الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل أولا والعقل أخيراً

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



على طريق التحرر والنهوض والخلاص من كل مظاهر التخلف والأوهام . أدعو إلى إعمال الفكر أو العقل للوصول إلى المفهوم الواضح لمجمل أهداف شعوبنا عموماً ومفهوم واضح للثقافة خصوصاً وذلك ارتباطاً بخصوصية الواقع وبالتفاعل معه، فالثقافة رؤية ومبدأ للسياسات: وسؤالي هنا ما هي قيمنا الثقافية القابلة للتبادل في سوق القيم، ومكونه لعقلية حداثية نقيضة ورافضة للخزعبلات تسعى إلى بلورة هوية ليست من ماض ولّى، بل جواز سفر لدخول آفاق المستقبل؟ ما هي رؤيتنا لبناء نظام سياسي اقتصادي اجتماعي عقلاني واقعي ومنافس معاً، وكيف نبني منظومة قيم تحفز على المبادرة والابتكار، والإنتاج وتخطيط المستقبل؟ كيف نربي على احترام الكرامة الإنسانية؟ ذلك هو مفهوم الثقافة الذي يتوجب أن نأخذ به.
على أي حال يمكن القول أن الثقافة هي جملة ما يبدعه الإنسان والمجتمع على صعيد العلم والفن ومجالات الحياة الأخرى، المادية والروحية، من اجل استخدامها للإجابة على الأسئلة الكبرى للإسهام في مجابهة العدو الوطني وقوى التخلف الرجعي بما يمكننا من حل مشكلات التقدم والتطور، وهنا تتجلى خصوصية الواقع –واقعنا العربي- التاريخية والراهنة وتفاعلها مع المفهوم العام المعاصر للثقافة بكل أبعادها ومكوناتها العلمية، الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية في اللحظة الراهنة من تطور البشرية.
أنا شخصياً انحاز إلى هذا التعريف للثقافة، لأنه يتناولها كمجموعة من الأنماط السلوكية والفكرية والتربوية بمضامينها المستقبلية التي تؤطر أعمال الإنسان في علاقاته مع قضاياه الوطنية والمجتمعية بالقطيعة الكاملة مع اوهام التخلف، ومن ثم اعتماد التواصل الدؤوب مع مسار التنوير العقلاني والحداثة والنهضة والتقدم العلمي، آخذين بعين الاعتبار أن لكل عصر ثقافته... عصر الزراعة كانت له ثقافته السائدة، وعصر الصناعة كانت له ثقافته السائدة، واليوم عصر المعلومات أو "العصر الرقمي" يفرض علينا ثقافته السائدة او ثقافة الانترنت التي هي ثقافة الرأسمالية في طورها المعولم، وفي هذا السياق أؤكد أن اخطر ما في شبكة الانترنت "أنها تنطوي على ثورة معرفية، وعلى موسوعة للفكر الإنساني ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وهذه مسألة بالغة الخطورة، ومن هنا أرى أن مشكلة الاتصال مع الحضارات الأخرى تتمثل بما يسميه المفكر المصري الراحل السيد ياسين "أزمة تكوين العقل النقدي العربي" وهي أزمة محكومة لخزعبلات الاساطير وأوهام التخلف واستقالة العقل ....خاصة وأن انظمة التخلف العربية المستبدة لا تٌكَوِّن مثل هذا العقل النقدي الذي يحتاج بالدرجة الأولى إلى حرية سياسية وديمقراطية، ذلك أن حوار الثقافة العربية مع غيرها من الثقافات، خاصة الثقافة الغربية، يقتضي الاعتراف المتبادل، وهو غير حاصل بسبب أصوليتين – كما يقول المفكر علي اومليل- : أوصولية إسلامية تختزل الدين إلى عقائد متشددة، وتعتبر أن الإسلام في غنى عن أي حوار مع جاهلية العصر، أي الثقافة الغربية ومن نسج على منوالها، وهناك أصولية غربية تعتقد أن قيم الحداثة (الحرية، الفكر النقدي، الديمقراطية الليبرالية، حقوق الإنسان) هي قيم غربية حصراً، فلا طريق إذاً للتحديث سوى التغريب (والخضوع لثقافة الغرب الرأسمالي).
ولذا، "فالتنوير ليس مجرد حلقة من حلقات تاريخ الأفكار بل ثابت أساسي من ثوابت الفكر الفلسفي الذي أدى إلى تطور ونهوض أوروبا منذ كانط حتى الآن، فالمذهب الليبرالي يؤكد حرية التعبير وحرية الكلام ورفض الكنيسة واوهامها وعودها الدينية الغيبية.
وهنا تتلاقى الليبرالية السياسية مع فلسفة عصر التنوير، فالدفاع عن مثل هذه الفضائل ليس مبنياً على النظرة المفيدة أن التسامح هو قيمة "خير" فحسب، وإنما أيضاً على النظرة التي تقول إن نقاشاً مفتوحاً وحراً هو شرط ضروري لنكون قادرين على الوصول إلى رؤية صحية في العلم، كما في السياسة تقوم أساساً على الحرية والعقلانية والديمقراطية وفصل الدين عن الدولة .
فالحرية شرط العقلانية، وفي الوقت نفسه هي شرط للديمقراطية في عملية خلق الرأي العام الشعبي، وفي التأمل المتنور، ذلك ما عبر عنه بوضوح المفكر الفرنسي مونتسكيو الذي ربط الحرية بشكل خاص بإسهامين اثنين أساسيين وهما: نظرية فصل السلطات كشرط للحرية، ونظرية تأثير البيئات المختلفة على السياسة، وكانت فرنسا في القرن الثامن عشر هي الرافد الاساسي والأكبر لنهر العالم الكبير الذي تحدر من أرض اليونان قبل ذلك باثنين وعشرين قرنا.
نستخلص مما تقدم، أن مفكري التنوير (في انجلترا وفرنسا وألمانيا) كانوا قد "أَحَلُّوا العقل السيد المستقل محل العقيدة اللاهوتية المسيحية التي سيطرت على البشرية الأوروبية قرون وقرون، لقد كان العقل هو القضية الكبرى لفلاسفة القرن الثامن عشر والذي دعي في كل أنحاء أوروبا بعصر التنوير".
فبفضل جهود التنوير وطّنت أوروبا مفاهيـم: الحرية، العقلانية، والديمقراطية، وأرست دعائم التطور والتقدم والنهوض.
سؤالي هنا ....هل تعيش بلداننا ومجتمعاتنا العربية فترة تنوير؟ والجواب...نحن لسنا فقط لا نعيش مرحلة تنويرية وإنما نغوص في عكسها: أي في عتمة ظلام التخلف الذي تفرضه أنظمة الكومبرادوروالرجعية والعمالة .....بالطبع هناك نخبة مثقفة مستنيرة وتقدمية عندنا مثلما كان عليه الحال لدى الألمان والفرنسيين ومعظم شعوب أوروبا الغربية في عصر كانط.ولكن المشكلة هي ان هجمات قوى اليمين بكل الوانه وطوائفه واطيافه وسياساته المتخلفة والرجعية هي هجمات شرسة جدا من ... ثم إن معظم المثقفين العرب المستنيرين ومعظم أحزاب وفصائل اليسار في بلادنا عاجزون عن مجابهة أنظمة الكومبرادور ورموز التخلف وفضح مواقفهم وممارساتهم بشكل فلسفي كما كان يفعل كانط أو ليسنغ من قبله أو فولتير أو جان جاك روسو آو ديدرو وصولا إلى ماركس وانجلز ولينين وغيرهم من الثوريين .
ما العمل اذن وأين يكمن الطريق إلى المستقبل لمجابهة انحطاط الوضع العربي الراهن؟
في الإجابة عن هذا السؤال، أقول : لقد بات الرهان اليوم معقوداً على الرؤية الديمقراطية التقدمية العلمانية في بلادنا، المرتبطة باستنهاض أوضاع القوى والأحزاب والفصائل التقدمية العربية التي تعيش اليوم حالة من التفكك والتراجع والتأزم، ولا تؤهلها أوضاعها في اللحظة الراهنة للقيام بتحقيق وبلورة هذه الرؤية في المدى المنظور.
لكن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية، في هذه المرحلة، يتطلب من هذه القوى تفعيل وإنضاج عوامل وأدوات التغيير الثورية والديمقراطية الحديثة، والاستجابة لمبرراتها وأسانيدها الموضوعية الملحة من قلب واقعنا الراهن.
بالتالي فإن الخطوة الأولى على طريق الخروج من الأزمة في المرحلة الراهنة التي تجتازها بلداننا العربية، تتمثل في العمل على إعادة تكوين اليسار الماركسي الثوري وبناء القوى الشعبية، وذلك في إطار عمل طويل النفس يطاول مستويات عدة "من تحديد الأسس الفكرية، وسمات المشروع المجتمعي الاشتراكي المطروح كهدف راهن وتاريخي، وتحديد المراحل الإستراتيجية للتقدم في الاتجاه المرغوب ... والقوى الاجتماعية التي لها مصلحة في انجاز المشروع والقوى المعادية له .
إنّ الحديث عن كسر وتجاوز نظام الإلحاق أو التبعية والتخلف الراهن هو حديث تحريضي يسعى إلى مجابهة أنظمة التخلف ، وتوفير الاسس والمقومات السياسية والمجتمعية الكفيلة بالنهوض الديمقراطي التقدمي ، ما يعني توفّر الإمكانية الموضوعية والذاتية في الحياة السياسية والمجتمعية المشتركة راهناً ومستقبلاً وفق قواعد وأسس الديمقراطية والحرية والعلمانية والعدالة الاجتماعية والكرامة والنهضة والتقدم الإنساني على طريق النهوض لشعوبنا في مغرب الوطن العربي ومشرقه وفق مفاهيم وأسس الديمقراطية والتقدم الحداثي والاشتراكية التي أرى فيها مدخلاً وحيداً لأي حديث عن النهوض والتقدم وإسقاط أنظمة العمالة والانحطاط وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بافاقها الاشتراكية وتوفير أسس ومقومات النضال والانتصار ضد الوجود الامبريالي الصهيوني ، إذ لا حل لأوضاع مجتمعاتنا بكل تنوعها إلا من خلال الاشتراكية، ولكن هذه الضرورة ستكون ضرباً من الوهم إذا لم نمتلك وضوح الرؤيا المستنيرة العقلانية الحداثية العلمانية التقدمية الثورية وبلورة ونشر برامجها في أوساط الجماهير الشعبية بما يمكننا من مجابهة مخططات التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي من ناحية ومجابهة المخاطر التي تفرضها علينا أوهام التخلف ورموز الرجعيين في بلادنا من ناحية ثانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التغريب مصطلح عنصري رجعي
منير كريم ( 2021 / 10 / 1 - 10:54 )
تحية للاستاذ الصوراني المحترم
مصطلح التغريب يهدف الى الانعزال عن العصر الحديث وقيمه تحت ذرائع الاختلاف الجغرافي والثقافي
مصطلح التغريب اوجده الاسلام السياسي لرفض الحضارة ثم انتقل هذا المصطلح للاخرين
الحضارة الحديثة وجوهرها الليبرالية عابرة للجغرافية والثقافات
توجد الليبرالية كنظام حكم ونمط حياة في الغرب والشرق والشمال والجنوب , نجت في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والهند وغيرها
والدول الاسلامية بسبب رفضها الحضارة الحديثة تعيش حالة الانحطاط وتبتكر لنفسها المبررات الوهمية كمصطلخ التغريب مثلا
شكرا جزيلا لك

اخر الافلام

.. احتجاجات متواصلة في جامعات أوروبية للمطالبة بوقف إطلاق النار


.. هجوم رفح.. شحنة قنابل أميركية معلّقة | #الظهيرة




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل الغربي شمالي إسرائي


.. فصائل فلسطينية تؤكد أنها لن تقبل من أي جهة كانت فرض أي وصاية




.. المواطن الفلسطيني ممدوح يعيد ترميم منزله المدمر في الشجاعية