الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح في العالم العربي وإشكالية التكامل العقلاني للمصالح القومية والدولية - جزء 6

أشواق عباس

2006 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


العالم العربي وإشكاليات النظام الدولي الجديد.
أولاً: الأبعاد القومية والدولية لمشكلات العالم العربي المعاصر.

إنَّ إحدى الإشكاليات الواقعية بالنسبة لقضية تأثير مشكلات العالم العربي على علاقاته الإقليمية والدولية، تقوم في تمايز أنظمته السياسية وصراعها الجزئي والحاد أحياناً من جهة، وحصول أغلبها على شرعيته التاريخية والسياسية من الفكرة القومية العربية من جهة أخرى. فالانتماء إلى العالم العربي والأمة العربية قد اكسب النظم السياسية شرعيتها أمام شعوبها والمحيط الإقليمي والدولي. غير أنَّ تطور الدول والنظم السياسية، والتحولات التي رافقت ذلك، قد كشفت أيضاً عن عجز أغلب، إن لم يكن جميع الأنظمة السياسية، في الحفاظ على السمات العامة للنظام العربي . وهو عجز مرتبط أيضاً بعدم قدرتها على الاستفادة الجدية والمثمرة من الخصائص المشتركة بينها. وفي هذا يكمن أحد المؤشرات الفعلية والمهمة على فقدان أغلبها للشرعية.
وأمام الآثار السلبية التي بدأت تنشأ في بنية الدولة، لاسيما نظامها السياسي نتيجة فقدانه، ولو بدرجات مختلفة، لشرعيته الداخلية والخارجية، ظهر الضعف والعجز الواضح في قدرة الدولة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، سواء على مستوى النظام العربي العام أو الدول المنفردة. وهو ما شكل المقدمة التي انطلقت منها واستغلتها القوى الدولية الكبرى في فرض مشاريعها الحديثة تحت عنوان الإصلاح، وضرورة إصلاح الأنظمة السياسية العربية .
إنَّ دراسة ظاهرة فرض مختلف أنواع الصيغ والمشاريع الإصلاحية التي يجري بلورة معالمها خارج العالم العربي لفرضها عليه، وعلى أنظمته السياسية وشعوبه، يحتم العودة إلى إشكالية (قضية) الشرعية للنظم العربية (رغم أنه تم التطرق لهذا الموضوع سابقاً) ، من خلال دراسة تأثير هذه الأزمة على علاقة الدولة بالدوائر المحيطة بها إقليمياً ودولياً. وهو الأمر الذي سيسمح لاحقاً بالتحليل الموضوعي لمستقبل الأنظمة العربية، وآلية تطور علاقاتها الإقليمية والدولية. إضافةً إلى البحث المنطقي في موضوع الإصلاح لاسيّما السياسي منه، بعيداً عن الطروحات الخالية من أية برامج موضوعية.
تمت الإشارة سابقاً إلى أنَّ فكرة الشرعية تتلخص في سيادة قبول عام في محيط المحكومين بأهلية الحاكم، وأحقيته في أن يمارس السلطة، حتى وإن لم يرض المحكومون دائماً عن سياساته أو قراراته. وعلى الرغم من أنَّ نشوء هذه الفكرة كان في إطار تقييم النظم السياسية الداخلية، لكنها امتدت لاحقاً إلى الإقليمية منها والدولية. لتؤسس للنظرية التي تقول بأنَّ مستقبل أي نظام سياسي واستقراره، ومن ثم مستقبل الإطار الإقليمي الخاص به، والدولي الموجود فيه، مرتبط بتحقق شرطين أساسيين هما الشرعية والفعالية .
فيما يتعلق بالأول: يختلف مفهوم الشرعية ضمن سياق العلاقات الدولية عما هو متعارف عليه في النظام الداخلي. والسبب في ذلك أنّه يعبّر في صيغته الإقليمية عن المدى الذي يذهب إليه أعضاء النظام في شعورهم بالانتماء إليه، واستعداداهم للتضحية في سبيل حماية مضمونه وقيمه ورموزه وحيويته. وقوة الانتماء هذه تتولد من الرضا العام السائد بشكل النظام ومفاهيمه، ومن قدرة النظام ككل على تدعيم هذا الانتماء، والمحافظة على ولاء أطرافه، وإصراره على عدم السماح لعضو أو لعدد منهم بالإخلال بقواعد السلوك العامة، والمبادئ التي يقوم عليها. والشرعية وفقاً لهذا المفهوم تنهار حين يسيطر طرف واحد على تفاعلات النظام، وعلى المبادئ الأساسية التي قام عليها . وكذلك في حال ازدياد قوة حلف من الأحلاف إلى درجة تهدد أنماط التفاعلات، وتضر بالإمكانيات الكلية وبمصالح الأعضاء أو الأحلاف الأخرى.
أما الشرط الثاني، فإنَّ الفاعلية التي تمتعت بها الأنظمة العربية استندت أساساً إلى درجة كبيرة من الشرعية القومية. وهو ما أثبته تجاوزها للكثير من الأزمات التي تخللت مراحل نشوئها وتطورها الأولى. حيث تمكنت بفضلها أن تحتفظ بقواعد عملها وأهدافها العامة، على الرغم من المحاولات المتعددة التي ظهرت من قبل بعض الأطراف العربية أو الدولية كسلوك سياسة المراجعة السياسية. ومحاولة تغيير أنماط التفاعلات بالتوسع أو بالتدخل المباشر على حساب الأطراف الأخرى، أو تغيير معادلات الإمكانيات السياسية والاقتصادية وموازنتها. أو عمل القوى الخارجية على التغلغل في شبكة التفاعلات العربية وربطها بالتفاعلات الخارجية. وهو ما ظهر من خلال استخدام بعض أعضاء النظام القوة العسكرية لتنفيذ أغراضها، أو استخدام أطراف خارجية لأساليب الاحتلال المباشر.
لكن السؤال الذي يبرز هنا هو: إلى أي مدى استفادت الأنظمة السياسية العربية من النظام العربي بما يكفل استمرارها وطبيعة علاقاتها الخارجية؟. أم أنَّ سلوكها السياسي سيظل محكوماً بأزماتها الداخلية بما في ذلك علاقاتها بمحيطها؟.
إنّّ اعتماد مفهوم النظام العربي وتأكيد طابعه القومي فيما يتعلق بالانتماء إليه، وحدوده، وعمله الداخلي، إنّما يعني أنّه نظام قومي مقفل . أي أنَّ دول الجوار لا يجوز لها أن تصبح أعضاء فيه، أو أن يكون لها أسبقية في تفاعله الداخلي. كما أنَّ منطق المصالح القومية يفترض أنّ التفاعل مع أية دولة أو قوة خارجية، لاسيما دول الجوار المهمة، هو تفاعل من منطلق قومي، بمعنى الالتزام بالمصالح القومية العليا. نجد أنَّ النظام العربي هو نظام مفتوح مع النظم الإقليمية الأخرى، لأنّه بحكم فلسفته وتراثه لا يمكن أن تكون عقيدته عنصرية. وتبعاً لذلك لا يستطيع أن يعزل نفسه سياسياً أو اقتصادياً. وبحكم الديانة فهو يرتبط ارتباطاً وثيقاًً بالعالم الإسلامي، فضلاً عن كون الإسلام من أهم ركائز القومية العربية. وبسبب هذين المكونين: الانغلاق القومي للنظام وانفتاحه الدولي، كانت وما تزال خطورة هذا التناقض تفعل فعلها. ومن هنا تجلت خطورة القومية العربية . وهو تناقض محكوم بطبيعة العلاقة القائمة قي القوة التي يولدها الانتماء القومي من جهة، وخضوعه للإرادة الدولية من جهة ثانية. لذلك تركزت سياسات الدول الكبرى على وضع الخطط والأساليب لمواجهة التيار القومي، سواء عبر احتوائه أو ضربه، أو عن طريق الانقلابات وإثارة النزاعات المحلية، والنعرات الطائفية، والحروب الأهلية، وإفشال خطط التنمية. هذه الآليات كانت تختلف بين فترة وأخرى تبعاً للظروف الدولية، وشدة التهديد لمصالحها. إضافة لذلك إنَّ منطق النظام العربي أفرز مبادئ للسلوك السياسي، لعل في مقدمتها هو مبدأ الشرعية القومية للعمل السياسي. وهو مبدأ ارتبطت به جملة من القيم السـياسية تتعلق بالصراع العربي– الإسرائيلي، والاسـتقلال القومي، وعدم الانحياز، والتنمية المستقلة، والأمن، والوحدة.
ومن الجدير بالذكر أنَّ السياسة الاستعمارية اعترفت صراحة بالإطار القومي للنظام العربي، وحاولت إجهاضه. وحين فشلت عملت على تحجيمه، ثم عمدت إلى استخدام مفاهيم جيوبوليتيكية متعددة تُجنبها التسليم بالمحتوى القومي العربي للنظام العربي. ولابد من التنويه هنا إلى أنَّ النظام العربي منذ البداية كان يتميز بكثافة حجم التدخـل الخارجـي. ولـذلك كان من الطبيعي أن يحدث ويتكرر الاصطـدام مع الإيديولوجيا التي تولد الطاقة اللازمة لتماسك النظام وحركته، وتوجـه قدرته للتصدي للأخطار الخارجية. وخصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار ضعف الإمكانيات العربية مقارنةً بإمكانيات أطراف التدخل الأجنبي.
لقد دفعت هذه الوضعية بعض المحللين والباحثين إلى طرح عدد من الأسئلة، وفي مقدمتها: هل يمكن القول أنَّ القومية العربية مغلقة ؟، وما هي علاقة النظام العربي بالنظم الإقليمية الأخرى، لاسيما الواقعة ضمن الدائرة الإسلامية، وبالنظام الشرق أوسطي؟، وهل من صراع أو تكامل بين هذه النظم المتجاورة والمتباينة؟. لاسيّما وأنّه لا أدل على عنف الصدام الذي يعيشه هذا النظام من انعكاسه على حركة القومية العربية ورموزها ورجالها. فالنظر إلى أدبيات السياسة العربية المعاصرة يُوضح أنَّ دوائر حركة القومية العربية نفسها باتت تناقش وضعها الراهن، مُستخدمَةً مصطلحات مثل: (انعدام الوزن، التهميش، المأزق، الأزمة، الكارثة). حتى أنّه كثيراً ما يتم الإشارة إلى أنّها تجتاز مرحلة من مراحل تطورها السياسي يُعبّر عنها بالمرحلة الانتقالية، تواجه في غضونها مختلف أزمات التنمية السياسية . وهي مرحلة متناقضة من حيث مقدماتها ومكوناتها وأساليبها، إلا أنّها تبقى الصيغة الواقعية التي يواجهها العالم العربي.
فمن المعلوم أنَّ جامعة الدول العربية، بوصفها ممثلة النظام العربي، قد نشأت بعد الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1969، ظهر نظام أوسع منها نسبياً، ألا وهو منظمة المؤتمر الإسلامي. من هنا كانت كل المشاريع التي عملت على احتواء العالم العربي تستهدف إما دائرته القومية، أو الإسلامية، أو كليهما.
ولعل مشروع "الشرق الأوسط الكبير" هو أكثرها دلالة، وذلك لاستهدافه البعدين العربي والإسلامي من خلال طرحه كبديلاً عنهما . فالمقصود بالنظام العربي، هو النظام الإقليمي للوطن العربي، وأعضاؤه الدول العربية، وإطاره جامعة الدول العربية. وإذا كان من المعلوم أنَّ الكثير من الدول العربية ظهرت نتيجة قيام القوى الخارجية بتقسيم الوطن العربي ضمن حدود سياسية لم يعرفها مسبقاً، لهذا نرى تبايناً واسعاً فيما بينها بالمساحة والإمكانيات، إضافة إلى إقامة كيان غريب عليها هو "إسرائيل" عام 1948. وعندما نأخذ أيضاً بنظر الاعتبار عوامل الثروة النفطية، والموقع الاستراتيجي، والعوامل الاجتماعية، فإنّنا نقف أمام ظاهرة متناقضة من حيث مقدماتها ونتائجها.
فجميع هذه الدول المقسّمة تنزع بحكم أصلها إلى الاكتمال، لكنها في الوقت نفسه كانت محكومة بقيود القوالب التي نشأت فيها. وبينما استطاع البعض أن يوطن نفسه ويتعود عليها، بقي الأخر موزعاً بين النزوع للتكامل وواقع التجزئة . ذلك يعني أن العلاقات بين هذه الدول ستتأثر بهذا النزوع إلى الاكتمال والتوحد، والانغلاق ضمن القوالب "المصطنعة" للدولة القطرية.
لقد قام النظام العربي، حين تأسس، على أربعة أركان كانت بمثابة قواعده الثابتة. الركن الأول: هو انتماء أعضائه إلى العروبة، وتبنيهم أهداف الأمة باعتبارها الإطار المرجعي. أما الثاني: فهو توافق الأعضاء على الالتزام بمواثيق وقعوا عليها تنظم عمل الدول، ويقوم الركن الثالث على تعاهد الأعضاء على العمل معاً لدفع أخطار الغزو الصهيوني، والعمل على تحرير فلسطين. بينما يُحدد الركن الرابع الدور الخاص لكل عضو وفقاً لوزنه، وبالشكل الذي يتكامل مع بقية الأدوار. وهي الأركان التي لم تتكامل في رؤية عملية وصيغة استراتيجية واضحة المعالم وملزمة للجميع. لكنها شكّلت مع ذلك الإطار العام لمواجهة العالم العربي لإشكاليات النظام الدولي الجديد وتحدياته في مختلف الميادين، وبالأخص ضمن إطار العلاقات الدولية الجديدة.

يتبع .....................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24