الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاختناق بالسياسة في العراق

أحمد القاسمي
(Ahmed Alqassimi)

2021 / 9 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تفرض السياسة نفسها على الجميع في العراق، كما في بلدان أخرى تعاني أزمات سياسية عميقة أيضا. فالسلطة المتاحة للساسة تجعلهم من جهة محط الأنظار لتحقيق الآمال المجتمعية، ولكنها تجعلهم أيضا هدفا توجّه له الاتهامات في حال كان الناس غير راضين عن مستويات حياتهم وشؤون بلدهم، وهي الحال السائدة في العراق وتلك البلدان المأزومة. هذا الاهتمام المجتمعي المفرط والاضطراري بالسياسة يجري للأسف على حساب كل المواضيع العامة الأخرى من اهتمامات بالعلوم والفنون والآداب والرياضة وهوايات واهتمامات مجتمعية أخرى. فمن واجبات الدولة تمكين الناس وتنظيم المجتمع لأجل خلق بيئة تسمح بالتنعّم بحياة طبيعية، يمكن فيها العمل والاستمتاع بالحياة والإبداع.
إن حصر مسؤولية التغيير في أوساط السلطات الثلاث للدولة يعني ضمنا التنازل عن دور القوى المدنية والمجتمعية الأخرى في البلد، فالتغيير الحقيقي لا يمكن أن يكون سياسيا خالصا. إن الذين يعملون في السياسة هم عادة ليسوا من نخبة المثقفين ولا العارفين بشؤون العلم أو الأدب أو الفن، بل أنهم يستقون معارفهم مما يُسمى الحيز العام في علم الاجتماع، أي عبر استقائها من المجتمع والنقاشات الفكرية الجارية فيه، ويشمل ذلك الكتب المؤلفة والنقاشات العامة والاهتمامات المستحدثة في المجتمع. هذا الحيز العام هو الذي يمكّن السياسيين من في وضع خططهم لبناء الدولة ووضع تصوّرهم للبلد، سواء فيما يتعلق بشؤونه الداخلية أو علاقاته مع البلدان الأخرى أو دوره الدولي. لكن إذا تحول الجميع للحديث في الشؤون السياسية اليومية أو توجيه انتقادات مكررة، أو الاستمرار بالشكوى من سوء الحال، فمَن سيهتم بمشاكل ليست ذات طبيعة سياسية مباشرة فيه، ومَن سيبحث في العلوم ويؤلّف فيها، ومن سيبدع أدبا أو فنا يتماهى معه المجتمع ويجد نفسه فيه، ومًن سيرسم دور البلد الدولي ويحدّد ثوابته الأخلاقية وموقفه مما يجري على الساحة الدولية مثلا؟
ليس الهدف هو الدعوة للابتعاد عن الاهتمام بالسياسة، ولكن بيان أن تنفسنا السياسة صباح مساء هو تلوث له أثر سيء على نوعية حياتنا. فالمجتمع العراقي ولأسباب مفهومة يبالغ بمتابعة الأخبار يوميا، لدرجة بات كثيرون يعتبرونها الشيء الأهم في حياتهم العامة، لكننا نستهلك جهودنا فيها وننسى أشياء مهمة أخرى كثيرة.
إن تحقيق انفراجة أخيرا في الوضع السياسي في العراق لن يؤدي فقط لاستعادة المجتمع جزءا من إنسانيته، وذلك بتكريس وقته وجهده لأشياء لا علاقة لها بالشؤون السياسية اليومية، بل أنه سيجعل أيضا، ويا لها من مفارقة، الخطاب السياسي أفضل عبر إحداث تغييرات في الاهتمامات المجتمعية التي ستصل لاحقا للخطاب السياسي، مثل التركيز على السياسية البيئة، أو المناداة بقيم كالتسامح والأخلاق والتربية وأهمية العلوم والفنون والآداب بدلا من قضاء الوقت في ملاحقة أخبار اتهامات الفساد لحزب ما أو تلكؤ مشاريع أو خصومة سياسيين أو تصالحهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا