الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلف اوكاس و التفكك التدريجي لحلف الناتو

آدم الحسن

2021 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


لم تهدأ بعد العاصفة الشديدة التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط و مناطق عديدة من العالم و منها أوربا التي خَلّفَها هروب أمريكا و معها حلفائها من افغانستان حتى جاءت عاصفة جديدة قد تكون اشد من سابقتها , هذه العاصفة الثانية تَشَكلتْ بسبب التوتر الذي نشب بين فرنسا و معها الاتحاد الأوربي من جهة و الحلف الثلاثي الجديد اوكاس الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا و استراليا من جهة أخرى حيث تضمنت أولى صفحات هذا الحلف قرار استراليا بإلغاء صفقة لشراء 12 غواصة فرنسية التي تعاقدت على شرائها سنة 2016 و استبدالها بصفقة جديدة لغواصات امريكية بريطانية .
سبب العاصفة الأولى كان العار الذي لم يلحق بأمريكا لوحدها بسبب هروبها المشين من افغانستان بل شمل هذا العار عموم الدول الغربية التي سارت خلف امريكا في احتلالها لأفغانستان لكن تأثير وردة فعل ذلك الانسحاب على دول الاتحاد الأوربي كان اكثر شدة لكونه عارا مزدوجا بسبب إن الانسحاب من افغانستان قد تم بقرار امريكي بحت دون أن يكون للاتحاد الأوربي رأي في كيف و متى يتم الانسحاب و كأن على دول الاتحاد الأوربي أن تتصرف كدول تابعة لأمريكا و ليس كحلفاء لها يؤخذ رأيهم في مثل هذه الأمور المهمة و الخطيرة ...!
اما السبب الظاهري للعاصفة الثانية فهو الغاء استراليا لصفقة الغواصات الفرنسية في حين أن الأسباب الحقيقية لهذه العاصفة هي اكثر تعقيدا و تشمل اركان عديدة يمتد بعضها لفترة الحرب الباردة الأولى بين المعسكرين الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية و المعسكر الاشتراكي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي السابق .
للبحث عن الأسباب الحقيقية وراء الغاء صفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا و استبدالها بصفقة جديدة لغواصات امريكية بريطانية سنجد أن الأمر ليس مجرد الغاء صفقة تجارية و انما الأمر يتعدى ذلك بكثير فهو ازمة ثقة و الغاء لبعض عناصر الشراكة بين امريكا و دول الاتحاد الأوربي و استبدالها بشراكة جديدة لأمريكا مع دول تتوافق توجهاتها مع توجه امريكا المتشدد تجاه الصين و روسيا و هذا الحلف الجديد يضم حاليا ثلاثة دول فقط و قد يتوسع مستقبلا ليضم دول اخرى ذات نهج متشدد ايضا , دول مستعدة للسير خلف الولايات المتحدة الأمريكية في استراتيجيتها الصدامية و سعيها لإشعال حرب باردة ثانية .
لا شك أن الغضب الفرنسي لم نشهد سابقا في العلاقات بين الدول الغربية له مثيل , فقد وصف مسؤولون فرنسيون ما جرى لبلدهم فرنسا على يد الحلف الثلاثي اوكاس بالخيانة و الكذب و الازدواجية و اعتبروا ذلك دليل على احتقار امريكا لفرنسا و من خلالها احتقار لدول الاتحاد الأوربي .
لقد اضاف قرار إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية و تشكيل حلف اوكاس اسباب اضافية أخرى للأسباب السابقة التي تدفع بحلف الناتو نحو التفكك التدريجي حيث وصف المسؤولون الفرنسيون و معهم ممثلي المفوضية الأوربية هذا القرار بالخطير و إنه سيؤثر على مستقبل حلف الناتو ...!
من المؤكد أن مهام حلف الناتو قد اختلفت تماما عن ما كانت عليه قبل الهروب الأمريكي من افغانستان و قبل تشكيل حلف اوكاس و الغاء صفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا و لن تعود مهامه على ما كانت عليه سابقا , لكن ذلك ليس نتيجة للأحداث الأخيرة فقط و انما بسبب عوامل اخرى جوهرها سعي دول الاتحاد الأوربي للتمتع باستقلالية حقيقية عن القرار الأمريكي و كي لا تنجر دول الاتحاد الأوربي خلف امريكا مستقبلا في مسارات تتعارض و مصالح دول الاتحاد الأوربي بالإضافة الى سعي الاتحاد الأوربي للتماسك و الانتقال بخطوة جديدة الى الأمام على طريق تحول هذا الاتحاد الى دولة اتحادية لتكون هذه الدولة الجديدة احد الأقطاب المهمة في عالم جديد , عالم متعدد القطبية .
إن العامود الفقري لأي دولة هو الجيش و هذا هو سبب المساعي الحقيقية و الجادة لدى معظم دول الاتحاد الأوربي و خصوصا لدى فرنسا و المانيا في تشكيل نواة لجيش اوربي تندمج فيه الجيوش الوطنية لدول الاتحاد في جيش موحد .
لقد اصبحت امريكا على يقين تام من أن حلف الناتو سائرا نحو التفكك التدريجي أو على الأقل تحوله الى هيكل ضعيف غير فعال لا يسير وفق مشيئتها .... و هذا هو السبب الأهم وراء بدأ امريكا في البحث عن حلفاء اكثر قربا من استراتيجيتها المشبعة بروح الحرب الباردة و انشاء حلف جديد منهم ليكون بديلا عن حلف الناتو ...!
قد يكون الحلف الثلاثي الجديد المسمى اوكاس للدفاع العسكري هو البديل عن حلف الناتو لكنه سيكون البديل الضعيف الذي ستنكمش فعالياته بسرعة , اذ صحيح أن امريكا قد نجحت في عزل بريطانيا عن دول الاتحاد الأوربي من خلال إدخالها في هذا الحلف بعد أن سبق و شجعتها في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب في الخروج من الاتحاد الأوربي إلا انه من الصعب على بريطانيا عزل نفسها اكثر عن الاتحاد الأوربي لكونها لا تستطيع الاستمرار في اللعب على الحبلين حيث اصبحت سياستها مكشوفة للدول الأوربية لدرجة وصفها المسؤولون الفرنسيون بأنها انتهازية دائما ...!
و لأول مرة و بشكل مباشر و واضح و كتعبير عن حجم الأزمة بين دول الاتحاد الأوربي و امريكا انتقد وزير الخارجية الفرنسي السياسة الأمريكية تجاه الصين بقوله :
امريكا تتبع استراتيجية صدامية في منطقة المحيطين الهندي و الهادئ ...!
لا شك أن هذا التصريح لم يصدر من الوزير الفرنسي دون معرفته و يقينه من انه يمثل غالبية دول الاتحاد الأوربي , هذا التصريح وضع النقاط على الحروف ليعلن بشكل لا يقبل التأويل و هو أن الاتحاد الأوربي يرفض المسعى الأمريكي في اشعال ازمات مع الصين تقود الى حرب باردة ثانية .
أما في حالة اصرار الدولة العميقة في امريكا على السعي لخوض حرب باردة جديدة مع الصين أو مع روسيا أو معهما معا فأن امريكا سوف لن تجد ما يكفي من السند من المجتمع الدولي أو من حلفائها الذين سيبتعدون عنها الواحد بعد الآخر فالرأي العام الدولي و خصوصا الرأي العام الأوربي هو الأن ضد السير نحو حرب باردة جديدة , فكما صرحت المستشارة الألمانية السيدة ميركل من إن اي حرب باردة جديدة هي ضد مصالح جميع دول العالم , لذا بدأت امريكا تنفي و تنكر و تتراجع عن سعيها للسير نحو حرب باردة جديدة حيث عبر الرئيس الأمريكي بايدن عن هذا التراجع في كلمته في الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله :
نحن لا نسعى لحرب باردة جديدة .
و هذه أول مرة تنفي الإدارة الأمريكية علنا سعيها لحرب باردة ثانية .... لكن هذه الأقوال بحاجة الى افعال تؤكدها و تجعلها حقيقة على ارض الواقع و إلا ستكون مجرد تصريحات لا قيمة لها و لا تعبر عن النوايا الحقيقية الخفية لأمريكا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا