الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخيم الزعتري ومال ليس لنا!!

عبله عبدالرحمن
كاتبة

(Abla Abed Alrahman)

2021 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


كان ضربا من الجنون وما يزال شرح فكرة اللجوء لمن هرب من الموت وترك بيته وارضه وحياته بما فيها من ذكريات قسرا وهو لا يلوي على شيء الا النجاة بأقل الخسائر بحياة وارض اخرى. كان ضربا من الجنون امداد الامل بمن عبروا طريق النجاة وهم لا يعرفون ان كانوا قد عبروه جريا او مشيا. نعم لمسنا الخوف والفزع الذي كان ما يزال يلازم حاضرهم الجديد رغم ابتعادهم عن مصدر الخطر سواء كان بالقتل او الاعتقال، بيدا اننا لمسنا ثمرة السعادة على شفاه الاطفال اذ كانت اسرع مما تخيلنا فكنا نجوب مع الاطفال طريق رمل الصحراء بالغناء والمرح نتحدى باصواتنا صخب الرمل الذي كان يتشكل دوائر تكبر وتكبر حتى تتلاشى بالاعلى بعيدا عن رؤوسنا، فكان حضورنا من الصباح للمساء بمثابة نسمة الصيف في عز البرد. جنينا رضا الاهل عن عملنا وما نقدمه من اجل اطفالهم ولكن تأخر كثيرا اندماج الاهالي وقبولهم لبعضهم البعض كحياة قد تطول وقد تقصر بهم في مرحلة اللجوء. كنا نستخدم العديد من الوسائل لاقناع الاهالي بأهمية اخراج اطفالهم من جو الكآبة الى جو المرح واللعب في مساحات صديقة تحتوي لعبا تشبه الى حد ما العابهم التي تركوها وراءهم. كان هدف المؤسسة التي عملت فيها: توفيرالمكان المناسب والآمن للاطفال لتمكينهم من ممارسة طفولتهم واللعب مع اطفال من اعمارهم وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي وتعريقهم بحقوقهم.
تشابه الجميع في وصف طريق الموت بما فيه من حواجز تمثلت في تعدد قوى السيطرة الجديدة، بل قوى الشر والخراب على ارض وحدود سوريا. تعددت الفواصل والحواجز وغاب الامل طويلا في ايجاد حلول ترضي اطماع المتأمرين وشرورهم وما تزال.
الطابور كان طويلا لاستلام خيمة وكان كذلك لاستلام لوازمها بيدا ان الطابور في كثير من الاحيان لم يكن لينتهي على خير وسلام، اذ كانت هناك نفوس لا ترضى بحقها فقط بل تريد حقها وحق غيرها ارضاء لغريزة البقاء وجزء من الشر الذي نتصوره نصرا. لذلك كانت عملية التوزيع تتم بصعوبة وتنتهي غالبيتها بتدخل الامن لمنع مثل هذه الخروقات التي تعيق عملية التسليم في غالبية المعونات التي كانت ترسل كمساعدات الى اللاجئين في مخيم الزعتري. تقول احدى السيدات ممن التقيت معهن انها بالت على ثيابها وكانت تقف في طابور لتسليم بطانيات الشتاء لتحفظ حقها وتأخذ حصتها. نحن نتحدث هنا عن بداية نشوء المخيم قبل اصدار هويات مفوضية وقبل ان يصبح المخيم على حالته الحالية مكانا صالحا للعيش بكل ما فيه من مقومات وتنظيم سيأتي ذكرها في سلسلة المقالات القادمة. كان العيش في خيمة لا تتجاوز مساحتها المتر المربع شيء لا يمكن وصفه، اذ يكفي ان يكون حلم احدى السيدات ان تتكئ بظهرها على جدار حتى ترتاح بجلوسها. او ان يقف احدهم بقامته دون ان ينحني عند دخوله او خروجه منها. والهاجس الحقيقي لاي اسرة يكمن في الخوف من اشتعال الخيمة حين الاضطرار لاستخدام الشموع في الاضاءة اذ ان تلاشي الخيمة وذوبانها اشتعالا يتم كلمح البصر فتجد نفسك واطفالك واغراضك بالعراء من دون ساتر، ناهيك عن امتداد الحريق لخيام اخرى ولهيب الحريق ودخانه واثره على صحة من يعانون من امراض بالرئة. ولولا تضافر الجهود والعطاء الكبير من اصحاب القلوب الانسانية الذين عملوا بكل حماس على تذليل الصحراء، وتطويع بور الارض لتصبح المكان الآمن للعيش وتوفير كل ما يحتاجه اللاجئ من الحاجات الاساسية على شكل مساعدات عينية ومعنوية وكلها كانت اسباب حقيقة لبقاء الناس على قيد عقولهم وحياتهم في ضوء ما تعرضوا له من تنكيل وتشريد. ازاء ما حصل وما زال يحصل على ارض سوريا التي مر عليها ما سمي بالربيع العربي الذي جاب عددا من الدول العربية بدعوى احلال الفوضى من اجل اعادة التنظيم، بيدا ان الفوضى عمت والتنظيم لم يأتي. ولكن التنظيم كان حقيقيا في ترتيب بيئة المخيم ومن جميع النواحي لتصبح الحياة ممكنة مع برد الصحراء وحرّها. ان الحرفية والاشغال اليدوية التي يتميز بها السوري على مستوى العالم كانت من اسباب وجود لمسات جمالية ان كان في الخيمة او في البيئة المحيطة بها. كثيرة هي المبادرات التي نُفذت على ارض المخيم واهمها كان مشروع اعادة التدوير وذلك بالاستفادة من الخبرات الحرفية للاجئين.
رغم صعوبة العمل وعظم التحدي الا ان النتائج التي حصلنا عليها كانت كافية لنفرح. احدى الصغيرات اخبرتني وقد التقيت بها وقد تركت المخيم لتسكن واسرتها خارج المخيم حالها كحال الكثيرين من اللاجئين السوريين الذي كان مخيم الزعتري لهم مثل نقطة الانطلاق للاقامة في المدن والقرى الاردنية اما عن طريق التكفيل او العمل بحيث يصبح رب العمل قادرا على الانفاق على اسرته، ولا ننسى دور رجال الاعمال السوريين الذين اقاموا مشاريعم في معظم المدن الاردنية ونجحوا بها نجاحا باهرا في توفير فرص عمل للكثيرين من اللاجئين السوريين خارج المخيم. اعود لتلك الصغيرة والتي غدت شابة الان وهي تتحدث بحماس كبير عن حفلات السمر التي كانت تقام على ارض، وضحكت واضاء وجهها وهي تقص علي كيف انها وشقيقها الذي كان يكبرها بعام كانوا يغمسون الجبنة بالجبنة. وهذا دلالة على حجم المساعدات الكبيرة من الخيرين على هذه الارض.
انطلاقا من هذا انشئ مخيم الزعتري خلال تسعة ايام فقط من العام 2012 وما يزال قائما لغاية الآن. وقد سمي بالزعتري نسبة للقرية التي تقع في محافظة المفرق الاردنية كجزء من الاستجابة لحالة الطوارئ التي افرزتها الحرب. وقد بدأ المخيم باستقبال 100 عائلة بخيام كانت قد نصبتها المفوضية السامية بالتنسيق مع الهيئة الخيرية الاردنية الهاشمية التي قامت بدورها بالتعاون مع المنظمات الانسانية سواء دولية او حكومية دون اغفال الجهود الفردية بتقديم المساعدات العينية والمعنوية للاجئين لمساعدتهم في محنتهم لحين عودتهم. وبصورة عاجلة تم اعداد البنية التحتية وتوفير الخيم والكرفانات والمياه والكهرباء والخدمات الطبية اللازمة لاستقبال اللاجئين حرصا منهم على دفع الاذى والخوف من حماقة الحرب التي طالت كل شيء.
الى جانب كل هذه الخدمات المادية كان هناك جانب الرعاية النفسية الآنية التي كان اللاجئ بأمس الحاجة لها نتيجة ما مر به من توتر وخوف وفقدان الامل بالعودة، ناهيك عن ظروف الحرب وحالات القتل والتعذيب التي حفظتها ذاكرة الاطفال قبل الكبار. كنت اصاب بالدهشة وانا استمع لوصف دقيق لانواع الاسلحة والقنابل والتمييز في ما بينها اما بصوتها المدوي او بحجم الدمار الذي تخلفه. ماذا تنفع كلمات المواساة والاطفال وقعوا في براثن الحسرة. كنت قد سمعت عن اسرة وصلت المخيم وكانت مكونة من الاب واطفاله الصغار وعددهم اربعة جميعهم يعانون فقدان الام التي انفصل رأسها عن جسدها على مرآى من اطفالها وكانت منهمكة باتمام عملية غسيل ملابسهم ولم يبقى عليها الا نشرها فسقط رأسها محتضا اخر شيء يربطها بهم.
كثير من المشاهير تطوعوا وزاروا مخيم الزعتري لتقديم الدعم المعنوي وجمع التبرعات ومنهم الفنانة انجلينا جولي والتي كانت من الاوائل الذين زاروا مخيم الزعتري، ومثلها الكثيرين.
لا انسى المشقة التي تكبدها احد الاوروبيين من محبي الخير لتوصيل حقيبة تحوي العديد من الاغراض التي يحتاجها الطفل في كل مراحلة العمرية: قبعات صوف من كل الاحجام وملابس ولحف صغيرة وحمالات اطفال وقرطاسية يحتاجها الاطفال في مدارسهم. اقول مشقة لانه لم يكن بسهولة دخول المخيم فكان الامر يحتاج لموافقات امنية لا حصر لدخول مخيمات اللاجئين السوريين فكانت رحلته طويلة وفرحته اكبر حين شاهد الاطفال يستخدمون الاغراض التي عانى الامرين لتوصيلها وجمعها. من المفارقات اننا اخذنا نصيبا من مال الصدقات اذ تصادف ونحن نسير بعودتنا بعد انتهاء العمل سيرا على الاقدام بمرور سيارة يركبها احد الخلجيين وقد كان يرمي بالمال من شباك سيارته. فكان نصيبنا مالا ليس لنا من فئة 20 دينار اردني، تصرفنا بالمال من اجل الاطفال الذين نستهدفهم بعملنا.
يتبع......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير من الحرس الثوري الإيراني في حال هاجمت اسرائيل مراكزها


.. الاعتراف بفلسطين كدولة... ما المزايا، وهل سيرى النور؟




.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟


.. إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟




.. طهران تواصل حملتها الدعائية والتحريضية ضد عمّان..هل بات الأر