الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أَزمةُ الشرقِ: نِفاقٌ مفضوح وازدواجيةُ معايير..!

فيصل عوض حسن

2021 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


استناداً لأدبيات اللُّغةِ ومعاجمها، فإنَّ عبارة ازدواجية المعايير سياسيَّة بحتة، تمَّت صياغتها لأوَّل مَرَّة عام 1912، ويُقال أحياناً "المعايير المزدوجة" أو "الكيل بمكيالين"، وهي تعني (عدم الحِياد) في تطبيق المعايير على الجميع، أو (التَحَيُّز الذَّاتي) على أساس الاعتبارات السياسِيَّة أو الفكريَّة/العقائدِيَّة أو العِرقِيَّة الإثنِيَّة أو الاجتماعِيَّة/الطَبَقِيَّة، ورُبَّما استناداً على الجِنس/النَّوع أو الأمزجة الشخصِيَّة/الأهواء أو، سبب من أسباب التمييز. وأمَّا "النِّفاقُ"، فهو يعني إظهار خلاف الباطن، ويُطلق لفظ المُنافق على من يَتَّخذ لنفسه (وجهين)، يُظهر أحدهما حسب الموقف. وقيل بأنَّ الأصل اللُّغَوي للنِّفاق يعود إلى النفق، وهو السِرْب في الأرض، لأنَّ المُنافق "يُخفي" حقيقته كفره، فيتم تشبيهه بالذي يدخل النَّفَق ليتَخَفَّى فيه.
قادني لهذه المُقدِّمة مُمارسات وتصريحات حُكَّام السُّودان الحاليين، سواء عَسْكَر أو مدنيين، بشأن مسار الشرق الكارثي وتداعياته. فمنذ بَدْء الحِراك التصعيدي الأخير بشرق السُّودان، نتيجة لتسويف ومُماطلة الحكومة المركزِيَّة، في الاستجابة لمطالب أهلنا البجا "سُكَّان الشرق الأصيلون"، أطلق القحتيون لآلتهم الاعلامية المأجورة ولعرابيهم شارة البَدْء في (شيطنة) الحراك البجاوي. وتبارى إعلاميي قحت وآكلي فتاتهم في (التخوين/التحريض)، ووصف القائمين عليه بالفلول والكيزان، وأسوأ درجات (الشيطنة)، أتت من حمدوك "شخصياً"، حينما نَدَّدَ بالمُحاولة الإنقلابِيَّة المزعومة، و(أقْحَمَ) الحِرَاك البجاوي دون مُبَرِّر أو سند موضوعي، وهو تَصَرُّف يُثبت عدم حياديته، ويقدَح في مصداقيته ومِهَنِيَّته وسوء نِيَّته!
سار إعلام قحت على خطى إعلام الكيزان، ونكص عن شعارات الثورة "حرية، سلام وعدالة"، حين أتاح (التلفزيون القومي) الفرصة لأبواق قحت وآكلي فتاتها، من أصحاب/صاحبات الحناجر (المُنتَفِخة)، وسمح لهم ببث المعلومات المُضَلِّلة والمسمومة، حول مطالب أهلنا البجا وتخوينهم، إمعاناً في فصل بقيَّة السُّودانيين الشعب وجدانياً عن أهلهم البجا (سُكَّان الشرق الأصيلين). ولم يسمح التلفزيون لأهلنا البجا بالتعبير عن قضاياهم، وإنَّما حَصَر ضيوف البرامج على (المُناوئين) للحَراك البجاوي/السُّوداني، والمُساندين لمسار (الإريتريين المُجنَّسين) المُسمَّى مجازاً بـ(مسار الشرق)، في أشبه بالمحاكم المنصوبة دون السماح للمُدَّعى عليه بالدفاع عن نفسه، أو الاستعانة بمحامي!
أمَّا (عَرَّابي) قحت، كعمر القراي النور حمد وغيرهما، فقد نَصَّبوا من أنفسهم كـ(قُضاةً)، عبر جميع المَنَصَّات الإعلامِيَّة المُتاحة من إذاعة وصحافة وخلافه، حيث وَصَفَ النور حمد مُغلقي الطُرُق بـ(قُطَّاعِ الطُرُق)، مُتناسياً أنَّ "إغلاق الطُرُق" كان الوسيلة التي فتحت له ولجماعته (المُغْلَقات)! وأمَّا القراي، فكان سُقُوطه مُدوِّياً، إذ دعا في مقالته "المكون العسكري.. ماذا يريد؟" لحسم الحراك الشرقي، بغض النظر عن مُوافقة المُكوِّن العسكري من عدمه، وهي دعوة صريحة لاستخدام (العنف) ضد أهلنا البجا (سُكَّان الشرق الأصيلين)، بما يتنافى مع المبادئ التي ظَلَّ يُنادي بها القرَّاي وصحبه، سواء الدعوة لاستخدام العُنف أو الكيل بمكيالين، لكونه تجاهل أنَّ مسار الشرق تمَّ تخصيصه (لإريتريين)، وباعتراف القائمين عليه بالصوت والصورة، بخلاف الإقرار الصريح لأركو مناوي عن بيع هذا المسار لـ(صحبه) حسب تعبيره!
وإمعاناً في (النُكُوص) عن شعارات الثورة والحُرِّيَّات التي كانوا يتشدَّقون بها، أوقف ما يسمَّى المجلس الأعلى للصحافة والمطبوعات، صدور صحيفتي الانتباهة والصيحة لمدة ثلاث أيام، لنشرهم إعلانات للتصعيد بشرق السُّودان، وبَرَّر المجلس قراره (القمعي)، بأنَّ الجهة المُعْلِنَة (غير معروفة) وغير مُسَجَّلة قانونياً. ولم اندهش أبداً من صدور هذا القرار، من مجلس الصِّحافة والمطبوعات وأتوقَّع الأسوأ منه مُقبل الأيَّام، لأنَّ المجلس يترأسه حالياً شخص يفتقر للكفاءة (الأكاديميَّة/المِهَنِيَّة) والخبرة الإعلامِيَّة، ويُمكن اكتشاف هذه الحقيقة باسترجاع الذين شغلوا هذا المنصب سابقاً، وما لديهم من من مُؤهِّلات أكاديميَّة عليا وخبرات عمليَّة مشهودة. ومُتوقَّع تماماً أن يُطيع رئيس المجلس الحالي أوامر قحت، (طمعاً) في الحفاظ على المنصب، الذي ناله عبر المحاصصات/الشُلَلِيَّات، دون استحقاقٍ أكاديمي/مهني، و(جهلاً) بأصول ومبادئ الإعلام وقواعده الرصينة.
إنَّ الحِجَّة الواهية التي استند عليها المجلس القومي للصحافة والمطبوعات في قراره، ذبحت مبادئ حرية الرأي والمِهَنِيَّة الإعلاميَّة، وفضحت انغماسه في التقاطُعات السياسيَّة الراهنة وعدم نزاهته، وانحيازه لطرف ضد آخر. وهنا نتساءل: لماذا (غَضَّ) المجلس الطرف سابقاً عن أخبار مجلس نظارات البجا، وعن التقارير الصحفيَّة التي تنشرها الصُحُف منذ بداية جولات اتفاقيَّة جوبا وحتى قبل تصعيد الحراك الشرقي الأخير؟!
إنَّ (الشيطنة) الإعلامية التي ينتهجها القحتيُّون ضد أهلنا البجا، تستهدف إبعادهم وجدانياً عن بقية أجزاء السُّودان، وزيادة وطأة حنقهم تجاه الدولة وتقوية قناعتهم بالتهميش والإقصاء، ودفعهم لرفع سقوف مطالبهم، وربما المطالبة بالانفصال كنتيجة لسياسة الإقصاء (المُتعمَّد) من الحكومة المركزيَّة! والسياسة الإعلامية لقحت، تجاه أهلنا البجا، تذكرنا بسياسة المُتأسلمين الإعلامية تجاه الجَنُوب، عندما وصفتهم بالكُفَّار والمُتمردين، وغيرها من المُفردات/الأوصاف التي استهدفت إبعاد الجنوبيين عن أهلهم ببقيَّة مناطق السُّودان، حتَّى حدث المحظور! ورغم (مَرارة) وانحطاط مُمارسات القحتيين ضد أهلنا البجا، سواء كانوا عَرَّابين أو نُشطاء أو آكلي فتات، لكنها (فَضَحت) محدوديَّة قدراتهم، في فهم وإدراك واقع وحقيقة الإعلام في عصرنا الحالي، والذي تجاوز الوسائل التقليديَّة "سَهلة السيطرة"، ليشمل مساحات أكثر اتساعاً وحُريَّة، أو ما يُعرف بـ(الإعلام البديل)، الذي طَغى تماماً على (مركزية) الإعلام أو توجيهه، ومن يُحاول حجب الحقائق أو تعطيل تدفُّق المعلومات، كمن يريد أن يسد شعاع الشمس بأصبعه. فإذا كان تلفزيون قحت وصحفها، قد أحجموا عن إتاحة الفرصة لأهلنا البجا، فقد وصل صوتهم عبر القنوات العالميَّة وعبر الصُحف الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تستحوذ على ذوق المُتلَقِّي المحلي والخارجي.
المُحصِّلة، أنَّ تجيير الإعلام لخدمة مصالح سياسيَّة آنية، وللكسب السياسي أو الضغط لخفض سقوف المطالب، لهو تصرُّف صبياني ويُعبر عن عدم النُضْج السياسي، ويفضح ازدواجِيَّة معايير ونفاق العديدين، الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً بأحاديثهم عن الفضائل والقِيَمِ والمبادئ، ومع أوَّل الاختبارات العمليَّة تَجلَّت (سرائرهم) المُخزية، وليتهم يتَّعظون ويُدركون قبل فوات الأوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال