الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طالبان : ارهابنا الذي صدرناه - الجزء السادس : حفريات

اسماعيل شاكر الرفاعي

2021 / 9 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


طالبان : ارهابنا الذي صدرناه

الجزء السادس
حفريات

16 -

الامام المستور ، اللامرئي ، الذي يتحرك في منطقة محجوبة هي الاخرى عن الرؤية ، هو صاحب الحق الشرعي في ان يسوس الناس ، كما يقول دعاته الفاطميين ، وانه البديل المنتظر للخليفة الحاكم في بغداد . انه صاحب الزمان الذي سيخرج الى الناس في وقت معلوم ويقودهم ، فتتحقق على يدي الدولة التي سيبنيها معاني العدالة والحق ، وسيستعيد الناس فيها كرامتهم التي هدرتها الخلافة . ان دولته هي دولة الله التي ستتقوض على يديها كل أشكال الدول ، ولن تقوم بعدها قائمة لأية دولة . انها الدولة الاخيرة في التاريخ التي سيعم نورها الجهات الاربع ، وسيتعايش فيها الناس : أبيضهم واسودهم وأصفرهم كما لو كانوا اخوة من اب واحد وأم واحدة . ( هل يذكرنا هذا الكلام بنظرية " فوكوياما " عن نهاية التاريخ والانسان الاخير ؟ ) هذا ما كان يقوله دعاة الدعوة الفاطمية لمستمعيهم ، حاثين اياهم على مبايعة الأمام المحجوب ونقض بيعة الخليفة العباسي المكشوف والموجود فعلاً في بغداد ، كما لو ان الدعاة كانوا يريدون القول للناس ان حواسكم تخونكم ولا تنقل اليكم حقيقة هذا العالم الذي نعيشه : انه عالم زائل ، وان العالم الانساني الحقيقي يعيش وراء الظاهر والملموس ، ووراء الموت ، وان يوم القيامة على الأبواب ، واول ما سيزول من عالمنا هذا ، دولته : هذا الوجود السياسي الذي يسمونه : خلافة . كان هذا جوهر خطاب الدعوة الفاطمية التي ستستبدل حوار الكلمة بحوار السيف مع الخارج ، ما ان يخرج عبيد الله الى الوجود ويعلن انه الامام المستور ، ويباشر بناء دولة ( العدل والحق ) انطلاقاً من تونس الخضراء ...


17 -

قبل ان ينتشر مفهوم : الإمام ، بمعناه الشيعي الذي يشير الى حصر حق إمامة المسلمين وقيادتهم بذرية الامام علي من فاطمة الزهراء . شاع مفهوم آخر قبله هو مفهوم : الغيب . لم يكن العرب قبل الاسلام يدركون معنى : الغيب تمام الإدراك ، كانوا يعرفون : الدهر ، ويتحسسون ثقل الزمن عليهم وعلى حيواناتهم وممتلكاتهم . اما مفهوم الغيب الذي يستبد بالقوة الكونية لوحده ولا يعترف بأي قوة لسواه ، فهم لا يعرفونه ، أو هم لا يريدون تعميق الصلة به ، وعادة ما يضعون بينهم وبينه : اصناماً ، يتوجهون بالدعاء اليها مباشرة اذا ما أراد احدهم طلب العون من الله ( يضم مفهوم الغيب الى جانب الله ، كل ما هو فاعل ولكن غير مرئي ممن ورد ذكره في القرآن كأبليس وشياطينه والملائكة والجن ، وكل شيء ينفذ مشيئة الله ويفاجئ البشر : كالعواصف والبراكين والفيضانات والتصحر وهبوب الرمال ، وحبس الأمطار ) وحين ازال النبي هذه الأصنام ، ازال معها غموض مفهوم الغيب ، وجعله واضح الدلالة ، وهو يعلنه مصدراً لما يتلقاه من وحي . ووحي محمد يختلف عن وحي الكهنة والشعراء والممسوسين الذين لا يسعون الى إلزام الناس بأفكارهم ، ولا يودون القيام بتنظيم معتقداتهم وطقوسهم . ان وحي محمد يتضمن رسالة تطلب من الناس القبول بمعتقداتها وعباداتها . انها رسالة إلزام : لا بد للناس من الالتزام بما تتضمنه من معتقدات وعبادات ، وهي تخير الناس بين القبول بالوحي او شمولهم بغضبه . لقد انكشف معنى" الغيب " للناس الذين يحمل اليهم محمد سوره وآياته : انه القوة التي تنفخ الحياة في كل شئ ، والقادرة على ايجاد ( ابداع ) أي شئ من لا شئ ، انها القوة المالكة لسر الحياة والموت ، ترزق من تشاء وتحرم من الرزق من تشاء ، وان شاءت جعلت الارض معشوشبة غناء ، او تحيلها ، ان شاءت ، الى صحارى جافة وتيارات من التراب والرمال . ولهذه القوة المنفصلة البعيدة التي تسكن السماء ، كما يوحي بذلك تعبير " الوحي " و " الهبوط " ناطق باسمها هو النبي محمد الذي : " لا ينطق عن الهوى " ، والنجاة في الدنيا والآخرة يتحقق بتصديقه . ومن هنا تنبع اهمية النبوة في تاريخ العرب وكذلك في تاريخ المسلمين . لا يستطيع العرب ، وليس من اللائق لهم ، ولا من اخلاقهم ان يتدبروا شؤونهم بأنفسهم ، بعيداً عن مبادئ الدين التي أخبرتهم بها النبوة ، وأوصتهم الالتزام بها . الغيب لا يستطيع ان يتصل بالبشر مباشرة ويلقي عليهم خطاباً عن كيفية تنظيم شؤونهم : دينياً وسياسياً واجتماعياً ، فأناب عن ذلك بايجاد : النبوة ، التي نقل اليها قوته فيما يخص تنظيم حياة البشر على الارض . فالنبي هو مالك قوة الغيب على الارض ، ومن يخلف النبي يرث قوته . لكن النبي حين مات لم يترك لاتباعه دستوراً سياسياً حول من يخلفه ، وكيف يخلفه ، وما النهج الأمثل في ادارة شأن المسلمين العام بل تركها لهم قائلاً : " انتم ادرى بشؤون دنياكم " ، وهو قول غير مضبوط منطقياً ومفتوح على كل التناقضات : اذ لو كان العرب أدرى بترتيب شؤون حياتهم من غير تدخل خارجي ، فلماذا حمل الله محمداً على التدخل بشؤون العرب ، واعادة ترتيب حياتهم على الأسس الجديدة التي جاء بها الاسلام ؟ لقد تركهم محمد من غير ان يوصي بخليفة لهم ، فاختلفوا اختلاف الاطفال وكل منهم يطالب بلعبة الخلافة وإمامة الناس من بعده . وفي هذا يكون النبي قد حاكى ربه الذي احتقر مخلوقاته البشرية مرتين : مرة حين وافق على طلب ابليس بان يستمر بأغواء البشر الى نهاية الحياة وحلول القيامة ، وأخرى حين خلقهم : مجردين من قدرة خلق افعالهم بأنفسهم ، ومن القدرة على صناعة قوانين عيشهم . افعالهم مخلوقة لهم ، وقوانين عيشهم مشتقة مما ارسله لهم من شرائع . وفي هذا تكون السماء قد خلقتهم لغاية ، وانها لأجل هذه الغاية تراقبهم وتحصي انفاسهم ، وان نجاتهم في الآخرة من عذاب النار مرتبطة بطاعة السماء . حياتهم على الارض زائلة ، اذ سيطفئ الله الحياة في يوم معلوم ، مقرر سلفاً ومحفوظ في اللوح المحفوظ . وفقط حين تنطفئ الحياة ، وتذهب الطبيعة بجبالها وبحارها وغاباتها ومجراتها وثقوبها السوداء وملايين كواكبها الى : لا مكان ( لأن القرآن مغرم : بوصف رحيل الأشياء عن أمكنتها في هذا الكون ، وتحولها اثناء هذا الرحيل الكاريكاتوري المضحك ، من غير ان يحفل بإدراج المكان الذي سيضمها بعد تحولها ، فهو لا يصف منتهاها بقدر ما يشير الى تحولها : " حين تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن " طيب ، وأي مكان سيستضيف الصوف المصبوغ الذي تحولت اليه الجبال ؟ ) ينكشف مصير الأنسان : اما مستمتعاً استمتاعاً خالداً بالجنة ، او يعاني معاناة ابدية من حريق النار . فالسماء او الغيب او الله : هو الوجود الحقيقي الذي يعد عالمنا الواقعي الذي نعيش فيه احد تجلياته . لقد قاد الاسلام ثورة كوبرنيكية في الوعي قبل كوبرنيكوس بحوالي 900 سنة ، حين استبدل وجودنا الأرضي الزائل ، بوجود آخر يصفه بأنه : ثابت وغير زائل ، ولكن يحدث بعد الموت . فحقيقة وجودنا لا ترتبط بالحياة التي هي زائلة ومؤقتة وعابرة بل مرتبطة منذ بدء الخلق بالخلود الآخروي الذي لا يزول ولا يحول ، ولكنه الخلود الذي لا يأتي الا بعد الموت : خلود في الجنة او خلود في النار ، وكل من الخلودين يعتمد على اعمالنا في الدنيا : هل هي منسجمة ومتناغمة مع تعليمات الدين وأحكامه أم لا ؟ . واجهت فكرة بعث الأموات وتصنيفهم بين خالدين في الجنة وخالدين في النار ، صعوبةشديدة في تقبلها من مثقفي واحناف وتجار قريش ، اذ : ما الذي يجنيه الناس من أماتتهم غير التسبب بأذى لمشاعر ذويهم وأحبتهم ، وغير إشاعة تصورات مرعبة عن عذاب القبر ، وغير الاستمرار بنسج حكايات الرعب والخوف : من قبل حكواتيي الثقافات الشعبية . وبعد كل عذاب القبور المستمر منذ آلاف السنوات ( اذ لم يتخيل القرآن ان عمر الانسان على الارض يمكن ان يكون ملايين من السنين ، وليس 5 آلاف سنة كما قررت التوراة ) يقوم الله بأحيائهم ، وهو القادر على محاسبتهم في الحياة وإرسالهم بعد المحاكمة الى الجنة كمكافأة او الى النار كعقوبة ، من غير التسبب بأذى لمشاعر الناس وتخريب احاسيسهم بفقدان أحبتهم . لكن التحدي الاكبر الذي يواجه فكرة الخلود بعد الموت ، هو بقاؤها مجرد إخبار ، لم يتعزز بيقين ، اذ ان الحدث الوحيد الذي يجلب معه اليقين : لن بحدث ابداً ، اذ لا إمكانية لعودة بعض الاموات الى الحياة ونقل النبأ المستحيل عن حقيقة وجودنا بعد الموت . وحتى هذا الذي تقوله الكتب الدينية عن معجزات أنبيائها كالمشي فوق الماء وبعث الموتى وعلاج العاهات البشرية : يظل ايضاً مجرد إخبار : يقبل الصدق ويقبل التكذيب ، طالما ظل البرهان غائباً ...


18 -
لم يكتف خلفاء النبي محمد ببناء دولة داخل العربيا عاصمتها : يثرب / المدينة ، بل راحت جيوشهم تتمدد خارجياً ، فبعد حروب الردة مباشرة : زجت الصفوة القريشية الجديدة بقبائل العرب صوب العراق وصوب الشام في آن واحد ، وتمكن قواد الخليفة الثاني : عمر بن الخطاب من إلحاق الهزيمة : ببيزنطة المسيحية وسلخ وتعريب بلاد الشام ، وفعلوا الشيء نفسه بالإمبراطورية الفارسية ، سلخوا العراق وعربوه ، وتوغلوا غرباً ولم يتوقفوا ، حتى أزالوا الامبراطورية الفارسية من الوجود . وخلال ذلك كله لم تشر سيرة النبي محمد الى انه وحد الجزيرة بمعجزة ، فالنبي لم يخرق قوانين الطبيعة والاجتماع يوماً ، ولم يقم بمعجزة طوال حياته ، ( دعك من هذيانات سيرة بن هشام والسيرة الحلبية ، وتمعن من جديد بسور وبآيات القرآن ، وبطبقات بن سعد وكتابات الطبري ، فستجد ان محمداً كان بسيطاً متواضعاً ، وانه كان يتجول في الأسواق ، وقد تكاثر اتباعه بسرعة - بعد الهجرة في يثرب / المدينة - تفوق السرعة التي تكاثروا بها في مكة ، وذلك يعود تحديداً الى امتلاك محمد في يثرب / المدينة : مساحة واسعة من الحرية كانت تتسع باستمرار ، وعباقرة الناس تتفتح مواهبهم حين يمتلكون ذواتهم ويتحررون من ضغط بيئاتهم ، وهو تحرر يختار فيه الموهوب الاداة المناسبة للتغيير . ولم تكن اداة محمد المناسبة للتغيير : السحر ولا التمويه ، بل اختار السيف الذي اثبتت الاحداث انه كان علاجاً ماضياً في تكثير الأتباع ، وفي توفير الغذاء لهم ، في بيئة صحراوية . وكانت تلك هي معجزة محمد الحقيقية . لقد مارست الغزوات والسرايا المحمدية دوراً مزدوجاً : دور الحصول على الغنيمة التي توفر الغذاء لجيشه ، ودور : بث الخوف والرعب من جحافله وفرسانه . اذ ليس سهلاً على القبائل العربية الاعلان عن تخليها عن الاعتقاد بآلهتها ، والتخلي عن التعددية الآلهية والدينية لصالح اله واحد هو : الله ، لو لم يلمسوا تصاعد قوته باستمرار . والحق ان انتصار جيش محمد الصغير على جيش قريش الكبير ، في اول معركة له مع اعدائه ، منح اله محمد هيبة وسط القبائل ، ومنح محمد مصداقية عالية ، اذ تحقق ما كان يحذرهم منه ، فقد أعلن القرآن في آيات متعددة : ان النصر في بدر الكبرى حدث بتدخل من السماء التي أرسلت ملائكة تعدادهم 3000 الى 5000 ملاك ، حاربوا الى جانب المسلمين ضد جيش قريش بقيادة ابو سفيان . لكن في مكة ومحمد لا يملك مساحة الحرية المطلوبة للعباقرة لكي يبدعوا خططاً ويختاروا الاداة المناسبة لتنفيذها ، لم يصل اتباع محمد لأكثر من مائة مؤمن . وفقط حين حاز محمد على مساحة الحرية المطلوبة لتفتح مواهبه واختار أداته المناسبة في حوار محيطه التي هي السيف ، استطاع بنفس الفترة الزمنية التي عاشها نبياً في مكة ان يؤسس في المدينة جيشاً بالآلاف ، جعل من شبه الجزيرة كياناً سياسياً واحداً ، وجبى الضرائب من جميع اطرافها ، وجعله مستعداً لأن يغزو الخارج ويفرض عليه الضرائب نفسها ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم