الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الثقافة العربية المعاصرة بين الحداثة و التحديث ( 4 )

آدم الحسن

2021 / 9 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


تدفقتْ على الثقافة العربية منذ بدايات القرن الماضي و لحد الآن عدة مجموعات من المصطلحات القادمة من الغرب حيث وجدت العديد منها محل لها في قاموس المثقفين الحداثيين العرب , من بين تلك المجموعات :
اولا : مجموعة المصطلحات الثقافية التي اجتاحت الساحة الثقافية العربية بعد الحرب العالمية الثانية و خلال الحرب الباردة بين المعسكرين , الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق , و لإعطاء صورة مبسطة لطبيعة هذه المجموعة من المصطلحات يمكن تناول بعض مفرداتها بشكل سريع و مختصر :
ديكتاتورية البروليتارية : تلقفتْ عقول المثقفين اليساريين الحداثيين في بلدان الشرق و منها البلدان العربية هذا المصطلح و وضعوه في الخانة الأولى من اهتماماتهم الفكرية ليكون مدخلا لشرح طبيعة النظام الذي يسعون لتشكيله , و رغم انه نهج غير قابل للتطبيق في المجتمعات الغير صناعية لعدم وجود طبقة بروليتارية بالحجم و القوة الكافية لفرض ديكتاتوريتها إلا أن الحداثيين اليساريين اصروا على اتباعه كمنهج ثوري مقلدين لما هو مطروح في ساحة السياسيين اليساريين في بلدان الغرب التي انشأت هذا المصطلح .
لم يتخلى الحداثيون اليساريون العرب عن اعتماد مصطلح ديكتاتورية البروليتارية و بقى في قاموسهم السياسي حتى تخلى الغرب عنه فاتبعوا الغرب مرة اخرى و تخلوا هم عنه ايضا .
الإمبريالية : و هو مصطلح للتعبير عن امبراطورية رأس المال العالمي و التي تتشكل من توحد الطبقات الرأسمالية في البلدان كافة , على افتراض أن مصالحهم مشتركة , فأعتمد الحداثيون في البلدان العربية هذا المصطلح و صاروا يرجموه في طروحاتهم الثقافية و خطبهم السياسية كما يرجم الشيطان .
يا عمال العالم اتحدوا : رغم انه ليس مصطلح و انما دعوة اطلقها الفكر اليساري في الغرب للعمال في العالم للتوحد على افتراض أن هنالك مصير واحد و مصلحة مشتركة لجميع عمال العالم و أن عدو العمال في كل بلدان العالم هو واحد و هو الإمبريالية , فأعتمد بعض الحداثيين اليساريين في البلدان العربية هذا الشعار و اعتبروه رمزا لنضالهم الثوري , و رغم ان كل الدلائل كانت تشير الى عدم وجود مصلحة طبقية مشتركة للعمال في العالم و ان المصالح الاقتصادية بين الأمم هي متناقضة و أن هنالك مصلحة مشتركة لكافة طبقات البلد الواحد للنمو و التطور و التنمية لغرض منافسة البلدان الأخرى و مع ذلك استمر البعض من هؤلاء الحداثيين اليساريين بالتشبث بهذا الشعار ليومنا هذا ... !
ثانيا : مجموعة المصطلحات الثقافية التي اجتاحت فكر المثقف العربي و التي بدأ تدفقها على الساحة الثقافية العربية مع انهيار المعسكر الاشتراكي و تفكك الاتحاد السوفيتي حيث امتازت هذه المرحلة بالهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ليس على ثقافة الشرق فحسب و انما على تحديد مصيره ايضا .
و لتسليط الضوء على هذا الغزو الثقافي الغربي لابد من تناول بعض المفردات الأساسية لهذه المجموعة و خصوصا تلك المصطلحات التي انغرست في عقول الحداثيون و لم يسلم منها بعض التحديثيين ايضا :
الشرعية الدولية : بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق و تحول العالم الى عالم احادي القطبية الذي اصبحت فيه امريكا هي الموجه لقرارات الأمم المتحدة شاع استخدام مصطلح الشرعية الدولية من قبل الحداثيين , الغريب هو أن الحداثيين المبهورين بالغرب الذي تقوده أمريكا اعجبهم كثيرا استخدام مفردة الشرعية و كأن امريكا هي من تقرر ما هو شرعي و ما هو غير شرعي ....!
الليبرالية : تشكلت مفردة الليبرالية في الغرب عبر عدة قرون حيث حملت معاني كثيرة لها علاقة بالحريات الشخصية و الحقوق المدنية كحرية التعبير و الحرية الدينية و حرية النشر و الصحافة و غيرها من الحريات و قد رافق تطور مفهوم الليبرالية في الغرب سقوط الأنظمة الإقطاعية التي كانت متحالفة في الكثير من الأحيان مع الكنيسة و صعود رأسمالية القطاع الخاص الذي كان بحاجة الى اشكال معينة من الحريات المرتبطة باقتصاد السوق الحر و قوانينه لذلك صار لليبرالية في الغرب فلسفتها السياسية و اطارها العام الذي يعتمد على قدسية الملكية الخاصة .
و حين وصل مفهوم اللبرالية الغربي الى الشرق تلقفه الحداثيون العرب و صاروا من اشد المدافعين عنه دون تناول التفاصيل في حين أن لكل فقرة من فقرات الليبرالية الغربية اركان قد تتعارض و متطلبات الواقع العربي و مستلزمات تطوره الطبيعي فمثلا هنالك تعارض بين قدسية الملكية الفردية و متطلبات التنمية في هذه البلدان و كذلك بالنسبة للحريات الشخصية حيث جاءت على شكل قوالب جاهزة بعضها لا يتناسب و المرحلة التي تعيشها مجتمعات هذه الدول لذا فأن استخدام الليبرالية كمصطلح عام لا يتوافق و التدرج الطبيعي في تطور البنية الاجتماعية للبلدان العربية و قد يكون من الأفضل التخلي عن هذا المصطلح و تناول موضوع الحريات و الحقوق كحقوق الأنسان و حقوق المرأة و غيرها بشكل منفصل و دون دمجها في مصطلح واحد هو الليبرالية .
لا شك أن الهيمنة الأمريكية على العالم قد بدأت في التراجع و أن العالم أخذ يتحول بشكل تدريجي من عالم احادي القطبية الى عالم يمتاز بتعدد القطبية و مؤشرات ذلك اصبحت واضحة و اهمها :
** استعادة روسيا الاتحادية لشيء من قوتها و نفوذها على الساحة الدولية .
** صعود الصين كقوة اقتصادية و علمية و تكنولوجية كبرى في العالم .
** سعي الاتحاد الأوربي ليكون قراره مستقلا عن الهيمنة الأمريكية و أن يكون لهذا الاتحاد استقلاله الاستراتيجي المعزز بقوة عسكرية موحدة تتشكل من جيوش دول الاتحاد بمعزل عن الإرادة الأمريكية .
** المساعي التي بدأت تنطلق لتشكيل اتحاد لدول امريكية اللاتينية على غرار الاتحاد الأوربي و التي وجدت قبولا واسعا لدى العديد من دول امريكا اللاتينية و خصوصا الدول الكبيرة منها كالمكسيك و البرازيل و الأرجنتين .
هذه الأمور و غيرها جعلت السيطرة الأمريكية على مصير شعوب دول العالم الأخرى تتراجع لتصبح تدريجيا شيء من الماضي لذلك سنجد انبهار المثقفين الحداثيين بالثقافة الغربية تخفت تدريجيا و تتجه نحو العقلانية و الواقعية و سيحظى التحديثيين في بلدان الشرق و منهم البلدان العربية بفرصة جديدة واعدة للنهوض من جديد لممارسة دورهم في عملية دعم التطور التنموي و الثقافي في بلدانهم , ففي الشرق خزين كبير من الموروث الحضاري و الثقافي يمكن الركون اليه مع الاستفادة الواعية من انجازات الغرب الثقافية و العلمية و التكنولوجية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟