الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُقتطفاتٌ من كتاب: الجزائر مكّة الثوار ـ دار نشر جامعة أكسفورد

بوناب كمال

2021 / 9 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


أعلنت جبهة التحرير الوطني (FLN) الحرب على النّظام الاستعماري الفرنسي يوم 1 نوفمبر 1954، وقُوبلَ هذا المسعى بكثير من الشّكوك؛ إذْ كان معظم الثوار غير معروفين لدى الجمهور الجزائري؛رغم ذلك، نجحت هذه الثورة ،التي وُصفت على أنها مغمورة، باجتياح القطر الجزائري في غضون عامين؛ وبحلول بداية سنة 1957 كان الجناح العسكري للجبهة (ALN) قد نجحَ في حشد 40 ألف مجاهد وناشط، وفي ذات السّنة نفّذت الجبهة ما يقارب من 4000 عملية، مُثْبتةً بذلك قدرتها على الامتداد إلى كل منطقة وبلدة؛ وعاقدةً العزم على استعادة السيطرة حشدت فرنسا بدورها جيشًا ضخمًا لمكافحة "التمرّد" يفوق تعداده نصف مليون مجند، ويشمل ذلك جنودًا محترفين وآخرون مستقدمين من شبه المستعمرات الأفريقية الصحراوية، إضافة إلى ميليشيات جزائرية مُوالية للفرنسيين ومعروفين باسم "الحركى"؛ وقد طاردت قوات النخبة الفرنسية المجاهدين عبر مساحات كبيرة من الرّيف (البْلَاد)، وقامتْ بتصنيفها على أنّها منطقةُ إطلاقِ نارٍ حر.
لجأتْ فرنسا إلى التّوطين القسْري للسكان المحلّيين في ما يُشبهُ معسكراتِ حراسة، وشملتْ هذه السياسة في المُحصّلة ما يُقارب ثلث سكان الرّيف، أي حوالي 2 مليون شخص؛ وأضرمَ الجنود الفرنسيون النّيران في منازلهم وحقولهم وماشيتهم من أجل حرمان "المتمرّدين" من المأوى والمعيشة.
في الجهة المقابلة؛ شرعَ الثوار في بذْلِ جُهُودٍ لإنشاء هيكل إداري خاص بالعرب والمسلمين، إذْ هدفت الجبهة إلى أن تحلّ محلّ النظام الاستعماري في تقديم الخدمات الطّبية والتعليم والقضاء، وصدرت تعليماتٌ إلى المفوّضين السياسيين في جيش التحرير الوطني بأن يقوموا بدور القاضي وجابي الضرائب والدعاية والخدمات الصحية وغيرها؛ ووفقًا لذلك يُستشهد بأن ممثّل الجبهة في قرية "عتاتلة" بولاية تيزي وزو قد وجّه انتقادات حادة للسكان المحلّيين بسبب عدم دفعهم الضرائب المستحقة عليهم. لقد سعت الجبهة إلى بناء واقعٍ وطني جديد تحت أقدام المُستعمِرين.
مُوازاةً مع ذلك؛ كان الوفد الخارجي للجبهة قد نجح ،فعليًا، في كسب بعض الحلفاء في الخارج، وأذكى ذلك النّقاشات الأخلاقية حول المسألة الجزائرية في الأمم المتحدة، وركّز المفوض السياسي على تمرير قرار تأييد استقلال الجزائر في الجمعية العامة.
آمنَ الثوار الجزائريون بأنّ الخيارَ الوحيد المُمْكن تقديمه للشعب الجزائري في ذلك الوقت هو الثّورة المسلّحة، وحرصُوا على تجنّب الخوْضِ في الأيديولوجيات، وذلك من أجل الحفاظ على تحالف مُوحّدٍ في الدّاخل، وتبنّي سياسة الحياد في الشّؤون الدولية؛ لذلك يُعتقد على نطاق واسع أنّ منهج الجبهة استندَ إلى مقولة: الوسائل هي التي تصنعُ الغايات.
شَهدت الجزائر المُستعمرَة في النّصف الأول من القرن العشرين نُموًا سكانيا سريعا وتصنيعًا واندماجًا في اقتصادٍ عالمي غير مستقر، وقد ساهم ذلك بالتّشكيك في الوضع القائم؛ وفي الوقت ذاته تضاعفت فرص السّفر لمسافات طويلة، ومنحتْ الاتصالات (لاسيما تكنولوجيا الراديو) للجزائريين فرصةَ الوصول إلى خطاباتِ التغيير، على غرار خطاب رسالة الحضارة الفرنسية و الإصلاحية الإسلامية السّلفية والعروبة والقومية الأيرلندية والأتاتوركية وغيرها.
في بيانِهمُ الأول الذي بُثّ على إذاعة صوت العرب في القاهرة وصفَ الثّوار أنفسهم على أنهم مجموعةٌ من الشباب المُقاتلين المُتفانين الذين قرّروا إنقاذ المسألة الوطنية من المأزق الذي تسبّب فيه الصّراع من أجل النفوذ؛ لذلك أدانَ مؤسّسو الجبهة المشهد القائم بأكمله، واعتبروهُ تافهًا وغير فعّال، وأعلنوا أنّ 1954 هو "عامُ الصّفْر" للانطلاق في النّضال الثّوري، وإحداث القطيعة مع تاريخ النُّخَبِ القديمة التي تبنّتْ سياسة إصلاحية مُضلّلة و تورّطت في نقاشٍ لا منتهي ولا طائل منه؛ وبالتالي فإنّ أي تحليل لأصول جبهة التحرير الوطني يجبُ أن يُراعي المخاوف التي أثارها الثّوار من الأفراد الفاعلين غير المرغوب فيهم بأنْ يَستمرّوا في تشكيل سياسة البلد أثناء وبعد الثورة.
بتصرّف عن:
Jeffrey James Byrne, Mecca of Revolution : Algeria, Decolonization & The Third World Order, Oxford University Press.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس