الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهي الفوضى الخلاقة؟

ساطع هاشم

2021 / 9 / 28
الادب والفن


مع بداية احتلال وتدمير العراق وتنصيب رجال الدين الدجالين والروزخونية والعملاء حكاما على بلادنا وشعبنا، انتشر بشكل واسع النطاق بالعالم مصطلح الفوضى الخلاقة، وأصل هذا المصطلح يعود الى الفنانين والى المختصين بعلم السيكولوجيا الغربيين في خلال الفترة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية (ولا يوجد اسم شخص او شخصية معينة مرتبطة بابتكار هذا المصطلح), وهي من اغزر فترات الانتاج الابداعي والفني الاوروبي كماً ونوعاً, وكان يشير الى نشاط الفنانين المجددين الذين عملوا على تجاوز (تدمير) الانماط والاساليب والتقاليد البرجوازية القديمة سعيا الى خلق فنون بأساليب جديدة ومفاهيم ولغة تتناسب وعصر الثورات والانتفاضات لتلك الفترة التي امتلات بالفوضى والحروب في كل مكان وهنا ظهر مصطلح (الفوضى الابداعية / او الفوضى الخلاقة) كنقيض لفوضى الخراب والحروب, والذي كان القصد منه تحفيز مخيلة الفنان والمشتغلين بالابداع عامة على اختراع وابتداع افكار واعمال جديدة غير معروفة او مألوفة سابقا بالفنون وذلك رفضاً للانتاج الفني القديم الاكاديمي البرجوازي والمحافظ، والذي كان واحدا من الاسباب التي ادت الى الحروب والموت كما قالت بيانات فنانين الطليعة آنذاك، لهذا لابد من تدميره.
ثم جائتنا كونداليزا رايس ورهطها مع استعمارهم للعراق بتطبيق المصطلح الفني/الجمالي على المواقف السياسية والحربية البشعة, حيث يعني هنا هذا المصطلح نظرية سياسية أمريكية تشير الى نظام حكم جديد لا ينشأ الا بعد تدمير الانظمة السياسية القائمة (القديمة) وتخريب الاقتصاد الوطني الراهن للبلدان المستعمرة بالكامل, وقد استعمل هذا التطبيق لتبرير الحروب الامريكية وغزوها للعالم وتدميرها الشامل للبلدان المنكوبة, لان هذه هي الطريقة الوحيدة المؤكدة عندهم للقضاء على حكومة(مارقة) بأكملها ومن خلال التفوق العسكري, وهي نظرية استعمارية حقيرة جديدة ونجاحها غير اكيد لحد الان حيث تدعي دعايات منظريها الى خلق جوانب (إيجابية) تدفع الى نمو جديد بعد الفوضى والدمار، وهذا ما لم يحدث ولا في اية دولة غزاها الامريكان والانگليز حديثاً.
هناك مثل قديم غالبا مايردده الفنانين بالغرب يقول: لا يمكن للمرء ان يصنع طبق بيض دون كسر بعض البيض, وفي حالة انتاج الاعمال الفنية فلا يمكن صناعة طبق البيض هذا دون كسر عشرات البيض وتكسير الصحون والملاعق وغيرها، لكن تطبيق هذا المبدأ في السياسة والحروب يعني كوارث بلا نهاية كما نرى الان منذ اكثر من عشرين سنة بالعالم وخاصة بلدان الشرق الأوسط.
والمواقف (الفنية) الصاخبة بالفن الحديث التي اوجدت هذا المصطلح وغيره الكثير انما كانت تعكس ليس موقفا سياسيا واجتماعيا رافضاً للحروب والموت المجاني فحسب بل موقفا وسلوكا اخلاقيا فنيا وابداعيا بالدرجة الاولى، حيث حدث ومازال يحدث هذا بشكل تلقائي غير مخطط له عند الفنانين عندما يتم السعي الى تدمير الانماط المعمول بها والمألوفة في هذا المجتمع او ذاك, املاً في ظهور اشياء جديدة من الفوضى الايجابية الناتجة عن (تدمير) القيم الفكرية والفنية الرجعية والمحافظة بالمجتمع, بمعنى ان هذا الفعل (المدمر) انما هو صرخة احتجاج ورفض انساني في سبيل التحرر من قيود واغلال الماضي الرجعي المقيت, وهي اقوال مجازية شاعرية فنية في جوهرها وليست بيانات وبلاغات واوامر من جنرالات عسكرية، وعند بلوغ الفنان للهدف فان ذلك سيسمى باللحظة الابداعية او الاختراق الفني, خاصة اذا كانت النتيجة جديدة وغير متوقعة ولم يسبق لاحد ان ابتكرها, وهنا ينبغي ان لا ننسى بان غالبية الناس تعرف بأن المبدعين يفضلون أجواء غير منظمة وبيئة فوضوية من حولهم عند العمل على مشاريع فنية جديدة.
فترى المراسم والاستوديوهات الفنية ومسارح التدريب ومدارس الفن ممتلئة بالفوضى وعدم النظام الظاهر, ولهذا السبب فان الكثير من الفنانين تجدهم غير صالحين للعمل كموظفين في المكاتب فهم بحاجة الى (الفوضى) لغرض الابداع وهذا يتناقض مع نظام الوظائف المكتبية، وهذه ناحية سيكلوجية متأصلة في طبيعة المبدع وهذا ايضا سببا يدفع الفنان تفضيل العمل بمفرده في استوديو او مرسم او غرفة على سطح الدار، فالقلق وسادة الفنان.
من الاقوال التي تنسب الى الفنان الاسباني بابلو بيكاسو والتي تعكس المفهوم الإبداعي (الفوضوي الخلاق) قوله: بان العمل الفني هو فعل تدمير، اما الفنان الروسي ماليفتش وهو احد اهم الرموز الرئيسية للطليعة الروسية، ولوحته الأسود على الاسود تعتبر بيان مصور لنظريته الجمالية بالفن والتي اطلق عليها اسم السوبرماتيزم / او التفوقية فقد قال مرة:
لا فن بعد التفوقية، ولهذا يجب حرق جميع اللوحات بالعالم وعرض رمادها في المتاحف.
وهذا ما طبقه الاستعمار الأمريكي بالشرق الأوسط فعلياً وليس مجازاً بفضاعة وبالضبط بواسطة جيوشه واسلحته الفتاكة وعملائه الإسلاميين ومنظماتهم الجهادية الملعونة، بتدميرهم مدننا التاريخية وآثارنا وتراثنا الثقافي برمته وعرض رمادها على شاشات التلفزيون وبالمتاحف، وماليفتش منهم بريء.
بنو الخسيسة اوباش اخسَّاءُ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جندي عظيم ما يعرفش المستحيل.. الفنان لطفى لبيب حكالنا مفاجآت


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر محمد عبد القادر يوضح إزاي كان هن




.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت- الشاعر محمد عبد القادر -


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: العدو الصهيوني لا يعر




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر محمد عبد القادر يوضح كلمات أغنية