الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عجيب أمور ... غريب قضية ما هذا الذي يحدث في العراق ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2021 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


إبتداء أقول أن ما دعاني لإختيار هذا العنوان الفنتازي لمقالتي هذه , ليس لغرض الدعابة أو المزحة , إنما وجدت فيه ما يعبر بدقة عما تناقلته وسائل الإعلام عن مؤتمر التطبيع العراقي الصهيوني الذي عقد في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق قبل أيام قليلة , بمشاركة ممن وصفوا أنفسهم برؤساء عشائر في ست محافظات عراقية في غرب العراق وشماله وبعض الباحثين عن الشهرة بأية طريقة, ليتصدروا منصات الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي .
أن الغرابة بعقد هذا المؤتمر العتيد ,تكمن بمضمون المؤتمر وكأن العراق بات خاليا من المشاكل التي تعصف بكيانه وتهدد وجوده , وأصبح عليه لزاما التصدي لحل مشكلات المنطقة المزمنة منذ سنين , وأبرزها القضية الفلسطينية التي تعود جذورها الأولى إلى وعد وزير الخارجية البريطاني بلفور عام 1917 ,في رسالة موجهة إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد, أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني، وذلك لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا وإيرلندا. دعا فيها لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين, التي كانت خاضعة يومذاك للدولة العثمانية , وتسكنها أقلية يهودية لا تتجاوز نسبتها ( 5.3%) من إجمالي سكان فلسطين . ومنذ ذلك الحين توالت النكبات على الشعب الفلسطيني , حروب وصراعات دامية وتشريد وتهجير سكانها الفلسطينيين وإقتلاعهم من موطنهم بدون رحمة , ليحل محلهم صهاينة جاؤوا بهم من شتى بقاع الأرض ممن لا علاقة لهم بفلسطين , لإقامة دولة إسرائيل . ولا نريد هنا الخوض كثيرا بتفصيلات الصراع الصهيوني الفلسطيني وتشعباته المختلفة, كونه ليس موضوع بحثنا هذا , إنما أردنا القول هنا أن القضية الفلسطينية , هي بإختصار قضية إنسانية عادلة , قضية شعب أغتصب وطنه وسلبت حقوقه وممتلكاته وشرد شعبه , تحت حراب المستوطنين المدججين بالسلاح , بحماية ورعاية الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي جعلت من إسرائيل كلب حراسة لحماية مصالحها , مزودة بترسانة نووية ضخمة غير خاضعة للرقابة الدولية , وحرصها على منع أي من دول المنطقة إمتلاك القدرات النووية لصنع الأسلحة النووية.
وبذلك أصبحت دولة إسرائيل اليوم هي الدولة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط بلا منازع على الإطلاق , بفضل الرعاية الأمريكية الخاصة بها , وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحتل أراضي دول أخرى , وتمارس سياسة الأرض المحروقة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني من منطلق يهودية دولة إسرائيل , وحرمانه من ممارسة أبسط حقوقه الإنسانية, وعدم السماح لعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في دول الجوار تحت رحمة وكالة الغوث الدولية , إلى مساكنهم التي هجروا منها بسبب الحروب خلافا لكل القوانين الدولية والشرائع السماوية , وهي فوق هذا وذاك تسعى لإبتلاع المزيد من أراضي الدول العربية , سعيا لتأسيس دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات .
فإذا كان هذا هو حال الشعب الفلسطيني , أما كان الأجدر بدعاة التطبيع , الإهتمام بقضيته من منطلقات إنسانية ؟, ناهيك عن أواصر الترابط القومي والتراث الإنساني والحضاري المشترك , أو في الأقل إستشعار الخطر الصهيوني الساعي لإبتلاع المزيد من الأراضي العربية , بما فيها أراضي المنطقة الغربية من العراق التي يدعي معظم المشاركين بهذا المؤتمر الإنتماء إليها , إن كان لهؤلاء حقا إنتماء صميميا للعراق وشعبه.
أما كان الأجدر بدعاة التطبيع إن كانوا محبين حقا للعراق ؟ الإهتمام بقضية العراق وشعبه الذي يعاني الأمرين من الفقر والحرمان والجوع والمرض والجهل بسبب آلة الفساد ونهب المال العام ومافيات الجريمة التي تضرب في كل مكان دون رحمة, بدلا من إثارة الأحقاد والضغائن والحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد التي باتت تهدد وحدة العراق وتفتت نسيجه الإجتماعي من منطلقات أثنية وطائفية مقيتة , بعد أن كان العراق قويا بشعبه عزيزا بقدراته , يهابه الأعداء ويجله الأصدقاء, بدلا من أن يكونوا أصداء للآخرين ممن لا يضمرون للعراق خيرا.
ولا نأتي بجديد , إذا قلنا أن أول درس يجب أن يتعلمه أي مبتدأ في عالم السياسة , أن تكون له أوليات في برامجه بحيث يتقدم فيها الأهم على المهم , وتحديد توقيتات مناسبة لكل منها , والعمل على تهيئة الظروف المناسبة للشروع بكل منها , والسعي لنسج العلاقات مع الآخرين وإقامة أوسع التحالفات لتسهيل تنفيذها , وإدراك أن السياسة فن الممكن , وأن لا صداقات دائمة بل مصالح متبادلة أخذا وعطاءا, وأن بقاء الحال من المحال , وعدم الإستقواء بالأجنبي. لذا يتوهم كثيرا من يعتقد أن التطبيع مع أسرائيل سيفتح له آفاقا واسعة من الدعم الصهيوني الأمريكي للقضاء على خصومه المحليين والإقليميين من منطلق عدو عدوي صديقي. أن من ينشد القوة , عليه الإعتماد على الذات بعد الله الواحد الأحد , وتعبئة جماهيره التي ينبغي أن تكون مفعمة بحب العراق وشعبه ومؤمنة بحقه بحياة حرة كريمة.
نعود لمؤتمر أربيل التطبيعي , ونقول أن هذا المؤتمر المريب في أهدافه وبالجهات التي تقف خلفه وبتوقيته في وقت يستعد فيها العراق بإجراء إنخابات يصفها بالبعض بالتاريخية والمفصلية , بصرف النظر عن صدقيتها وضمان نزاهتها من عدمه , إما كان الأجدر بمنظمي هذا المؤتمر التريث حتى إنتهاء هذه الإنتخابات ومعرفة نتائجها وما ينجم عنها , أم أريد به خلط الأوراق وإرباك الوضع المرتبك أصلا , أو جر بعض الأطراف إلى مهاترات ومعارك جانبية , لصرف الأنظار عن مشاكل العراق الحقيقية موضع إهتمام الناخبين .
وكيف لنا أن نصدق أن هذا المؤتمر المسرحية المنعقد في وسط مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان , قد نظم دون علم وموافقة سلطة إقليم كردستان كما تدعي حاليا حكومة الإقليم, المتحكمة في كل شاردة وواردة في الإقليم عبر تشكيلاتها الحزبية والعسكرية والأمنية والمخابراتية وعلاقاتها المحلية والدولية ؟, وبخاصة إذا علمنا أن ما يسعى إليه هذا المؤتمر يتوافق تماما مع ما تسعى إليه حكومة كردستان منذ سنوات في إطار سعيها المحموم لإقامة دولة كردستان العتيدة التي وجدت في الكيان الصهيوني حليفا موثوقا به لتحقيق أهدافها , حيث تشير الأنباء إلى علاقات تعاون وطيدة بين الجانبين , وليس مصادفة أن تكون إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي أيدت الإستفتاء الذي أجرته حكومة الأقليم حول تقرير مصير الإقليم .
ولا شك أن هناك قوى وأحزاب سياسية وراء الستار مؤيدة ومشاركة بهذا المؤتمر , فضلت التريث وعدم كشف نفسها قبل معرفة ما تؤول إليه نتائج إعلانه من قبل الدول الإقليمية والدولية وإنعكاسات ذلك على الوضع السياسي في العراق , متخذة منه بالون إختبار.
كما أنه ليس مصادفة أن يتحدث البعض عن توطين الأفغان المتعاونين مع الولايات المتحدة الفارين من حكومة طالبان في محافظة الإنبار بهدف تغيير التركيبة السكانية في العراق لتحقيق التوازن الطائفي , وقبلها جرى حديث عن ترحيل اللاجئين الفلسطينيين من مخيماتهم في غزة والأردن ولبنان والأردن , وتوطينهم في محافظة الإنبار برعاية أمريكية وبتمويل خليجي , بهدف التخلص من القضية الفلسطينية من جهة , وتحقيق توازن طائفي بتركيبة العراق السكانية من جهة أخرى . ويقال أن مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في الإنبار قد طرح على الرئيس صدام حسين في عقد التسعينيات من القرن المنصرم مقابل رفع الحصار الظالم المفروض على العراق في ذلك الوقت , وقد لقى المشروع في حينه رفضا باتا من العراق جملة وتفصيلا . وتتناقل بعض الأنباء عن نية الحكومة العراقية الحالية المدعومة أمريكيا , تشريع قانون يجيز منح الفلسطينيين المقيميين في العراق الجنسية العراقية , بهدف تذويبهم وصهرهم في المجتمع العراقي , وبالتالي إنهاء حلم عودتها لوطنهم الأم فلسطين , بينما كان النظام العراقي السابق أكثر عدلا وإنصافا لهم , حيث منحهم حق التمتع بحقوق المواطنة العراقية كاملة بإستثناء حق التجنس , حفاظا على هويتهم الفلسطينية وضمان حقهم بالعودة لوطنهم فلسطين .
ولعل الأغرب في حيثيات مؤتمر أربيل , تبنيه ورعايته من قبل مجموعات كانت حتى وقت قريب تتغنى بشعارات القومية والوحدة العربية , وتساند المجاميع المسلحة بما فيها الجماعات الإرهابية التكفيرية بدعاوى محاربة القوات الأمريكية المحتلة ومن تحالف معها , وإذا بها الآن ترمي نفسها في أحضان المحتل وتكشف بنفسها عن زيف دعاواها وبطلانها من منطلق أن الغاية تبرر الوسيلة .
حقا كما يقول بعض العراقيين غريب أمور عجيب قضية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو