الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(1258) ومروية الانحطاط الحداثوية الزائفة/2

عبدالامير الركابي

2021 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يوجد الغرب متغلبا، وكنموذج جاهز حري بالاتباع، حين تكون الذاتيه الشرق متوسطية غائبة، غير متحصلة عقلا، وهو ماكانت توفر أسبابه في المنطقة المعنية، حالة الانحطاط السارية في المنطقة، ماقد هيأها وقتها لاستكمال اشتراطات انحطاطها، بالتوهميه الزائفة، عن طريق التماهي مع الوافد الجديد، على مدى قرنين من التاريخ، ليصير مانشير له محطة استكمالية إضافية لتاريخ الانقطاع الانحطاطي، والذي يؤرخ له ب 1258 الى الوقت الحاضر، مع الانتباه الى كون المحطة الاخيره من التاريخ المشار اليه، تحمل على صدرها عنوان "النهضة العربية" باعتداد، ومن دون كلمه "الزائفة" التي تستحقها، كان ينبغي ان توصل بها، من اول لحظات اطلاقها، اصلاحوية إسلامية( الافغاني، محمد عبده/ وثم العلمانيوية ابتداء من سلامه موسى).
وليس ثمة من شك في ان تحاشي مثل هذا النوع من التعبيرية والسلوكية الانحطاطية، المستجد تحت وطاة النهوض الغربي، وظاهرته الكاسحة نموذجا وتفكرا على مستوى المعمورة، كان يتطلب اكثر من مجرد المشاكلة الفكرية مع الظاهرة الجديده الصاعدة والمتحدية، واذا كنا نعتقد ان الموضع الجاري الحديث عنه، أي الشرق المتوسطي، وكما سبقت الاشاره، محكوم لقانون "الدورات والانقطاعات"، فالاحرى، لابل اللازم والحالة هذه، ان تكون الاليات المشار اليها، قائمه وفعالة في اللحظة التي ننوه عنها، بمعنى ان تكون الدورة الثالثة من التاريخ حاضرة، او قد وجد مايدل عليها، او يوميء لتبلوراتها الراهنه، وهو مالم يكن متوفرا، على الأقل من حيث القدرة على التلمس، او الانتباه حتى في حال وجوده، مادامت المنطقة ماتزال، ولم يسبق لها أصلا ان ادركت ذاتيتها، ومعها اليات تاريخها. ووقتها يصبح وجود او عدم وجود مايدل على بدء الدورة الثالثة الحداثية الشرق متوسطية، بلا قيمه، ولا اثر يمكن احتسابه، ماقد يمنح ظواهر بعينها، موقع الصدارة والاولوية، بقدر تماشيها او انطباقها وتلاؤمها، مع منظومة التصورات، والتفكرية الغالبه، السائدة اليوم تحت طائلة ونفوذ التفكرية الغربية.
وبالمقارنه على سبيل المثال، بين بدء انبعاث الدورة الثالثة الرافدينيه في ارض سومر الحديثة في جنوب العراق، في القرن السادس عشر، بناء للاليات الخاصة الذاتية وفعلها التاريخي، او ظاهرة متاخرة مثل ظاهرة محمد على الالباني البرانيه، في القرن التاسع عشر في مصر، فان هذه الاخبرة تكون حتما في الصدارة، وتعتمد على انها حقيقة تاريخيه "حديثة" بحسب المقاييس والثوابت الحداثية كما هي معروفة في الغرب، من نوع الطموح لاقامة المجتمع البرجوازي الحديث، على حساب ماقبله، لحاقا ب "العصر" وموجباته. ومثل هذه المقارنه تدلنا على الاشكال الأكبر الملازم اليوم للاعقالية الذاتية الشرق متوسطية، ممثلا بالمنظومة التصورية المتصلة بالذات وحقيقتها، واجمالي احكامها وحركتها، وموضع ظواهرها ضمن السياق العام، مع نوعها الغائب، والذي من شان غيابه، او غلبة حالة اللانطقية الموروثة من الدورات الماضية، ان يسيد حالة الحضور المضمر، "المادي الواقعي"، من دون دلاله، او افصاح، وهذا واحد من اهم مظاهر الطور الحالي الأخير من تاريخ المنطقة، والباقي حاضرا، واساسا في تعيين السمة الرئيسية للفترة التاريخيه، بماهي حالة وطور انفصام، بين واقع منبعث ومتشكل صاعد اتفاقا مع الاليات التاريخيه جوهرا، مقابل و مع غلبة منظور او رؤية اعقال برانيه منقوله وجاهزه.
بالمقارنة بين مصر ومعها ساحل الشام من ناحية، والجزيرة العربية من اخرى، المجال الأول كاستجابة تدعي مضاهاة الغرب، والثانيه توميء الى استعادة الابتداء، ومنطلق الدورة الثانيه المنتهية، اين يمكن ان يوضع حدث ظهور "اتحاد قبائل المنتفك" في سومر التاريخيه اليوم، مع حزمة الأسباب، وبالأخص المفاهيم وقصورات الرؤيا الفادحة، وتوفر كل الأسباب والمعطيات المانعه لحضور المجال المقصود، داخل الموضع "العراقي "نفسه، بالاخص بحكم استمرار رضوخه لاشتراطات "تعذر النطقية" الملازم لتاريخه، والمستمر الى الان، إضافة لتوفر المطلوب مما يغري باعتباره "عراقا" بحسب المفهوم "الوطني الكياني" الأحادي، بالاخص بدلالة "عاصمته"، التي يظل من المستخيل النظر لها كما هي، كعاصمة للدورة الثانيه المنهارة المنتهية، والتي تظل تعامل كرمزمهبأ للاستعمال، استدلالا على وجاهة "الكيانيه" المفبركة بصيغتها وشكلها الحديث، كما ركبه الإنكليز في 1921.
ويتوفر منظور الأحادية الكيانيه والحالة هذه، على مايعززمكانته الايهامية هنا، حاجة الاطار الأعلى العاصموي المنهار تاريخيا، الى مايدعم موقعه ضمن الاصطراعية الازدواجية البنيوية التاريخيه، لكيانية قانون تشكلها الازدواجي، البدء من اسفل، في سومر ابان الدورة الأولى، وفي الكوفة والبصرة في الثانيه، قبل ان يهرب العباسيون من الكوفة باحثين عن مكان لهم يجنبهم كراهة المكان الموالي للعلويين، والانتفاضات المتوالية، وهو اليوم يتجدد في الدورة الراهنه الثالثة، ومرة أخرى من سومر التاريخيه، صعدا، بينما تصبح بغداد ومحيطها في عراق الجزيرة، باعتباره المكون الثاني ضمن الازدواج المجتمعي، بحاجة لما يعزز موقعه، فيلحق بالمجال المصري الشامي، تاثرا غائيا، يسهم بقوة في تغييب اليات الاصطراع والتشكل الراهن الوحيد، الدال على الجده، وعلى الاستقلال عن وطاة الوافد الغربي.
تصبح منطقة الشرق متوسطية اليوم، خاضعة لاشتراطات مرحلتين: الأولى هي مرحلة التشبه بالآخر، تتصدرها الدائرة الأضعف ديناميات تاريخيا، والثانيه تظل خارج النظر والادراكية، بصفتها حالة مستقبلية، متحصلة عن اصطراعية تاريخيه ذات بعد افنائي، تنطبق عليها تسمية الالتقاء مع الذات المؤجلة، بما هي ثورة الثورات الكونية التاريخيه الكبرى، حيث إعادة قراءة الحقائق المجتمعية والوجودية، ومسارات المستقبل، ودلالات الظاهرة المجتمعيه، وحركة التصيّر التاريخي الكوني.
بحسب هذا التحقيب، فان ظاهرة الغرب الحديث وصعودها، ومنجزها الهام الشامل، لاتكون بحدذاتها دالة اللحظة التاريخيه ومقصدها الذي تتوقف عنده، بقدر ماتاتي باعتبارها محطة أخيرة ضرورية ولازمة، سابقة على انكشاف الحقيقة المجتمعية التاريخيه المطوية، والتي ظل العقل البشري عاجزا عن مقاربتها، بحكم قاعدة وجودية تنشا مع المجتمعات، وتتمثل في قصورية العقل ازاء الظاهرة التي هي رحمه، وبوتقته التي وجد لكي يتشكل وسطها وبناء لتفاعليتها، كي ينتقل من كونه عقل طور "الصيد واللقاط" المنتهي، الى عقل الطور الحالي " المجتمعي"، مايتطلب تفاعليه تاريخيه تدوم لالاف السنين، ولاتلوح أولى الدالات على قرب انقضائها، الا مع منتصف القرن التاسع عشر، مع نهضة الغرب الحديثة، والتاسيسات الاولية لمااطلق عليه "علم الاجتماع"، اخر العلوم.
وأول مايلاحظ في حيثيات " العلم" المستجد، انه لايولي عناية بمعنى ودلالة الافتراقية العقلية المجتمعية، وماتستحقة من الاهتمام، على استثنائيتها، وماتتضمنه من مستدلات حاسمه تلقي بظلها على الحدث الغربي نفسه، بحيث تشكك في مدى ودرجه فلاح الظاهرة المذكورة في ادراك حقيقتها، وحقيقة المجتمعية الراهنه، وما يتصل بها وبمنجزها، ودلالته ومنطواه الفعلي، الامر الذي مايزال الى الان ينتظر اماطة اللثام، خارج التوصيفات التفكرية الغربية البداهية الشائعة، والمتداولة.
تتجاوز اللحظة التاريخية الحالة على العالم مع النصف الثاني من الالفية الثانيه، وما نطلق عليه اسم " التفارقية الرباعية"، قدرة الغرب بذاته على وعي ذاته والعالم، ولايمكن النظر في مناسبة التشكل الرافديني الكوني الراهن الثالث، من دون اعتماد منظور أساس، يؤمن اطار رؤية شاملة للظاهرة المستحدة، وشروط سيرورتها، باعتبارها طورا حل على العالم، وتمثل في اشتراطات أربعة هي: (أولا نهاية اخر ومتبقيات الدورة الثانيه ممثلة بالسلطنه العثمانيه صعودا وانهيارا، وعودة التشكل الازدواجي الكوني لارض مابين النهرين في دورة ثالثة تحققية بعد دورتين بلا تحقق، والثورة الانقلابيه الاوربية الشاملة الاليه والنموذجية، كآخر وارفع تجل احادي. وأخيرا ظهور القارة الجديده، والمجتمعية المفقسه خارج رحم التاريخ). حيث توحد العالم، وصار متداخلا كاليات ووجهة، ماخوذه نحو انتهاء زمن الأحادية، وتوقف صلاحيتها، تمهيدا لانتقال العالم الى اللاارضوية.
انتهى الطور الأول، مع اندحار اخر متبقيات، ومايذكر بالدورة الثانيه التاريخيه، وانكسارها مع بدايات القرن العشرين، لتصبح اوربا كاسحة على مستوى المعمورة، وسائدة مفهوما ونموذجا، ماقد عزز في الشرق المتوسطي، حالة التشبه بالاخر، على حساب الاليات الناشئة والتشكلية الانبعاثية الثالثة الرافدينيه، لصالح ظاهرتي التمثل بالغرب المصرية الشامية، والاستعادة السلفية الخادعه الجزيرية، بما هما دالة استمرار الزمن الانقطاعي الانهياري المستمر من 1258 ،ساعة سقوط بغداد التي تندرج اليوم ضمن سياقات التشبه بالاخر، والفبركة الغربيه للكيانيه الوطنيه، في موضع مختلف، متعد بنية للكيانيه، لايتجلى، ولم يعرف التجلي الدال على كينونته، والمطابق لها،الا كونيا امبراطوريا، وسماويا.
تبدا المجتمعات يوم تبدا وتتبلور في ارض مابين النهرين في سومر،"لاارضوية"، وتظل تتفاعل، والعقل يتنمى داخل عملية تصيرها وتفاعليتها الكونية الازدواجية، بينما تكون "الارضوية" الأحادية هي الغالبة، والاقرب لقدرة العقل في حينه على الادراك الحدسي البداهي، الى ان تثب الأحادية الارضوية وثبتها الاخيره الأعلى، وينفتح العالم والمجتمعات على الأفق التحولي الأعظم، مع انتهاء صلاحية "الارضوية"، واطلالة اللاارضوية المؤجله المبعدة من الادراك، لقصور العقل واشتراطات الضرورة التاريخيه. ووقتها تحين ساعة "البيان اللاارضوي التحولي الشرق متوسطي" القريب الصدور، استهلالا وتمهيداعلى طريق ("قرآن العراق" المنتظر منذ سبعة الاف عام)او ( الإبراهيمة الثانيه مابعد النبوية وانتهاء الزمن ألاحادي الغربي).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م