الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف ايقظت انتفاضة تشرين سبات السنين لدى الجاليات العراقية

كمال يلدو

2021 / 9 / 30
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لم تعد الجاليات العراقية تجمعات صغيرة متناثرة كما كان عهدها في عقدي الستينات والسبعينات، فبعد تلك السنين أضحت تجمعات كبيرة وتوزعت حول العالم لتشكل مجتمعات عراقية مصغرة تعد بمئات الآلاف في بعض الدول. وحتماً مع هذا العدد لابد ان تكون هناك اسباب تكمن خلف هذه الزيادة الكبيرة، ويأتي في مقدمتها هروب الناس من انظمة الاستبداد التي حكمت، والحروب الداخلية والخارجية والارهاب والتجنيد الالزامي وفي بعض الاحيان كان الهدف هو البحث عن حياة افضل بخيار الهجرة، لكن ما جرى بعد العام 2003 حمل في طياته اسبابا جديدة للهجرة كان في مقدمتها الحرب الطائفية واستهداف ابناء المكونات الصغيرة الذين وجدوا أنفسهم بلا حامي بين ليلة وضحاها وصارت تحت رحمة الميليشيات والعصابات التي استشرست بغياب القانون وسيادة الفساد الاداري في العراق.
هذا المشهد ، وتنوع اسباب الهجرة وطول مدتها من قصرها تركت ابعاداً مختلفة في طريقة تفاعل ابناء الجاليات مع احداث العراق الداخلية، فمنهم من اختار الانغماس في الحياة الجديدة ومتطالباتها ومنهم من لم يعد مهتماً او مبالياً، وبقي قسم غير قليل مهتماً بالحياة العراقية ويتطلع الى عراق أفضل من الذي غادره.
مزاج الناس ارتبط كثيرا بطبيعة التغيير الذي انهى الدكتاتورية ونوعية القوى التي اتى بها المحتل وانتهاجها الطائقية التي اضحت سيدة المشهد السياسي مضافاً لها ضعف الدولة ، ناهيك عن التدخل الخارجي الفظ في الشأن الداخلي عالمياً اومن قبل دول الجوار وخاصة ايران، بالترافق مع التشتت والضعف والوهن الذي اصاب الحركة الديمقراطية العراقية و إنحسار حجم تأثيرها في الاحداث، كل هذه الوقائع لم تكن لتمر مرور الكرام على امزجة و واقع الجاليات العراقية التي مازالت تحتفظ بصلات ووشائج عميقة مع الوطن.
لقد كان لانعدام الافق في الاصلاح الموعود دوراً بقتل اي بصيص امل لدى النسبة العظمى من ابناء الجاليات الذين لم يتوانوا عن الافصاح عن يأسهم هذا في احاديثهم او كتاباتهم او حتى مستوى اهتمامهم بالعراق الذي تراجع كثيرا ، حتى ان البعض صار يقول "إن الشعب العراقي راض بالوضع" وقسم اتهم العراقيين بأنهم" جبناء" او " خانعين" وإنهم " يستحقون هذا النظام " لأنهم يعودوا وينتخبوهم في كل دورة انتخابية!
نعم هذه الصور كانت شائعةجدا حتى يوم 1 تشرين اول 2019 ، حينما استفاق العراق ومعه الجاليات في الخارج على حركة جماهيرية غير مسبوقة بحجمها شملت بغداد وعدة محافظات عراقية تطالب بكل صراحة، بإسقاط العمليةالسياسية وأحزابها، وتنادي بمحاسبة السراق واسترجاع الاموال المنهوبة،وتدعوا لحل البرلمان وإقامة نظام انتقالي تقوده نخبة عراقية لا نتتمي لاحزاب السلطة.
إن هذه الجرأة والوضوح بالطرح ، ونوع المشاركة الشبابية وروح الفداء والتحدي التي تميزت بها انتفاضة تشرين والصور التضامنية الرائعة التي سطرتها الجماهير وسواق (التك تك) في ساحة التحرير وسوح البطولة في المحافظات المنتفضة والمشاركة المشرفة للمرأة العراقية والطلبة، ليس في ايامها الاولى فقط ، بل حتى بعد مرور أشهراً عصيبة وصعبة وسقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى كان كفيلا بأيقاظ الروح الوطنية العراقية من جديد ، قد دفع نسبة عالية من ابناء الجاليات أن يعيدوا حساباتهم وموقفهم من الشعب العراقي اولا ومن شبابه ثانيا ومن فكرة التغير ثالثا، إذا انهم تفاجئوا بالوعي العالي والتزام الانتفاضة بالسلمية وبمطالبها رغم محاولات العصابات الحاكمة شيطنتها او جرها للمصادمة ، واصطفوا بكل ثقة خلف شعار الانتفاضة: نريد وطن!
نعم . هذه الروح الجهادية ايقظت مجاميع هائلة من العراقين بعد ان كانوا قد دخلوا في سبات عميق وتمكن اليأس من الكثير منهم ، ففتحت امامهم فرصاً لامكانية التغير ، وعلى ضوء ذلك جاءت ردود الافعال متنوعة ومتوازية بحجم ما كان يجري في ساحة التحرير وشقيقاتها من سوح الحرية والتظاهر الأخرى، فظهرت كتابات التضامن وانطلقت التظاهرات والتجمعات التضامنية حول العالم و أُنشدت القصائد الشعرية والاغاني وحتى التبرعات العينية والمادية، لابل ان الكثير من ابناء الجاليات، سافروا للعراق لغرض المشاركة الفعلية بالانتفاضة في ساحة التحرير أو باقي السوح الثائرة .
مضت أشهر الانتفاضة التي اصطبغت بالدم والاغتيالات والخطف، فكشفت بالملموس معدن الاجرام المتغلغل في القوى القابضة على السلطة وحجم خسة دول الجوار والدول الاوربية وامريكا والامم المتحدة والمنظمات المعنية بحقوق الانسان، التي التزمت الصمت المريب والمعيب تجاه ماجرى بحق المتظاهرين وأهاليهم، ولم تقدم على ادانة نظام القتلة في المنطقة الخضراء، أما الصدفة اللعينة فقد كانت بالمرصاد للثوار ، إذ حدث وباء كورونا ، فتوقفت كل الفعاليات بفعل الخوف من انتشار الوباء وقيام السلطات والميليشيات بإستهادف سوح التظاهر وحرق خيمهم بدعوى الحفاظ عليهم من الوباء، فيما كانت كل المعطيات تشير الى حجم الخوف والهلع والاضطراب الذي اصاب الاحزاب الحاكمة من فقدان سيطرتهم على الشارع وبالتالي سقوطهم المدوي على أيدي التشرينيين .
صحيح إن الانتفاضة بحجمها الذي انطلق قد تراجعت، لكن كل مقومات قيامها من جديد قائمة وحتى اللحظة ، وهذا الامر يعرفه المتظاهرين واحزاب السلطة، وكل ما ينتظروه الآن هي الشرارة، وهذه قادمة لا محالة! فقتلة المتظاهرين لم يقدموا للعدالة رغم سقوط رمزهم عادل عبد المهدي، والفساد والتزوير وسرقة المال العام والبطالة وضعف الخدمات من كهرباء وماء مازال كما هو وأسوء ، اما التدخلات الخارجية السافرة وخاصة عملاء ايران فإنها تضيف للانتفاضة وقودا تستمده من أصالتها العراقية وأستقلالية قرارها .
الجاليات العراقية، وعقب (البروفة) في 1 تشرين 2019، وبعد أن شهدت بإم عينها حجم الخزين الثوري الهائل والكامن في الشعب العراقي والذي يشبه ، الدخان الذي يخرج من قمّة الجبل معلناً قرب انفجار البركان، مازالت تتطلع مثل أغلبية الشعب العراقي الى التغير الشامل وإقامة نظام ديمقراطي عادل يضمن الحياة الحرة والكريمة للعراقيين ويمنحهم أملا بالحياة والتقدم الذي يستحقه شباب العراق.
1 تشرين أول -2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ