الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا حدث في افغانستان؟ بين سذاجة امريكيا وفساد الشريك المحلي

ابراهيم النجار

2021 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


فشل تصدير المشروع الامريكي



لم يعد النموذج الامريكي مُصدِّر الحرية للبلدان المتخلفة قابلا للتداول ففشله في غالبية البلدان التي احتلها أمراً مريعاً غير قابل للفهم اضافة لانتكاسته الداخلية مع كل اصطدام يحدث بين مكونات الهوية الامريكية، هل فعلا ننتظر منهم حريةً ونهضة؟ بلاد لم يتخلص العرق المميز فيها من عنصريته حتى الان وهذا طبيعي فالنظام السياسي والقضائي حتى التسعينات لم يكن قادراً على محاكمة قتلة الضحايا السود والملونيين المعروفين للمجتمع والمنتسبين لحركة KKK اليمينية المتطرفة، فليس غريباً على الشعب ان يحتفظ برواسب عنصرية مقيته حتى الان ويلتف حول ترامب ويعلن رفضه للنظام الديمقراطي المزعوم كاملا.. حيث لم يحصل ترامب على نسبة بسيطة من الاصوات بل أقل من نصف الشعب بقليل هؤلاء استطاعوا بشعارات لامعة جمع اغبياء الولايات المتحدة جميعا تحت شعارات رفض "التنوع القسري"
وهذا ليس فشلاً للنموذج الامريكي داخليا فحسب بل خارجياً ايضا و لا يعبر عن دولة عظمى بل سلوكيات مارقة وهناك فرق بينهما هو انها تملك الادوات لتكون دولة عظمى ولكن الاستخدام الساذج والسطحي لهذه الادوات يجعل منها مشروعاً مارقاً لم ينتصر يوماً خارج أرضه ولم يحسم صراعا عنصرياً داخلياً حتى الان وان وضعوا قوانين حادة لذلك هذا لا يعني انه حُسِم داخلياً بين الناس فلم يمر عقدٌ من الزمن لم تنشط به حركة kkk العنصرية ولاسباب تافهة لا تتجاوز التنافس على الخدمات واستغلال الفئات الاقوى للاضعف من اجل ثروة اكبر و اسرع واقل تكلفة لهم في مزارعهم ومصانعهم.
دولة عظمى تملك كافة الادوات المناسبة ومختلف ادوات الضغط لتمرير مشاريعها تحتل دولة ضعيفة منهكة لعشرين عام وتخرج منها ذليلة و غير قادرة على تقدير الامور فيها ولم تفلح محاولاتها عبر عقدين لتأسيس مؤسسة واحدة في البلاد الافغانية بطريقة علمية ناجحة رغم انفاقها ٢٣٠٠ مليار، معبرةً عن هذا الفشل بفشل اكبر وهو الذهاب بمساعدة قطر الى حركة طالبان للتدخل على الارض مع قرب انسحابها، وبإتفاق بينهم يقدم كل الدعم للحركة التي تم تصنيفها كحركةٍ ارهابية دولياً، معلنة بذلك انسحاباً هزيلاً غير مخطط له مرتكباً اخطاء بشعة لن ينساها العالم الذي شاهد طائرتهم يتساقط منها المدنيين الافغان. انسحبت معلنةً تأسيس إختلالات مجتمعية لدعمها للحركة الممثلة للقومية البشتونية والتي تشكل ٣٥% من السكان على حساب القوميات الاخرى مثل الطاجيك والهزارة والتي لا بد وان تؤسس لحرب اهلية طاحنة واستقواء للحركة البشتونية على نظيراتها التي تجمعهم سابقاً ثارات طويلة وقتال لا ينتهي.
بالمقابل اقامت ايران مشاريع في شمالي افغانستان معظمها مشاريع بنية تحتية بقيمة ٥٠٠ مليون يتكلم بها الافغان حتى الان لانها انفقت هذه المبالغ في مشاريع ملموسة قابلة للتقييم من كل مواطن مثل فتح وتعبيد الشوارع لاول مرة.
ولو قمنا بتحليل كيفية تصدير ايران وروسيا والصين وامريكا لنماذجهم السياسية والاقتصادية لوجدنا تفوقاً كبيرا في الاليات والوسائل والتخطيط قصير و طويل المدى لكافة الدول على امريكا من حيث النتائج، لانهم لديهم فهم جيد للسياق العام لكل منطقة يسعون اليها، على سبيل المثال استطاعت الصين عقد تفاهمات مع كافة الدول المستضيفة لطريق الحرير الجديد والترويج بشكل جذاب للنموذج الاقتصادي الصيني، وايران استطاعت تكوين ثلث ضامن في كل دولة لها تواجد سياسي وديني فيه او تسعى لذلك. وحتى الاتحاد السوفييتي رغم سقوطه ومن بعده روسيا ما زال تراثهم موجودا في دول الاتحاد السوفييتي سابقاً وحتى الجيش الافغاني بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بقي صامداً لفترة لا بأس بها. جميعهم باستثناء امريكا حققوا جزءا مهماً من اهدافهم في السيطرة على مناطق استراتيجية من العالم وخلق كتلة مؤمنة من الشركاء الوطنيين تتبنى مشاريعهم.



غياب الشريك الوطني
ان الصورة الذهنية لامريكا في الكثير من اجزاء العالم هي انها دولة مارقة لا شريك لها تخذل من يقف الى صفها من اتباعها المحليين الذين لا تجمعهم شراكة البناء والتطوير بل الانتفاع المصالحي المرتبط بالدولار مباشرة والذي يعمل الشريك المحلي بوجوده ويذوب عند اختفاءه.
وبالتالي هذه الدول التي تمتلك امريكا مصالح فيها نادراً ما تستطيع ايجاد شريك حقيقي وطني يمتلك رصيدا من الاحترام المجتمعي. وكذلك اذرعها الاعلامية والانسانية مثل USAID وبرامجها المنفذه في البلدان النامية. فتلجأ الى شركاء اقل خبرة وكفاءة في العمل ولكن اكثر استجابة لوصفتهم الخاصة بتنمية هذه الدولة هذه الوصفة التي وضعها المبعوثين المتحمسين من خبرائهم في تلك البلاد.
هؤلاء الخبراء المنزوعين من السياق العام للدول التي يعبثون فيها، خبراء في الثقافة والسياسية الهامشية بعيدين كل البعد عن العمق الوطني و الخرائط الناظمة للسياسات والمجتمعات.
مثال على ذلك: بعد استهداف مقر الاستخبارات الامريكية في بيروت ١٩٨٤ فشل الرد الامريكي في الوصول الى المجموعات المسلحة التي تتشكل دون وجود عنوان واضح لها سواء عسكري او سياسي، وعندما قررت الرد بالاشتراك مع السعودية والانعزاليين اللبنانيين كان ردها فاشلاً فشلاً مدوياً باستهدافها لشخص يتشابه في الشكل مع القيادي الشيعي حسين فضل الله، حينها قررت الاستخبارات الامريكية ارسال الرجل الاول لهم في الشرق الاوسط والخبير المحنك في الحركات الاسلامية "ببلي" حيث وصل الى بيروت منخرطاً بين عامة الناس ليتعرف على فتاة تدعى "زينب" نقلت كامل تحركاته للمقاومة الاسلامية اللبنانية التي قامت بعملية نوعية من استدراجه وخطفه والوصول الى عملائه المحليين وقتله لاحقا.
لم يبحث "ببلي" في تاريخ صديقته التي تنتمي للطائفة الشيعية التي جاء ليراقب تطور الحركات الجهادية فيها اظن انه اكتفى بمؤشرات مثل عدم ارتدائها للحجاب وظهورها بمظهر الفتاة المتحررة التي تحلم بالهجرة الى بلاده حيث الحرية.
الشركاء المناسبين لمقاس الديمقراطية الامريكية يخضعون عادة لشروطهم التي لا تصنع التنمية بل تجلب لهم تمويلاً وفيراً فتتحول العلاقة بينهم من شركاء تنمية الى علاقة تبادل منافع ومصالح يشجع على الفساد وبالتالي ستجد في التقييم السنوي لهؤلاء الشركاء او لهذه المشاريع انها حققت الاثر المطلوب منها مجتمعيا وعلى ارض الواقع لا يوجد أي اثر لهذه المنح والمشاريع.
كيف يحدث ذلك؟



غياب فاعلية ادوات المتابعة و التقييم
تستخدم انظمة المتابعة والتقييم ادوات قياس كمية لحساب اثر المشاريع حيث ينفع هذا النوع من الانظمة عادةً لقياس الكميات او الادوات المساعدة في عملية التنمية ولكن بالطبع لا يمكن استخدامه لقياس الاثر التراكمي للوعي الفردي/ المجتمعي او التنمية الشاملة، واستخدام الانظمة الكمية وليست النوعية تنتج ارقاماً صحيحة للمراقب لكن اثرها شكلي فاذا افترضنا ان هناك مشروعاً في إحدى الولايات البعيدة في افغانستان يهدف الى تدريب ٢٠٠ شاب على مهارات اساسية حرفية يكون تقييم نجاح المشروع على ادوات قياس تحسب عدد الشباب وليست نوعية التدريب الذي حصلوا عليه هل مفيداً لهم أم لا ومدى تطور المهارات لديهم وما حاجته في تلك المناطق.
وبالتالي نَشَأت علاقة اخرى مبنية ايضا في قياسها على اساليب كمية للقياس (بين الشريك المحلي والمستفيد) ولغايات مادية بحته نشأت علاقة مشوهة بين المؤسسة المحلية والمستفيدين من جمهورها الشباب.
على سبيل المثال صرف بدل مواصلات للراغبين بحضور جلسة توعية يبدو لك انه وسيلة للتشجيع على الحضور، ولكن اصبح هو الغاية و الهدف من حضور الشباب هو الحصول على بدل المواصلات وليس رغبة منهم بالحضور و رفع الوعي او توسيع افاقهم الحياتية والمهنية.
عدا عن اسباب اخرى لم تتح لهذه المليارات أن تصنع أثراً ولو بسيط، هذه المؤسسات الشريكة لانها ليست الاكفأ كما وضحنا سابقا الاسباب الا انها تملك ايضاً سلبيات اخرى فخطورة مراقبة هذه المؤسسات البعيدة عن العاصمة و التي تقدم الخدمات والمساعدة للمستفيدين زاد من حجم الفساد في هذه المؤسسات وحد من امكانية ان تشكل هذه المؤسسات بوابة للتنمية.
كذلك الحكومة لم تكن شريكا جادا يرى ان بلاده منتهكة من اثار الاحتلال والجوع وانعدام الفرص للشباب والشابات بالحصول على حياة كريمة. هنا مثلا لم تعي امريكا طبيعة افغانستان ابدا ولا السياق الاجتماعي و الفكري لهذا البلد فاعتقدت ان ديمقراطية صندوق الانتخابات كافية لايجاد شريك وطني بدلاً من دعم خلق مجال ثقافي واقتصادي قادر على تحمل اعباء التحول والنهضة ويعبر عن ثقافة المجتمع الافغاني حتى وان لم يكن منساقاً مع الذهنية الامريكية.
مثالا على ذلك: قامت الحكومة قبل خمسة سنوات بسرقة المنحة المخصصة لمكافحة المخدرات وتحديدا الهيروين والافيون واستخدامها لصنع حملة دعائية للرئيس في الانتخابات. (حسب وثائقي جرعة افيون افغانية RT.)
وايضاً كيف لم تستطع امريكا بتفوقها العلمي ان تحدد ان تسرب ٣٠% سنوياً من افراد المؤسسة العسكرية الافغانية بعتادهم والتحاقهم بتنظيم داعش (مركز صوفان للدراسات الامنية) هو مؤشر اساسي على فشل هذه المؤسسة وعدم وجود مقومات اخرى لنجاحها وليس الدعم المادي فقط هو القادر على ضمانها حتى لو انفقت امريكا ٨٠٠ مليار على ذلك.
هذه القوات لم تصمد ساعة في وجه قوات طالبان المنظمة حديثا والتي لم تعد بربع قوتها السابقة.



العلاقة الداخلية بين (طالبان ،قطر ،امريكا) و الخارجية بينهم وبين (داعش خرسان)
اذكر الدهشة التي بدت علي عندما عرفت في عام ٢٠١٦ ان طالبان لها مكتب في قطر، تساءلت مباشرة كيف حصل ذلك ولماذا لم يراقب احدا هذه الصفقة بين الولايات المتحدة و قطر فهي تحمل من البرغماتية المباشرة ما لم نره مؤخرا من سياسات عامة ناظمة للتحالفات.
المهم ان امريكا ضاجت في العام ٢٠١٥ من ارتفاع الفساد لدى شركائها الافغان وزيادة فاتورة انفاقها في افغانستان بصورة هائلة وضرورة التفاتها الى اماكن اخرى بالعالم اهميتها الاستراتيجية اكبر من أهمية افغانستان على مخططها.
استعانت امريكا بقطر عشيقة الحركات السلفية الجهادية في العالم، حيث كانت طالبان في هذه الاوقات ممزقة ومفككة حيث تقبع قيادتها في السجون وافرادها قد تفرقوا واغلبهم انظموا لداعش ولم يبقى منهم سوى القليل، والضربات الموجهة الى قوات التحالف وعلى رأسها امريكا تقودها "داعش خرسان" وهم يضمون الى صفوفهم مقاتلين عرب كثر.
كانت قطر كمن يحي العظام وهي رميم فذهبت الى باكستان وافغانستان محملة بالدولار واخرجت قيادات طالبان من السجون حيث كان بعضهم محكوماً بالاعدام (مثل زعيمهم برادر) واخذتهم الى معسكر مفتوح في الدوحة يشمل الجاكوزي والساونا وتدريب خاص تحت عنوان " كيف تكون متطرفا وتظهر للناس انك كوول" فهل تنجح طالبان بتنفيذ هذا التدريب بعد فشل اخوان مصر في ذلك؟"
يبدو على الاقل ان طالبان نجحت في اثبات ذلك لامريكا بعد اخذها لزمام قتال "داعش خرسان" منذ ان اوكلتها امريكا وقطر بهذه المهمة في عام ٢٠١٧ لكن الفشل الامريكي الطالباني بدا واضحاً بشكل اكبر بعد تفجير محيط مطار كابول لان المؤشرات جميعها كانت تشي باحتمالية كبيرة لوقوع هجوم "لداعش خرسان" بعد ان تجمع كافة خصومها من قوات اجنبية وقوات طالبان والعاملين السابقين مع القوات الاجنبية في ساحة واحدة منذ اليوم الاول.
ولان امريكا تقتنع بالافكار الساذجة التي تتوافق مع اهداف حروبها العبثية التي تطلقها لترويج نموذجها الديمقراطي بشعارات طائفية دموية اقتنعت بجدية طالبان في تحولها الى الفكر المعتدل من جهة وقدرتها على السيطرة الميدانية من جهة اخرى، فلم تقم امريكا بقياس المتسرب من الاجهزة الامنية سابقا وطالبان حالياً نحو داعش ويعود اسباب تحول المقاتلين من طالبان نحو داعش هو اعلان طالبان مجموعة من المواقف الحديثة فيما يخص المراة والتعليم والإعلام واحتواء الحركات الجهادية على ارضها.
وعلى ما يبدو ايضاً بعد تفجير مطار كابول ان "داعش خرسان" كانت تسعى لإيصال رسالة واحدة للمجتمع الدولي وهي انهم من يقود الضربات ضد القوات الاجنبية. وبيدهم قرار وقف او استمرار الحرب على الاراضي الافغانية وما حولها من حدود.

يتبع الجزء الثاني ماذا حدث في افغانستان؟ كيف يصطف العالم الان (2)

كاتب وباحث أردني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه