قِبَلِ عليمٍ خبير.. ولن يكونَ دوري إلا كدولابٍ في ساعة أدورُ أدورُ أدور..
(يتحول إلى ماء ملون ينزل من غيمة بيضاء)
الآن، أنا حرّ.. لا يوجدُ من يرسمُ الدّور سوى ما أريدُ أنا أنْ أمثلّه.. أنا.. أنا صانعُ ذاتي.. مساحةُ فعلي البشر.. وسلطاني لا يُحدّ.. حتى إنْ تقاعستُ قليلاً فهي استراحةُ محارب.. لأنني أعودُ أكثرَ رغبةً وعنفوانا.. وكلّما تعقدت الحياة، أصبحَ دوري أكثرَ أثراً وأهمية..
(يتحول إلى قطعة قماش بيضاء)
يريدُ اللّهُ أن يتوبَ عليّ.. لا بأس .. هل أُريدُ حقّاً أن أتوب؟! لي في كلّ لحظةٍ حكاية، أستمعُ في كلّ ثانيةٍ إلى قصّةٍ مثيرة.. ديمومتي تنهلُ من حبِّ الفضول.. يومي لا مثيلَ له! ما ترى يفعلُ هذا؟ بِمَ تفكّرُ تلك؟ ما هيَ مصيبةُ هؤلاء، والى أينَ يسوقُ القدرُ أولئك?
(يتحول إلى أنف عملاق)
وكرامتي؟ كرامتي؟
(يصبح حمارا ملونا)
أبعدَ أنْ طردَني من الجنةِ وسلبَني حقّي، ها هو يندمُ ويطلبُ الصّلح.. ألمْ يصبَّ اللعنةَ على رأسي.. ألمْ يرسمْ موعداً نهائياً لبقائي.. ألمْ يُحمّلني كلَّ أخطائهِ وأخطاءِ أتباعِه؟! لماذا غيّرَ من فكرتِهِ؟! وهل مسامحتُهُ لي تُلغي الإهانةَ المريعةَ التي لطمَني بها؟ هل أعدّهُ انتصاراً لي أن أعودَ إلى الفردوس أم ذلّاً جديداً!
(يصبح عدة طيور ترفرف وتسقط على الأرض ميتة)
وهل أنا قادرٌ أن أعودَ كما كنت؟ أبعدَ بحارِ الدّمِ والخرابِ والتّحطيم؟! هل أستطيعُ الرّجوعَ ملاكا؟! الإثمُ سيلاحقُني.. وستظلُّ وجوهُ الضّحايا تُطاردُني وتنهشُ ضميري! أيكونُ ما فعلتُهُ لقرون هباءً؟! كيفَ لي أن أبقى صادقاً مع نفسي وأرتدي ثوبَ التّقوى وقد غرقتُ بالمعاصي حتى رأسي؟!
(يتحوّل إلى ميزان مليء بالدّم من كفتيه)
ثمَّ أينَ العدالةُ في مسامحتي؟! إذا كانَ ما فعلتُ شيطانيّاً، فسيظلُّ شيطانياً إلى الأبد، لا أن يكونَ شيطانياً هنا الآن، وملائكياً هناك وغداً! ألأنني كنتُ الشّر المطلق؛ أُجبرُ على الإنحناءِ للخيرِ المطلق؟! لكن، أيظلّ خيراً مطلقاً وهو يُصالحُ الشّرَّ المطلق؟!
(تنمو له لحية طويلة بيضاء وشاربان أخضران)
سيدي! هل خشيتَ أن لا يبقى أحدٌ في صفّكَ؟! هل خذلكَ الصّالحون ولم يعدْ يؤمن بكَ أحدٌ أو يكاد؟! هل احتجتَ إليّ؟ هل غامرَ الإنسانُ كثيراً، وذهبَ بعيداً، مهدداً عرشَكَ السّرمدي؟ أهو شعورٌ رهيبٌ بالوحدة؟ بالاهتزاز؟ بتسربِ الماء من تحت قدميك؟
(يطلع له ذيل يلتف على رقبته)
أم أنها خدعة.. فما أن أُعلنَ عن توبتي؛ لا تُقبل توبتي! فأكونُ قد خسرتُ الماضي والمستقبلَ بضربةٍ واحدة!
(يلتصق في السّقف وتخرج منه ريح شديد)
لو كنتَ عميلاً مزدوجا.. تتلصصُ على الأصدقاءِ والأعداءِ على السّواء.. لن تنتظرَ من الطرفين إلا الإغتيال أو تشويه السّمعة..
(لوجهه يطلع ألف وجه، وكلها تتحدث في الوقت نفسه)
ولو عاملاكَ بحبٍّ وتسامح؛ هل تصدّقُهما؟ ألا تُراودكَ الشّكوكُ وتظنُّ مؤامرةً تُحاكُ للإيقاعِ بك؟
(من جسده يتشكل سلّم يرتفع ويرتفع)
وما هو موقفي مع زبانيتي؟! لن يكونَ منظري أمامَهم لطيفا. بالتّأكيد، سيخرجُ عن طوعي بعضُهم، سيشمتُ البعضُ الآخر ويثورُ عليّ أصحابُ النّفوسِ الضّعيفة.. لن يتبعني حتى الخُلّص.. حينها سأخسرُ مكاني، وأُرمى الى الصّفوفِ الخلفية!
(ينهار مثل عجينة تصبح سائلاً ينتشر)
لكنّني لستُ سعيداً بدورِ الملعون.. ولا يُعجبني أن أغدو شمّاعةً لأخطائهم.. بي حنينٌ إلى الشّعورِ بالاطمئنان.. لستُ بقادرٍ على رؤيةِ عذاباتِ البشرِ الهائلة مع عجزِ أجسادِهم وطراوةِ أرواحِهم.. لا يُبهجُني اليائسُ حينَ يَرمي بنفسِهِ إلى البحر، ولا الطّفلُ حينَ تشويهِ النّار، ولا العجوزُ تنتظرُ ابنَها الذّي لن يعود.
(ينقسم إلى سبعة، بينما دقات ناقوس عالية تهزّ المكان)
أمامي عدّةُ ثوانٍ فقط.. الزّمنُ يركض! نعم...لا. نعم أم لا؟ لا...نعم. لا أم نعم؟
(يلملم أجزاءه)
يجب أن أقرر. قراري هو .. قراري هو..

(دخول الشّياطين والأبالسّة يحدث ضجيجاً غريباً جداً يطغى على أي صوت، مع ضباب شديد يعدم أية رؤية.. بينما الإضاءة تكشف ممثل دور الشّيطان وهو يخلع القناع. يتقدم إلى أعلى المسرح، ينحني للجمهور ويبتسم ابتسامة عريضة ماكرة)
................................
نشر هذا النص في كتاب (مونو) (دار المتن، بغداد 2016) الذي تضمن 8 مسرحيات مونودرامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع