الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة / وقت العمل

علي قاسم مهدي

2021 / 9 / 25
الادب والفن


وقت العمل
الى علي عفات البهادلي
(1)
في اغلب المواقف التي امر بها تكون ردة فعلي عادة مرتبطة بالتناغم النفسي. الذي يجعلني اقف وانظر الى العالم ، لأدرك معنى وجودي. يحدث بأوقات متباعدة - اي تناغم - وهذا لسوء حظي . ولأنني بحاجة أليه باستمرار لذا انا افتقده كثيرا ، على الرغم من تباعده، اتمكن منه ،يأتيني بتفاوت ويشعرني بالطمأنينة .وما محاولاتي لأستدراجه إلا لأتمكن من ترتيل نسق حياتي على أنغامه. ينسى غيري بأنه يملك خاصية التناغم او يتناساه ، لهذا تهرب منا او تفوتنا الكثير من الامور الحسنة ونفقد السعادة. ولانعي معنى لوجودنا. بمقدور الانسان إمتلاك زمام نفسه بترويضها، يستخرج طاقاتها الكامنة، لتهبه شحنة من التحرر، محطمة دكنة الداخل بالوصول الى فهم وإدراك ما يعيشه.
بعد عودتي من العمل ، كنت منهك القوى ، يقيني ان كل شيء يتغير ، او هكذا هي الحتميات ،لذا اعتدت ان اتحمل. لكن هذا اليوم يختلف كثيرا لم استطع ان استعين بطبعي بالتحمل ، ضجرت من تعاستي من يأسي بان الحال سيتغير، وخرجت عن طوري . فاقدا السيطرة على انفعالاتي ، استقبلت زوجتي بالصياح ،وبعده اعدت لي وجبة الغداء بتثاقل .. اكلت دون شهية لمجرد اعادة توازن ضغطي اللعين الذي اضافة لتعاستي تعاسة ملازمة لي، لا يمكنني التخلص منها إلا عند الموت .. ضحكت وأنا مستلقيا على السرير،محاولة مني للتخلص من الإحباط ، ضحكت ضجرا من يومي ومن كل شيء حولي ، حاولت استدراج التناغم الى نفسي لأتمكن من التناسق مع العالم بكل صوره . لكن هذه المرة جاء بصورة مغايرة ، بدأ عندما تملكني شعورا مخفيا بالتبول دون توقف على وجه العالم البشع .باغتني اثناء تناولي لطعامي ، ليشغلني بفكرة بان تتحول مثانتي الى صهريج كبير يتسع الى ملايين اللترات من البول وتنتصب رجولتي لأتبول مفرغا ضجر نفسي.وها هي قطرات البول بدأت تَنْصبُ على الذين لا يعرفون معنى الإنسان. الذين يصادرون احلامه وطموحاته بتسلطهم عليه، لمجرد انهم يملكون رأس الهرم في السلطة والمال . متحكما بذات الوقت بالإمساك بوجوههم لأتلذذ برشها ، وأضفت على فكرتي بان البول برائحة عطنة وتزداد سخونته كلما استمر بالاندفاع . عندها هدأت انفعالاتي بعد أن غسلت عهرهم جميعا ببولي .. وبت في حالة من البهجة ، اهم ما ميزها الشاي الذي اعدته لي شريكة حياتي، بعد اتمام مهمتي المتخيلة . ناولتني قدح الشاي بعد ان عدلت بنهوضا عفويا من استلقائي لاستقبال يدها كي اقبلها اعتذارا عن نوبة الصياح التي تلقتها مني قبل قليل، سحبت يدها بقوة وضمت حاجبيها لبعض بغضب، تركت الشاي قربي على الكومدينو،ارتشفت منه قليل وسحبت علبة سكائري وأخذت سيكارة .. عذرا لغير المدركين.
- هل تعرفوا نشوة السيكارة بعد الشاي؟
- انا اقل لكم ، انها حالة ذهنية اشبه بنيرفانا حياة دون رغبات، إنطفاء كامل ،فلا شعور بأي مؤثر خارجي على الاطلاق .انها طاقة لشحن الروح من اجل تحقيق الاتزان والعيش في تناغم مع الكون. قد تستغربون لانه شعور خارج مدار النيرفانا، نعم انا قلت اشبه بنيرفانا، احسها وأعيشها لأتخلص من الاكتئاب والحزن والقلق، الذي يسببه الاخرون. حالة تجعلني اولد من جديد، وابلغ السماء بسمو. محاولا إخماد كل رغباتي إلا رغبة واحدة ان اعيش حالتي الذهنية هذه باستمرار. واجزم بأنها لطف من السماء. وهكذا الى ان تهدأ روحي وتسلم نفسها لسكينة الموت المؤقت. عندها سرت بجسدي سِنَةٌ جعلتني لا اقاوم انطباق جفوني وتأملي.
(2)
لكُل منا حياته .. والحالات الضاجة في مخيلة اغلبنا تفرض واقعا متخيلا غير المعاش، لهذا مهم جدا أن نتحكم بها ، كَانْ تكون وسط عالم وأنت لا تنتمي اليه .او أن تكون أنتَ ولست أنتَ في ذات الوقت. ان تكون ضجرا وسعيدا...ووو الكثير الكثير غير ذلك. نغرق ببحر من التساؤلاتي المحيرة ، نسأل ولا مجيب .لكن عندما نصاب بالإحباط علينا ان نتذكر بأننا نعيش مرة واحدة، وغاية وجودنا ان ننفذ مشيئة الله ، وهذا دائما ما يجعلني مسترخيا مسلما لمشيئة خالقي. ويقيني بأننا لا نملك اختيار اقدارنا، هنا ياتي معنى التحكم. سكنت جوارحي واكتفيت بالنظر متخيلا وجهي باسماً مرسوما على سقف الغرفة بلا حراك.ونمت نوما عميق، الى ان جاء صباح مختلف، نهضت نظرت الى وجهي في ألمرآة المقابلة لسريري، كان بملامح لا تشبهني، صرت اشبه الاخرين اعني الجميع. لي نفس ملامح وجوههم. دهشت اكثر عندما دخل عليّ روحي يشبه الاخرين. تراجعت الى الوراء فركت عيوني ازحتَ ستارة النافذة المطلة على الشارع. كل شيئا متشابه، الألوان الشوارع السيارات النوافذ. رتديتُ ملابسي بذهول، كل ملابسي متشابه، وحتى أبسط الأشياء، فرش الاسنان المعاجين، والغريب رأيت زوجتي تشبهني وأنا أشبهها .تناولت فطورى المتشابهة اشياءه ايضا. سائق الحافلة، الركاب كلنا نشبه بعضنا ، متشابهون بالأيدي بالأرجل بالطول بالعرض، صوت محرك الحافلة يشبه صوتنا ، طقطقت العجلات واحدة. وعندها اطلقت صرختي بقوة.
- لماذا ؟
جاءني الجواب، مرددا صدى نطقه الجميع، بصوت مسموع، بلحظة واحدة وبنفس النبرة الصوتية.
- لماذا؟
بذات اللحظة التي اطلقتها - أي صرختي- ذهلت لا بل صعقت، نزل الجميع بنفس المكان التي ترجلت اليه ، نحمل نفس الحقيبة ونرتدي ملابس متشابهة نسير بنفس الخطوات ونلتفت بوقت واحد ذات اللفتات نبتسم معا ...
- آه يا الهي ما هذا ؟ لكنني مختلف من الداخل، اختلاف عميق اعرف بأنني لا اشبههم إلا بالشكل، اختلاف ينبع من الميل باني اعرف من انا في هذه اللحظة الغريبة، عندها باغتتني حالة من التناغم رسخت بي رغبة الاكتشاف.انا ادرك بان الحيز المادي الذي يجمعني معهم وأحد، لكنه يختلف من حيث اختلافي عنهم. قررت وبإيعاز الى تناغمي، أن أغمض عينيّ، وأتوقف لأعيد ترتيب الاشياء من حولي بسلوك مختلف عن الجميع. رأيت نور مبهج والعالم ماثلا امامي بصوره المختلفة؛ وأدركت بأنني اعيش حالة خارج الكون كله، بُنية غريبة أن ترى شيئا خارج الوجود، وان تدرك الروحي وأنت وسط المادي. يا الهي انا في حالة من الحضور الكلي تجلى لي فيها عالم لاندركه الا اذا كنا مخلصين لانفسنا وللاخرين. مجردون من الأنانية، ونؤمن بال نحن. انها حالة من التبصر كشفت لي مكامن روحي.. لحظة توقف كل شيء، عندما شعرت بيد تمسح على رأسي،اعادتني لواقعي المعاش، وبتثاقل فتحت عيوني لأرى زوجتي علت وجهها ابتسامة سحرية ،وهي تحمل بيدها فنجان قهوتي الصباحي.
قالت بصوت اشبه بالهمس :
- صباح الخير انهض حبيبي وقت الذهاب الى العمل قد حان .
. ابتسمت لها ،وأدركت لحظتها بأنني كنت احلم
انتهت
بغداد الاحد 19/9/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته