الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الثقافة العربية المعاصرة بين الحداثة و التحديث ( 3 )

آدم الحسن

2021 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تُعاني الثقافة العربية حالها حال باقي ثقافات الشرق من ازمة و صراع بين طرفين , الأول هم الحداثيون المبهورون بإنجازات الغرب الحاملون لشيء من الكراهية لتاريخهم و موروثهم الفني و الثقافي و الطرف الثاني التحديثيون الذين يسعون للاستفادة من انجازات الثقافة الغربية باعتبارها جزء من الجسد الكلي للثقافة الإنسانية مع الاعتزاز بموروثهم الفني و الثقافي العربي لغرض تطويره و تنقيته من الشوائب التي تقيده بشكل قسري بالماضي .
لقد تعرضتْ الثقافة العربية لهجمات متتالية من قبل سيل من المصطلحات الغربية حيث فرضت هذه المصطلحات نفسها لتأخذ مكان لها بين مفردات لغة المثقف العربي دون أن تتاح الفرصة الكافية لتحليل هذه المصطلحات بتأني كي يتم الأخذ بما هو مفيد منها و القابل للاندماج بلغة الثقافة العربية دون اقصاء قاسي للموروث الثقافي العربي , هذا الأقصاء الذي كان في بعض جوانبه عبارة عن جلد للذات .
يمكن اخذ أمثلة لبعض المفردات الوافدة من الغرب و تناولها بشكل سريع و مختصر كي تتشكل صورة مبسطة لطبيعة الصراع بين الحداثة و التحديث في الثقافة العربية :
اولا : العلمانية
هنالك مفردتان لهذا المصطلح الأول هو العِلمانية ( بكسر العين ) و هي كلمة مشتقة من العِلم و تطلق على الفلسفة التي برزت مع النهضة العلمية و الصناعية في الغرب و التي لا تعترف سوى بالعِلم و منجزاته و يتم الوصول الى الاستنتاجات المقبولة فقط حين يُعْتَمَدْ النهج العلمي في الاستنباط و المقارنة و التجربة , و الثاني هو العَلمانية ( بفتح العين ) و هي كلمة مشتقة من العالم و تطلق على الفلسفة التي تعتبر أن العالم موجود منذ الأزل أي أن العالم لم يخلق و بالتالي ليس له خالق حيث اصطدمت هذه الفلسفة بالمنهج العقائدي للكنيسة في الغرب لكونها فلسفة إلحادية تنكر وجود خالق للكون .
و حين اجتاحت هذه الكلمة القاموس الثقافي العربي لم ينتبه لها الحداثيون و قبلوها دون تمحيص أو تدقيق و صارت في عقل المثقف العربي الحداثي مفردة تعني النظام الذي تكون فيه الدولة لا دينية و ذلك بعزل الدين عن الدولة و عن السياسة .
قد تكون مفردة الدولة المدنية هي الأقرب للتعبير عن حيادية الدولة تجاه الأديان رغم أن هذه المفردة لا تفي ايضا بشكل كامل بالغرض لكنها اقرب الى سعي الثقافة العربية الحديثة للتعبير عن فصل الدولة عن الدين .
الغريب أن مستخدمي هذه المفردة , العلمانية , من الحداثيين العرب قد جعلوها في مواجهة و عداء مباشر للإسلام السياسي رغم أن الفكر الغربي الذي ابتدع مفردة العلمانية لا يَحْملْ عداء للمسيحية السياسية و لا يسعى الى عزل الدين عن السياسة و يعترف بحق الجماعات المسيحية على تشكيل احزاب و حركات على اساس المسيحية السياسية الديمقراطية و من نِتاجْ ذلك تمكنت الكثير من الأحزاب الديمقراطية المسيحية من اخذ مكانها الطبيعي في العملية السياسية الجارية في العديد من الدول الغربية أما في الشرق وخصوصا في عقل المثقف الحداثي العربي فقد تَشَكَلَ تضاد شديد بين العلمانية و بين تيار الإسلام السياسي على اختلاف توجهاته و سبب ذلك لا يعود للحداثيين العرب فقط و انما يعود ايضا لعدم قدرة الإسلام السياسي لتحديث خطابه الديني و بقائه اسير للنهج الماضوي .
ثانيا : الديمقراطية
الديمقراطية معناها الأساسي هو حكم الشعب لنفسه بنفسه إلا أن تَشَكلها في العقل الحداثي العربي ارتبط بالتعددية الحزبية و احيانا بالتعددية الحزبية المفتوحة و لو قارنا بين تعامل التحديثين في الصين بالحداثيين العرب لوجدنا مسافة شاسعة بين اسلوب تفكيرهما فقد نجح التحديثيون في الصين في ايجاد صيغة حديثة لتحقيق حكم الشعب لنفسه بنفسه من خلال ديمقراطية ذات خصائص صينية التي تبدأ بالمشاركة الشعبية من اصغر وحدة ادارية و هي القرية لانتخاب مجلس شعبي للقرية يكون اعضاء هذا المجلس منتخبين بحرية من قبل اهالي القرية و في الغالب يكونون هم النخبة المقبولة من اهالي القرية للتعبير عن مصالح القرية , ثم تتدرج العملية الانتخابية صعودا من مجالس شعبية للقرى الى مجالس شعبية لوحدات ادارية اكبر حتى يتم الوصول الى افضل تمثيل ممكن لا رادة الشعب الصيني .
المجالس الشعبية في الصين هي التي تعطي لأعضاء الحزب الشيوعي الصيني الحاكم التزكية المطلوبة ليس فقط للترقي في الحزب و إنما تمكنه من الاحتفاظ بعضويته فيه و إلا سيكون مصيره العزل عن العمل الحزبي , و بذلك تتحقق الرقابة الشعبية الواسعة النطاق على الحزب الحاكم حيث تمكن التحديثيون الصينيون بهذه الطريقة من وضع اسس للبنية التحتية للديمقراطية التي معناها الفعلي هو : حكم الشعب لنفسه بنفسه .
و من اجل اعطاء صورة اوضح يمكن اجراء مقارنة بين التجربة الأمريكية و التجربة الصينية في الديمقراطية أي في تحقيق حكم الشعب لنفسه بنفسه حيث سنجد أن من يتمكن في امريكا من حكم الشعب الأمريكي هو الحزب الذي قد يحصل فقط على حوالي 25% من اصوات الشعب الأمريكي و ذلك لأن نسبة المشاركة في الانتخابات الأمريكية في الكثير من الأحيان هي بحدود ال 50% من الذين يحق لهم الانتخاب و أن الحزب الفائز قد يحصل فقط على نصف هذه الأصوات , و كخلاصة , قد يتمكن حزب في امريكا من حكم الشعب الأمريكي بأكمله اذا حصل على ربع اصوات الشعب الأمريكي .
اما في التجربة الصينية فبسهولة نجد أن الحكومة الصينية تمتلك تمثيل شعبي أوسع بكثير من التمثيل الشعبي الذي تمتلكه الحكومة الأمريكية .
و لو سألنا المثقفين الحداثيين العرب عن رأيهم بالتجربتين الأمريكية و الصينية فسيقولون أن النظام في امريكا ديمقراطي و ذلك لوجود ثنائية حزبية , الحزب الديمقراطي و الحزب الجمهوري , تتنافس في ما بينها في انتخابات حرة أما النظام في الصين فهو نظام ديكتاتوري لأنه نظام الحزب الواحد ...! ففي عقل الحداثيين العرب صورة غربية نمطية تقول أن الديمقراطية هي التعددية الحزبية و لا يهمهم إن كان ذلك يحقق حكم الشعب لنفسه بنفسه ام لا ...!
و رغم أن الحداثيين العرب يدركون جيدا أن الأبداع و الاستبداد لا يمكن لهما التواجد في نفس البيئة و مع ذلك يتعذر عليهم اعطاء تفسير لكيفية حصول نهضة عظيمة و تنمية سريعة مصحوبة بتطور علمي و تكنولوجي هائل في فترة زمنية قصيرة في الصين و النظام فيها ديكتاتوري كما يقولون ...! اذ ليس للحداثيين العرب اجابة مقنعة عن كيف يمكن حصول هذا القدر الهائل من الأبداع الإنساني الذي حققه الشعب الصيني و النظام الذي يحكمهم هو نظام مستبد حسب ادعائهم ...!
لقد تحجرت لدى الحداثيون العرب المبهورون بالتجربة الغربية فكرة أن الديمقراطية تتم فقط من خلال عملية سياسية يتنافس فيها احزاب متعددة للوصول الى السلطة , هذا الأمر الذي ساعد على جعل هدف الأحزاب السياسية في بلداننا هو مسك السلطة و ليس تحقيق حكم الشعب لنفسه بنفسه .
قد تكون تجربة تشكيل الاتحاد الاشتراكي العربي في مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هي المحاولة الوحيدة في بلداننا العربية لتحقيق حكم الشعب لنفسه بنفسه من خلال نظام الحزب الواحد , حزب يتكون من النخبة , إلا ان هذه التجربة قد فشلت ليس بسبب الطرف الذاتي لها فحسب و انما الظرف الموضوعي المحيط بمصر عموما في تلك المرحلة حيث لم تتوفر الإمكانيات الكافية للنجاح حيث تمكن الحداثيون المصريون من فرض تجربتهم المستوحاة من القوالب الغربية الجاهزة لمفهوم الديمقراطية .

(( يتبع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح