الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايها المجرمون.. قتلتم الإنسان والطبيعة والحضارة

زاهد عزت حرش
(Zahed Ezzt Harash)

2006 / 8 / 20
الارهاب, الحرب والسلام


في الحرب على لبنان.. قتلوا الأطفال.. قتلوا الشيوخ والنساء.. قتلوا المعوقين والطيبين والأنبياء.. وقتلوا الحضارة أيضاً.

من بعيد.. من خلف ألمحيطات, تلك التي تمر في عبابها بوارج القتل ألأمريكي المبرمج.. جاءني أيضاً صوتاً من أصواتنا الباقية روحاً وانتماءً وعطاء.. فقد أرسل لي الصديق نعيم فرحات.. ليخبرني عن إحدى جرائم الحرب العدوانية المجرمة ضد لبنان.. والتي راح ضحيتها الناس والأرض والحضارة.

لم يقتصر القتل على بني البشر.. ولا على الطبيعة والحجر.. إنما امتد ليطال أرقى الإبداعات الحضارية للإنسان.. تلك التي تحمل في عنفوانها تاريخ الحضارة الإنسانية وعطائها الروحاني.

يوسف غزاوي.. فنان تشكيلي لبناني ولد عام 1956 في إحدى ضيع الجنوب المثخن بالمقاومة والنصر.. والمثخن باعتداءات الغاشمين!! مارس منذ طفولته وعفويته الأولى الرسم والتشكيل.. فجاءت طائرات الإرهاب الإسرائيلي سنة 1977 لتقضي على إنتاجه الأول.. إبان هجماتها العدوانية على المقاومة الفلسطينية واللبنانية آنذاك. كانت هذه أول مآسيه مع الإرهاب والحرب المستمرة على لبنان.

بعدها انتقل الفنان يوسف الغزاوي إلى بيروت.. والتحق بقسم الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية.. وتخرج منها بامتياز سنة 1983, ولقاء تفوقه حصل على منحة لدراسة الفنون التشكيلية في مدينة الضوء والنور.. هناك في معهد الفنون الجميلة بباريس درس ثمانية سنوات.. وأنهى دراسته وعاد ومعه شهادة الدكتوراه النظرية والعملية في فن التزجيج والسيراميك والتعشيق.. وكافة أساليب إنشاء الأعمال الفنية (التصوير/الرسم الملون) بكافة مجالاته.. وعاد إلى بيروت ليعيش في ربوع وطنه وليستمر في عطائه الفني, فكراً وممارسة.. هذا بعد أن تعرض مرسمه إلى عملية تدمير أخرى في بيروت سنة 1983, حيث دميرته اداة الحرب الاسرائيلية في حربها الهمجية الأولى آنذاك.

ليس أعمال يوسف وإنتاجه الفني هما اللذين تعرضا لهذه الإبادة الهمجية وحسب.. بل أيضا أعمال رفيقة دربه.. زوجته الفنانة سوزان شكرون, ابنة بلدة الخيام الجنوبية.. تلك التي حفرت آيات الصمود والتحدي على جدران سجونها.. وعلى مداخل بيوتها وعلى أرصفة طرقاتها المروية بدماء أبنائها الأبطال. أيضا أعمال هذه الفنانة اللبنانية تعرضت للتدمير والإبادة الجماعية.. وذهب شقاء عمرها وعمر رفيقها الفنان د. يوسف غزاوي هباء الريح والعواصف في لعبة حرب قذرة هذه.

سقطت مئات الأعمال الفنية الرائعة.. في إحدى ليالي الأسبوع الأخير من الحرب على لبنان.. حين قام الطيران الإسرائيلي بإلقاء قنابله وصواريخه "الإنسانية" على حارة حريّك في الضاحية الجنوبية من بيروت!! دُمرت مئات الأعمال الفنية التي أنجزها الفنان يوسف والفنانة سوزان.. كان معظمها مؤلف من لوحات كبيرة أنجزت بتقنية الزيت والأكريليك والألوان المائية.. إلا انه بالإضافة لذلك.. فقد دمرت هذه المجزرة البشعة ضد الحضارة.. أعمال الفنان يوسف غزاوي تلك المنجزة بمواد وتقنيات أخرى.. منها الخزفية والخزفية المزججة والنحتية والزجاجية (الفيتراج).. والآلف الكتب الفنية التي احضرها يوسف معه من باريس.. مئات المجلدات الفنية بالانجليزية والفرنسية والعربية.. كلها ضاعت تحت ردم الأبنية التي سقطت مدرجة بأنفاس الناس الذين عاشوا فيها.. اختلط الدم بالتراب بالغبار بألوان الأعمال الفنية, بصور المجلدات, وبالصفحات المكتوبة عن تاريخ الفن الإنساني.. قتل كل شيء على يد المجرمين!!

بالأمس مع أول ساعات الليل.. جمعت دموعي خلف الجفون, واتصلت هاتفياً بأرض بيروت.. إلى هناك.. حيث البكاء صمود.. والتحدي خبزاً حافي القدمين يموت عشقاً وإنتظار.. من خلال هذا الجهاز البسيط.. استطعت اختراق الحصار, وتحدثت مع الدكتور الفنان يوسف غزاوي.. جاء صوته الحزين, صوته المندهش من جراء ثلاثية القتل المستمرة لإعماله وتاريخه الفني.. فكما سلف وكتبت, جاءت جريمة إبادة أعماله الأولى سنة 1977 في ضيعة الصفير في الجنوب اللبناني الصابر.. والثانية كانت سنة 1983, غداة إنهاء دراسته في قسم الفنون الجميلة بجامعة بيروت.. أيام الاجتياح الإسرائيلي.. اما الثالثة وربما ليست الأخيرة.. هذه التي أجهزت على شقاء عمر كامل.. يعود بعضه إلى 25 سنة خلت.. أعمال مما تبقى من الجريمتين السابقتين.. والثالثة هي التي تحدثنا عنها الآن!!

كان د. يوسف غزاوي يعد لإقامة معرضاً شاملاً يحتوي على مسيرة 25 عاماً من العمل والعطاء.. وكان تاريخ اليوم 16 آب الجاري.. سيكون تاريخ إفتتاح هذا المعرض الكبير.. لكن ها هي أداة الحرب والدمار تغير رزنامة الأيام.. وتغير جدولة الحياة.. وتقضي على حلم حضاري ثقافي عمره 25 عاماً.

أيها المصلوب داخل أنقاض الركام.. أيها الفنان الذي اختلطت أعماله بتراب الطرقات وحجارة البيوت.. ذهبت لكنها لن تموت.. ما دام لبنان حياً لا يموت.. ما دمت أنت الآن هنا/هناك في بيروت.. "سقطت ذراعك فالتقطها".. وسقطت أعمالك بالقصف الهمجي.. فالتقطها وأعيد اللحمة إليها من بقائك وعطائك وصمودك الآبي.

قلبي معكم.. لن ينفعكم بشيء.. إنما هي وسيلة تواصل إنساني, أتمنى من خلالها أن يبقى الإنسان عنفواناً للتحدي والبقاء.. أن يبقى الإنسان وتبقى الحضارة رغم انف المجرمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح والعلاقات بين مصر واسرائيل .. بين التوتر والحفاظ على الم


.. الجدل المتفاقم حول -اليوم التالي- للحرب في غزة.. التفاصيل مع




.. حماس ترد على عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-.. فما انعكاس


.. قتلى ومصابون في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #ر




.. جدل مستمر وخلاف إسرائيلي وفلسطيني حول مستقبل حكم غزة | #التا