الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتجاه الاسلوبي والتكثيف الدلالي في (ليتها لا تنطفئ) للشاعرة اسماء حسن الحميداوي.

طالب عمران المعموري

2021 / 9 / 29
الادب والفن


لعل اهم خاصية قامت عليها الاسلوبية هي بحثها الدائم عما يتميز الكلام الفني عن غيره من اصناف الخطاب، فطرائق التعبير واوجه الابداع تعددت وتنوعت ، ولأن الشاعر دائم البحث عن صيغ جديدة وتقنيات اكثر جدة للتعبير عن خصوصياته ورؤاه المتفردة الخاصة ، وهو ما يتيح له الانفلات من قيد القوالب الكلاسيكية..
بين يدي مجموعة شعرية بعنوان (ليتها لا تنطفئ)، نصوص اسماء حسن الحميداوي،ط1 الصادرة عن دار وتريات العراق للنشر والتوزيع، بابل ،2021 .

ونظرا لكفاءة العنوان في استدراج المتلقي من جهة وحمولته الدلالية المتنوعة ، كون العنوان "علامة" "ترسم حدود العلاقة بين النص وعنوانه وفقاً لوظيفة احالية لا يعني افتقاد العنوان لاستقلاله الذاتي"1
فقد لفت انتباهي كقارئ عنونة المجموعة ( ليتها لا تنطفئ) لان " بنية العنوان دائما ما تمتلك القدرة على الحكم الجمالي على النص، اذ تشبه القطرة التي تلخص كل صفات المحيط والشجرة التي تختزن جميع صفات الغابة" 2
بما جاء من لغة شعرية وكفاءته في استدراج المتلقي من جهة وحمولته الدلالية من جهة ثانية واهمية العنوان في "عملية التلقي لأنها ستنصب اول ما تنصب على العنوان "3 فهو ما يقرب المتلقي ، قراءة النص فيقبل عليه او يصد فيدبر.
فقد أولت الدراسات النقدية الأدبية المعاصرة أهمية بالغة لدراسة العنوان بما له من مكانة متميزة في الاعمال الادبية باعتبارها عتبة لها علاقات جمالية ووظيفية مع النص
(ليتها لا تنطفئ) ،(ليت) حرف مشبه بالفعل من ادوات التمني في اللغة العربية وتستخدم عند تقديم معنى التمني الذي يصعب تحقيقه او ما كان مستحيلا كما في" ليت الشباب يعود يوما"
ومن عتباتها الاخرى ومناصاتها "الاهداء " وهي واحدة من المتعاليات النصية التي تندرج تحتها بالإضافة الى العنوان والعنونة الداخلية والفهارس ، وفق طروحات التي قدمها الناقد الفرنسي جيرار جينيت للعتبات النصية ، جاء اهداء الشاعرة الى امها وبلغة شعرية:
الى أمي الغالية....
يكفيني أنك كنت
تسميني النور
كلما الج عليك
أرى أبواب الجنان
مفتحة...!
واليوم أمسي
بعد فقدك
في جوى
الروح سجين!
وتعبر الشاعرة عن حبها وحالة الفقد التي تعيش اثر فقدانها لامها كالطفل الذي ضاع في لجة الزحام ، نرى ذلك جليا في نصها على ظهر غلاف المجموعة من نصها (وجه أمي):
كل الوجوه الخلق تتلاشى!4
الا وجه أمي
ينبض من خلف
الظلام
يضيء من حولي
تراتيل ذكرى
وصوت شجي
ويبقى العالم اخرس
وصوت تهجدها
على سجادة خضراء
يملأ كل مكان
ذاك اللهاث يتعبني
ويسرق آخر نبض لي
وأنا كطفل
اضاع امه
في لجام الزحام..

ولكن قبل ان نسبر اغوار النصوص لابد من ان نضع اقدامنا على مداخل النصوص وعتباتها ، نصوص المجموعة الشعرية تتنوع عتباتها العنوانيه بين الذاتي تجاه ذات الشاعرة وموضوعي تجاه الاخرين ،الا انها ذات مناخ شعري واحد يكاد يهيمن على تجربة قصائدها مناخ الحزن والوحدة والفقد واوجاع الوطن ..
(احتراق القصيدة ،حروف عارية ، نشوة الاقتراب ،أمسية صاخبة، كحل الحكاية ،همسات شتوية، رائحة الاوطان ،قصيدة يانعة، قصائد حبلى ،،مشاكسة قهوتي، ليلة ساخنة ،أحلام حبلى ،افئدة الارصفة، أحلام عطشى، يقين صائل، عكاز الاحلام، عيون قانطة، ذاتي المعذبة، مساء شاغر، وجوه عبرة، رماد العيون، مرايا عقيمة، فتيل امنية، رائحة الطفولة، ليلة ساخنة ، محطات ماكرة ،احلام خافرة،
استهلت نصوصها بعنونة (احتراق القصيدة ) والتي تشكل مفارقة وثنائية ضدية مع عنوان المجموعة (ليتها لا تنطفئ) احتراق / تنطفئ :
كنت أفتش 5
بين المرايا
عن صورتك التي
أتلاشى حنينها
كنت أرسمك
ظل شجرة
ونخلة باسقة على
ضفة النهر
كنت أراقب
الظل
هناك....!
بين حانات الأثاث
القديمة
ودخان (الأمركيلة)
ومسبحة شيخٍ
كبيرٍ بعمر
أبي
يعتلي دكةَ
قهوةٍ أثريةٍ
أشمُّ روائحَ
أحاديثهِ
المعتقة بعطرٍ
أصيلٍ يشبه
دخان سجائره
وأنا أعبرُ
الارصفة الحائرة
باغتني التيه
أتأبط دفاتري
وخلف ظلي
تحترق القصيدة!

انطلقت الشاعرة في تأسيس عالم نصوصها الحداثية ، بمحاكاة الواقع الخارجي من حيث هو واقع بصري الى صياغة هذا الواقع صياغة جديدة وبأسلوب يتراوح بين الثبوت والانزياح ومدى اسهاماتها في تشكيل الجو الشعري، وطبيعة الصورة وخصائصها في نصوصها النثرية التي اتسمت بالطابع الحركي للصورة التي تلعب الافعال دورا اساسيا في تحقيقها، بما ينطوي عليها من قوة ، ومن خلال تراكم الافعال وتتاليها في معظم نصوصها كما في نصها: (نشوة الاقتراب) ص8
يشبه/يعشعش/ يفترش/يمكث/يسدل/ تنوح/ تطاردني/قطعت/ باتت/تعزف/تكسر/
وفي نصها: (كحل الحكاية)ص11
أرسم/أخبر/أقّبل/أراقص/تأكل/أبدو/تخشى/ يلتهم/تتدفق/تمطر/

لمست الارتباط الوثيق في شعرية (اسماء الحميداوي) بين العاطفة من جهة واللغة والاسلوب من جهة اخرى تستعين بها الشاعرة لتوصيل تجربتها الشعرية وما لاحظته في الحقول الدلالية في نصوصها ، الانسان الحلم، الموت ، الحياة ، الحزن ، الوطن ، الطفولة
نزوع الشاعرة الى لغة الوميض الشعري فلها ومضات جميلة وبلغة شعرية ذات ايحاء وتعبير شفاف شعراً صافياً مسكونا ً بهاجس الابداع والانزياح كما في نصها ص39:
(يقين صائل)
لست مع الريح أبداً...!
لأنها لا تغري
النهر!
ولأن النهر قادمٌ
بلا مجاديف...!
سأشر للشمس
أن أقبلي...!

وكذلك اعتمدت الشاعرة الخصائص الاسلوبية الجمالية التي امتازت بها لغة الانزياح الاستبدالي كالمجاز والاستعارة بما لها من دور مهم بلورة شعرية النص كما في:
كمرايا تحمل زرقة الماء/ شفتاك الناعمتان كحبات التوت شربت منهما/تناغي الظلام كلهفة المطارد يحلم بوطن/ وكأن وجهك داعب الحكايا/ كليلة ساخنة اختنقت بعبرتها/ كمناطيد الاماني/ كعوسجة لا يراقصها عزف ناي حزي/
ومن والظواهر الاسلوبية الجمالية التي امتازت بها الشاعرة والتي اعتمدتها في نصوصها لتوليد ايقاعها منها التكرار في الكلمة او الحرف
كما في نصها (احتراق القصيدة) التكرار في الكلمة(كنت):
كنت أفتش/ كنت أرسمك/ كنت أراقب
والتكرار من الوسائل اللغوية التي يمكن ان تؤدي دورا تعبيرياً مهماً، فقد تكررت كلمة (الحلم ) او ما يرادفها :
ذاك الحلم ص10
هو عطر من
بعض شذاك
واحلاماً أسطورية ص21
تأكل كل الوقت
كعقارب ساعتي

يحلم بوطن ص30

احلام حبلى ص34
احلام عطشى. ص36
عكاز الاحلام ص47
امشط ليل الحلم بمكحلة الاماني ص34
وارسم على شفاه ص71
الحلم زهرة عند كل
صباح..
جبين الحلم ص77
سفر الاحلام ص81
صرت احلم بمظلة ص83
كيلا يستفيق ص104
الحلم..
احلام خافرة ص110

تكرار الحرف ص 100
كالبكاء/ كالنحيب/ كزقزقة العصافير/ كالناسك المتعبد
وعلى هذا النحو للشاعرة لها طريقتها في الكتابة واسلوبها في استخدام الادوات التعبيرية من اجل ايصال رسالتها الى المتلقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا