الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أن نفر حتب ..في قاعة ماعت (2 )

محمد حسين يونس

2021 / 9 / 29
الادب والفن


المشهد الثاني
يا إلهى يا محقق الرجاء .. يامجيب السائل المشتاق .. اشملنى بعطفك واجعلنى فى معيتك نور بين نورانيين
خرجت نفسى من الجسد المسجى ، تحوم فى بيت الآخرة وتسعى لرحلتها المقبلة نحو الخلود .. وكانت روحى تنظر بحب وأمل فى العودة للجثة المحنطة وفقاً لسنة الآلهة .. سعيدة بعد ان انجز الكهنة ما وعدوا .
امسكت نفسى بقلبى وسفرى الغالى وعرجت الى السماء تبحث عن مدخل التيوات .. لتنتظر إلهنا العائد من رحلته فتصعد إلى قاربه الرباني تعبر معه محيط الأخطار لتولد فى الصباح نورانية خالدة تضوى للأبد .
كانت هناك نفوس اخرى تعرج قبلها .. فتبعتها آملة .. حتى وصلت إلى بوابة الخلد .. كان الزحام شديداً إذ يبدو ان الكثيرين قد قرروا ان يؤمنوا لنفوسهم مكانا بين الخالدين .
كان الطقس حاراً شديد الحرارة على نفس رقيقة مثل نفسى .. وهبت موجة هواء ترابية عاتية فأمتص جلدى المندى بالعرق كل ذرة لامسته من ترابها .
دفعتنى أكثر من نفس بفظاظة فأحدثت بى كدمات لا حصر لها . سبتَنى اكثر من نفس متزاحمة بألفاظ أرجو ان تعفونى من ذكرها
- هل هذه أخلاق الأبرار المطهرين ؟
- لقد كانت تصيح جميعها ، وكان ثعبان الحراسة الواقف على زبانه أمام البوابة يطلق عليها من فمه لهبا قوياً فتتراجع مبتعدة ..
لقد فشلت جميعها فى الوصول اليه ، ومن استطاعت تعثرت فى النطق باسمه بالطريقة الصحيحة رغم انها كانت تحمل ملخصات تشبه تلك التى معى .
كدت ان أيأس .. حتى حدثت معجزة .. لقد ظهرت نفس نبيلة واثقة تضوى مثل نجم صغير .. وقفت للحظات حائرة ثم نظرت فى كتابها .. الذى لا يشبه أسفارنا
– ثم نطقت بكلمات مقدسة فانشقت الجموع لنصفين كما لو كان ألف جندى من جنود الملك يقفون بحرابهم أمامها . وبدى طريق واضح ممهد .. سارت فيه النفس السامية بكبرياء وتؤده حتى وصلت الى باب الخلد .. ابتسمت بثقة للثعبان الحارس ونطقت باسمه فانزاح عن طريقها ..
كنت أتبعها ملتصقا بها كظلها .. فألهمتنى الآلهة أن أخطو خلفها بسرعة .. فوجدتنى بفضل " باست" أتخطى الحارس – الذى عاد لسيرته الأولى فى إطلاق النار – وأدلف الى المكان المحظور
قفز قلبى بين جناحى طرباً .. لم أكن أتصور أبداً ان الآلهة سوف تيسر لى امرى هكذا .. أبطأت أدباً كى لا أزاحم من كان لها الفضل فى نجاحى .. ولكن عندما بدأت أخطو للداخل مستبشراً هاجمتنى رائحة نتنة .. تشبه بقايا الطيور البرية على الروابى .. لا .. بل كانت تشبه رائحة شادر سمك الميناء القديم فى يوم قائظ .. أو .. رائحة خفافيش الكهوف المظلمة .. أو ربما كانت هذه الروائح مجتمعة معاً .
عندما دققت النظر فى المكان عرفت السبب .. لقد كان هناك حوالى اثنين واربعين كائناً ذوات رؤوس حيوانات مختلفة تبرز من افكاكها أنياب حادة وتلمع جلودها بألوان زاهية وتحمل بين مخالبها أعلاماً . وبيارق .. وتماثيل رموز وشعارات اعتقد أنها تمثل مقاطعات الوطن .
كدت ان اتراجع وأعود من حيث أتيت .. لم يكن هذا ما وصف فى سفرى المقدس ..
لقد كانت قاعة واسعة لا يمكن للبصر مهما اوتى من حدة ان يرى نهايتها .. على جانبيها مدرجات ضخمة ضخامة بيوت الآلهة تجلس عليها تلك الكائنات النتنة .. وفى المماشى الواسعة تتحرك باصرار ودأب كائنات اخرى قزمية تنفث من مباخرها – التى تهزها بشكل رتيب – سحابات رمادية كثيفة تملأ الفراغ فتجعل منه مكاناً يشبه كوابيس الليل .
كانت الكائنات تزأر بفرح جنونى وتهتف بهتافات غير مفهومة تخلع القلوب وهى تودع النفس السابقة لى .. فأسقط فى يدى .. لقد حان زمنى .. وأنا لا أعرف أين دخلت ؟ .. فاجتاحنى رعب مزلزل .. شعرت بدوار وضيق فى التنفس كما لو كنت أصعد جبلاً عاليا
كانت النفس النبيلة تنحنى امام إله أخضر اللون يعتلى عرشه ملفوفاً بأربطة التحنيط الكتانية تخرج منها يداه يمسك بإحداهما صولجاناً وبالاخرى علامة الحياة ..
لم يوصف هذا فى كتابى ..
كان هناك ميزان ضخم يتوسط القاعة يقف أمامه تحوت مهيباً بيده لفافه بردى وبالاخرى ريشة كتابة ويحيطه عدد من الكائنات الالهية المساعدة .
اختلط على الامر .. فارتبكت وتعطل قلبى عن الفهم والتدبير .
نظروا اتجاهى تكلموا معاً بعبارات لم أسمعها..تحرك على أثرها – برشاقة مصارع واثق – اله له رأس ابن آوى قاصداً إياى .. فلمعت أضواء قوية تركزت على عينى وشعرت بحرارة أشعتها تحرقنى كما لو كان "رع " قد تبدى وحط بنفسه فوق رأسى .
تفصد العرق غزيراً من مسامى وتقطعت احشائى وشعرت بدوار ورغبة فى الغثيان .
صاحت الكائنات المحيطة بأصوات مدوية عندما اقترب ابن آوى منى
قال هامساً : من انت ؟
- أنا آن نفر حتب ابن نيت بنت نفرتارى ..
رد وهو يقلب فى صحائف البردى التى يحملها : لم يبلغوننى باسمك !! .. ثم أردف
كيف دخلت هنا ؟
- فى صحبة النفس التى سبقتنى إليكم .
- هز رأسه بفهم وقال بنفس النبرة الهامسة : آه تسللت
فلم اجب .. اكتفيت بان ألوح امامه بسفرى الغالى .. باضطراب واضح .
- ماعلينا ما اسم إلهك يا آن نفر حتب ؟
قلت بثقة : الاله الأعظم من كل إله .. رب البشر والوجود رع حيرو خوتى .
قال مبتسما بخبث بعد ان ادرك غفلتى ولكن هذه قاعة اوزيرس ملك العالم السفلى والموتى ورب حقول الاليسيان .
لم اكن انتظر هذا ابداً .. لقد كنت من عبدة اوزيرس فى صباى وشبابى ولكننى تحولت عنه الى دين الاله الشمسى "رع" بعد ان زرت بوباست وبهرتنى فكرة الوجود النورانى .. فاخلصت لها مقتنعاً أنها الحق بعد أن مججت حقول الاليسيان التى يكرر فيها الابرار حياتهم السابقة .. مستهدفاً ان أصبح نورانياً سماوياً علوياً مثل باقى شيعة رب النور ...ياضيعتى .. ما الذى قذف بى عند اوزيرس ؟
ظللت أقلب بارتباك فى صحيفة البردى أبحث عن لا شىء .. فاختطفها رأس ابن آوى منى ، نظر إليها ثم قذف بها على الارض مزدرياً .
قال: ما بالك ..لا تخف .. ان اوزيرس رؤوف بعباده ولا يحمل إسراً على شياهه الشاردة .
ثم اردف بحزم : حسنا يا آن نفرحتب .. هل تعرفنى ؟
رددت بخبث لم ينطل عليه : اعرفك بالطبع ..اعرفك ... أنت شخصية عظيمة فى قاعة العدالة هنا .
رد بحدة غيرمتوقعة رافعاً صوته قدر إمكانه : وانت دجال مشعوذ ...صابىء جئت بالخطأ هنا ..
ثم اردف:
- أهكذا تواجه قضاتك يا ابن الارض السوداء .. تترك دينك ودين آباءك واصلك وتنتمى لدين الغرباء.
لحق به آخر على هيئة ثعبان ضخم له أربعة اقدام بشرية
فقال : هو حيضحك على مين ابن ..
ثم سبنى بامى وأردف : هؤلاء هم دجالو آخر الزمان الذين يبغون الخلود النورانى . ثم ضحك ..
ثار عنعن الكلب الذى له رأس قرد والذى كان يجلس باسترخاء فوق عارضة الميزان يرقب الحوار .. فاندفع بهياج تجاهى مشيراً بمخلبه حتى لامس أرنبة أنفى
قائلاً : هذه النفايات التى ضلت وضللت يجب الا تأخذنا بها شفقة فليكن مصيره عبرة لمن اعتبر .
اطلقت الحيوانات النتنة صفيراً طويلاً متصلاً .. لقد كانت تمثل هيئة المحلفين التى ستحاكمنى .. فارتبكت ..
همس راس ابن آوى قائلاً : ارجع الى الدين الحق .. دين اوزيرس .
- فليعش اوزيرس وتاسوعه العظيم هو ربى ودينه دينى .
- هل تعرف الاعتراف السلبى ؟
- ..............
- تقف امام كل محلف وتقول انى لم أقتل رجلاً .. انى لم اسرق .. انى لم اتلصص على جار .. انى لم اغتصب طعاماً ..
ولكننى لارتباكى وسوء فهمى لم اتحرك .. ولم انطق .. فسألنى بصوت عال :
- يا آن نفر حتب هل تنكر انك خالفت تعليمات الناموس .
- لقد فعلت ما يحبه الناس وترضى عنه الالهة .
فهز المحكمون رؤوسهم دون اقتناع ... فسال رأس الثعبان باستفزاز :
- يا انت ألم تكن فظاً غليظ القلب .
- لم ارتكب اى عنف تجاه البشر وكنت محبوباً ولم اجلد منذ ولادتى فى حفره موظف .
فهز المحكمون رؤوسهم دون اقتناع .. فسأل رأس القرد باستخفاف : لقد أكلت أكلت أكثر مما يجب حتى أصبح لك كرشا !!
- اكلت من حلال مالى واعطيت للفقير خبزا وللعريان ملابساً .. وعديت النهر بمن لا قارب له .
فهز المحكمون رؤوسهم دون اقتناع ... فسأل راس آوى مشجعاً : هل تذكر أنك بأعمالك كنت مكروها مبغضا ؟
- كنت محبوباً من والدى ممدوحاً من والدتى يحبنى اشقائى وعشيرتى وكنت اقول الحسن من الكلمات واختار ما هو محبب منها لمن يسمعها ولم انطق بالفاحشة او بسوء لصاحب سلطان ضد اى إنسان.
فهز المحكمون رؤوسهم دون اقتناع ... فعاد رأس القرد لتهكمه : لقد شربت أكثر من المقدر لك!!
- شربت من ماء النيل بما أفاء على به حابى ولم أمنع المياه عن أوقاتها .
فهز المحكمون رؤوسهم دون اقتناع ...فعاد رأس القرد فى تهكمه : لعلك تزوجت أكثر من اللازم!!.
- برضائهن ولم احرمهن الغذاء او الكساء وأفضت عليهن بالعطور والدهون فكن سعيدات .. راضيات ممتلئات !! .
فضحك المحكمون ضحكات عاليه وقد بدأو يميلون تجاهى .. ولكن رأس الثعبان فاجأنى منفعلاً : إذن ماذا سرقت ؟
فعم القاعة الصمت كأن على رؤوسهم الطير .. أكمل بسرعة : لا تحاول ان تقنعا بأنك لم تسرق .. فملامحك هى التى حددها حكيمنا كاجيمنا منذ الأبد للمجرمين .
تدخل رأس القرد مكملاً : لا تنكر ولاتحاول خداعنا بأنك من شواذ القاعدة فطريقة تسللك لهنا ورجوعك عن دينك متذبذبا بين اوزيرس العظيم ورع تؤكد ما نقول .
صفق المحلفون بشدة وتعالت صيحات الاستحسان حتى ضاع ردى المستسلم وانا اقول " اللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين " وسط الضجة غير المحتملة ..
فانسحبوا جميعا تاركين نفسى مسلسلة وسط القاعة .
( نكمل حديثنا قريبا عن مصيبة أن نفر حتب الذى دخل قاعة أوزيريس بالخطأ رغم أنه يعبد رع حيرو خوتى).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف