الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ردّاً على مصري ملحد , فيما يتعلّق بإنقاذ ستالين للاتحاد السوفييتي !

اسكندر أمبروز

2021 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يعلم القاصي والداني على محافل الملحدين العرب شخصية الرائع مصري ملحد , والذي أحترمه وأوافقه الرأي أنا شخصياً في الكثير والكثير من المواضيع , ولكن في لقائه الأخير على قناة الآخر قام بالخوض في مسألة الدكتاتورية الستالينية والادعاء بأن ستالين وحزمه ودكتاتوريته هي من أنقذت روسيا ومن قلبت الموازين على هتلر , في محاولة من الأخ عمرو له كل الاحترام , أن يرسم صورة ايجابية عن الحكم الدكتاتوري.

ورغم أنني لا أختلف كليّاً مع هذا المنظور , حيث أنني قد كتبت مقالاً عن أمثلة للدكتاتوريات الحميدة من التاريخ المعاصر , والتي أعتبرها حالات نادرة واستثنائية للقاعدة العامّة للحكم الدكتاتوري ألا وهي الاجرام والفتك بالبشرية بشكل لا يمكن تقبله من أي عاقل.

ومع احترامي لرأي الأخ عمرو , إلّا أنه ارتكب أخطائاً فادحة في ذلك اللقاء أثناء الادلاء برأيه هذا , حيث أنه اختار أسوأ دكتاتور بالتاريخ للإشارة لإيجابيات الدكتاتورية , والتي أعترف انها موجودة , ولكنها لا يمكن ذكرها على ضوء السلبيات والفظائع والجرائم التي اقترفها ستالين ! وهذا ناهيكم عن رأيه المغلوط تماماً فيما يتعلق بدور ذلك الدكتاتور السفيه في الحرب مع ألمانيا.

والآن لنناقش آراء مصري ملحد , مع تقديم حقائق الأمور التي أغفلها أو أخطأ في عدم إدراكها...

⚫ قال الاستاذ عمرو أن ستالين قام بثورة صناعية جعلت من روسيا دولة عظمى.

وهذا خاطئ الى حد ما , حيث أن روسيا كانت بلداً صاعداً من حيث الصناعات والانتاج قبيل الحرب العالمية الأولى , وقبيل استلام ستالين زمام الأمور , وأي نعم كان لستالين دور في التطوير والتحديث , ولكن أحجار الأساس للثورة الصناعية الروسية كانت بفضل الحكم القيصري وبدأت من القرن التاسع عشر , فمع بدء عمليات منطقة باكو النفطية , احتلت روسيا في عام 1900 الصدارة في إنتاج النفط عالمياً. وبعد أزمة 1899 , زاد الإنتاج الصناعي 1.5 مرة في 1909-1913 , وازدياد الصناعات الثقيلة 174٪--- , والخفيفة 137٪---.

وبلغ حجم الإنتاج الصناعي في روسيا عام 1913 7 مليار روبل. وفي عام 1913 , كانت حصة روسيا في الصناعة العالمية 5.3٪--- واحتل الاقتصاد الروسي المرتبة الخامسة في العالم.

وفي بداية القرن العشرين , احتلت الإمبراطورية الروسية , إلى جانب الولايات المتحدة , مكانة رائدة في الزراعة العالمية. ويتضح هذا بشكل خاص في مثال محاصيل الحبوب في السنوات الأربع عشرة الأولى من القرن العشرين , حيث زادت المساحة المزروعة بنسبة 15٪--- , ومحصول الحبوب بنسبة 10٪--- , وحصاد الحبوب للفرد بأكثر من 20٪--- حيث احتلت روسيا المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج الحبوب والمرتبة الثانية في إنتاج القمح.

ومن خلال هذه الأرقام نرى أن روسيا كانت صاعدة اقتصادياً , ولم تكن بحاجة للعبث الشيوعي والهبل والاجرام الستاليني الذي يدعي الأخ عمرو أنه كان ضرورياً لصعود روسيا للمراتب الأولى اقتصادياً. فالإجرام الستاليني كان بنائاً على أيديولوجيا شيوعية دينية سفيهة لا علاقة لها لا بالمنطق ولا بأي أسباب أو دواع اقتصادية لتبرير تلك الجرائم.

⚫ يدعي الأخ عمرو أن ستالين والدكتاتورية الشيوعية عموماً , جائت بالتطوير على صعيد الصحّة والتطعيم والعناية الصحية بشكل عام , وهذا صحيح لحد ما ولكن ليس كلّياً أو حتى بالمجمل , حيث أن التطعيم كان منتشراً بشكل لا بأس به في روسيا منذ زمن الامبراطورة كاثرين , والتي كانت أول من أدخل التطعيم ضد الأوبئة لروسيا عام 1768 , قبيل السوفييت وستالين بقرون , وطبعاً لم يكن نظام الصحة في روسيا جيداً في زمن القياصرة , ولكنه كان متواضعاً بحكم قِصَر المعرفة الطبية في ذلك الوقت , والدول العظمى الأخرى عانت من الأوبئة أيضاً وكان حال روسيا أفضل بمئات المرّات من حال غالبية دول العالم المتخلفة كالدولة العثمانية والصين وامريكا الجنوبية وغيرها... مع استثناء ألمانيا التي كانت تمتلك أفضل تنظيم صحي في العالم في ذلك الوقت.

وأنظمة الصحّة القديمة والبدائية هذه لا يمكن مقارنتها بالنظام السوفييتي الذي حقق النجاحات الصحية بفضل تطور الطب والعناية الصحية في أوربا كلّها في ذلك الوقت , فالفضل هنا لا يعود للدكتاتورية , وإنما لتطور العلوم بشكل عام.

وحتى نوضح مدى دوغمائية وفصام ستالين فيما يتعلق في مجال الصحّة , وللتأكيد على النقطة السابقة , وهي استقلال التطور الصحي عن الادارة الستالينية , هو مسألة مؤامرة الأطبّاء عام 1951 الى 1953 والتي كانت حملة معادية للسامية في الاتحاد السوفيتي نظمها جوزيف ستالين.

وتم فيها اتهام مجموعة من الأطباء اليهود في موسكو بمؤامرة لاغتيال قادة سوفييت. ترافق ذلك لاحقاً مع منشورات ذات طابع معاد للسامية في وسائل الإعلام , تحدثت عن تهديدات الصهيونية وأدانت الأشخاص الذين يحملون ألقاباً يهودية. وبعد ذلك , تم فصل العديد من الأطباء , من اليهود وغير اليهود , من وظائفهم واعتقالهم وتعذيبهم وقتل الكثير منهم.

فيما يوضح أن تحرّكات ستالين كانت تصب في مصلحة الأيديولوجيا والدين المادي الذي كان يؤمن به لا في مصلحة الشعب أو الدولة وتطويرها وتحسينها , وحتى مسألة التعليم التي طرحها مصري ملحد , ومحاربة الأمّية من قبل السوفييت , كان الهدف منها إيجاد أوساط إعلامية للتأثير على الوعي الشعبي وبث البروباغاندا سوائاً في الصحف أو المجلات أو غيرها من وسائل الإعلام , ولم تكن لغايات التطوير والتحديث أو لإفادة الشعب.

⚫ قال الاستاذ عمرو أن ادارة ستالين الدكتاتورية , كان لها الفضل في انتاج 40 ألف دبابة في أثناء الحرب مع ألمانيا , وهذا خاطئ.

فالسوفييت كانوا يمتلكون 30 ألف دبابة مع نهاية الحرب مع ألمانيا , وكان هذا الرقم هو أعلى رقم وصلوا إليه , ولأزيدكم من الشعر بيتاً , فهذه الدبابات تم انتاج غالبيتها قبيل الحرب حيث امتلك الاتحاد السوفييتي ما يقارب ال25 ألف دبابة ومدرّعة قبل الحرب مع ألمانيا , وليس في خضم الحرب كما قال الاستاذ عمرو , ولم يكن الفضل في صناعتها للدكتاتورية القوية الستالينية , بل كما ذكرنا آنفاً يعود الفضل في ذلك للصعود الاقتصادي والصناعي الروسي الذي كان موجوداً أصلاً قبل السوفييت وقبل ستالين.

ولكن الأنكى من هذا كلّه , هو تدهور الصناعة العسكرية الروسية لحد التوقف والانتهاء في خضم المعركة مع الألمان , حيث نقل ستالين ما استطاع من مصانع عسكرية الى جبال اليورال , وأدّت استراتيجياته السخيفة الى خسارة وتدمير غالبية المصانع العسكرية الروسية في الحرب , وهذا ما يقودنا للنقطة التالية...

⚫ ادعاء الأخ عمرو أن ستالين ودكتاتوريته كان له الدور الرئيسي لهزيمة هتلر لا الديمقراطيات الغربية , وهذا أبعد ما يكون عن الواقع.

فاستكمالاً لما سبق , لم تصمد روسيا في الحرب مع ألمانيا سولى لثلاثة أسباب أولها استماتة الجنود الروس في المعارك , كمعركة كورسك وستالينغراد وحصار لينينغراد وغيرها.

والسبب الثاني هو المساعدات الأمريكية من كل شيء , حيث أن 10 آلاف من ال30 ألف دبابة التي امتلكها السوفييت في نهاية الحرب كانت صناعة أمريكية وتم تقديمها كدعم للروس قبل فتح الجبهة الغربية للإبقاء على ستالين ونظامه في الحرب نظراً لاقترابهم الكبير من السقوط , وهذا إضافة الى 11 ألف مدرعة , و11 ألف طائرة حربية , و400 ألف سيارة نقل عسكرية , وآلاف الأطنان من الطعام والملابس وغيرها من المساعدات التي كانت أهم العوامل الفارقة في صمود ستالين ونظامه وهذا باعترافه هو شخصياً , حينما كتب في مذكراته الشخصية التي نشرت لاحقاً..."لو لم تساعدنا الولايات المتحدة لما انتصرنا في الحرب ".

والسبب الثالث هو فتح الجبهة الثانية , وتشتيت الجيش الألماني الذي لم يواجه السوفييت بكامل قوّته على مرّ الحرب كاملة ! حيث أبقى هتلر لثلث جيشه بشكل مستمر على الجبهة الغربية تحسباً لهجوم بريطاني أو فرنسي أو أمريكي في نهاية المطاف.

وكل هذه الأسباب مجتمعة , أدّت لسقوط ألمانيا وانتصار الحلفاء , فالسوفييت كان لهم دور , لا بل الدور الأكبر في الحرب , ولكنه لم يكن بفضل ستالين , بل على العكس , فهو من أجهض جهود جنرالاته للتخطيط العسكري السليم , وهو من تسبب بأسر 6 ملايين جندي روسي وموت 4 ملايين منهم في سجون النازية , وهو من تسبب بفضل حماقاته بسقوط الجبهة السوفييتية في بداية الحرب , نظراً لتجاهله التّام لعلامات الغزو الألماني وإنذارات الجواسيس السوفييت في ألمانيا لستالين بالهجوم المحدق النازي , وهو من تسبب بموت الملايين من جنوده في تكتيكات عسكرية مميتة لا تنتمي الا للعصور الوسطى !

فالسوفييت انتصروا لا بفضل ستالين ودكتاتوريته , وإنما رغماً عنها !

وللتأكيد على تخريب وفساد ستالين كحاكم , ودور الدكتاتورية التي زادت الطين بلّة , هو حملات التطهير التي سمّيت بالتطهير العظيم في الثلاثينات , والتي راح ضحيتها قرابة المليون عسكري بين ضباط وجنود وأفضل وألمع الأسماء العسكرية السوفييتية كميخائيل نيكولايفيتش توكاتشيفسكي الذي تم اعدامه بسبب تهم ملفقة , وطلبه لإعادة تنظيم الجيش الروسي لمواكبة المدارس العسكرية الحديثة وتكتيكاتها , التي كان أشهرها تكتيك حرب البرق , الذي استعمله الألمان لاكتساح فرنسا في 1941 وروسيا من بعدها , والتي كان قد أشار اليها توكاتشيفسكي وغيره منوهاً لأهمية تطبيقها , والذي تم اعتباره من قبل ستالين عملية للإطاحة به والانقلاب عليه. وكل هذا العبث والاجرام في الجيش أدى لسقوط الاتحاد السوفييتي بشكل كان بالإمكان تجنبه لولا سياسات ستالين الحمقاء.

ولو خلطنا كل ما سبق مع وضع ستالين لنخبة الجيش الأحمر على الحدود مع ألمانيا دون أي دعم يذكر لهم , وأوامره بعدم الانسحاب والتسبب بأسر ملايين الجنود وخسارة العتاد , وتدمير الطيران السوفييتي العسكري على أرض المطارات بسبب تخاذل وتخبط ستالين الذي ظل أسبوعاً كاملاً بعد اعلان ألمانيا الحرب عليه عالقاً في مكتبه لا يكلّم أحد من أثر الصدمة التي تعرض لها مربكاً لدولة بأكملها بسبب وضعه كامل الصلاحيات في يده كشخص في نظامه الدكتاتوري المتخلف , ومقولته هو هي خير دليل على ذلك , حيث قال "لقد بنى لنين هذه الدولة , ونحن من أتى بخرابها !" في اعتراف منه بفشله , وفشل نظامه الفاسد.

ولو قارنّا كل هذا بالديمقراطيات الغربية وحالها قبل الحرب , سنجد أن صمود بريطانيا لم يكن متوقعاً , وصمدت نظراً لانتخاب شعبها الرجل المناسب في الوقت المناسب , وأما سقوط فرنسا فقد كان بسبب العقليات العسكرية القديمة التي تسببت بتشتيت الجيش الفرنسي وعدم المواجهة كما يجب ضد ألمانيا , مع امتلاك فرنسا قوة عسكرية أعتى من ألمانيا في ذلك الوقت , أو بسبب انعدام اعادة التسليح خصوصاً فيما يتعلق بالأسلحة الحديثة كالطيران الفرنسي الذي لم يكن مواكباً للعصر والدبابات والمدرعات البريطانية التي كانت متخلفة من حيث العدد والنوعية , وليس بسبب ضعف النظام الديمقراطي مقارنة بالدكتاتورية كما يدعي الأخ عمرو.

--------------------------------------------------------------------

أعي تماماً ما هو الهدف من كل ما قاله الأخ مصري ملحد , وأعي أن النقطة التي أراد الوصول اليها هي أن الحكم الدكتاتوري له فوائد معينة وأنا أتفق معه كلياً , فالدكتاتورية الحميدة التي عرضتها في أحد مقالاتي سابقاً والموجود هنا لمن يريد الاضطلاع عليه...

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=728131

هي مثال موجود وواقعي , وأتفق مع الأخ مصري ملحد في أن الدكتاتورية الحميدة في حالات معينة (وخصوصاً في دولنا) هي أفضل من الحكم الديمقراطي في الوقت الحالي مع التشديد على كلمة "حميدة" , ولكنني أختلف معه بشكل كامل في المثال الذي طرحه , فلو أراد ذكر فضائل الدكتاتورية لكان عليه أن يذكر دكتاتورية لها فضائل ! لا أن يأتي بذكر أعتى وأسوأ الأنظمة الدكتاتورية في التاريخ الحديث لا بل بنظام ديني يتبع ذات البلاء والسخف الديني المعروف.

وهذا لا يعني أن النظام الذي سبقه كان أفضل حالاً , فالنظام الروسي القيصري كان له مشاكل لا حصر لها , أولها أنه هو أيضاً نظام ديني سقيم ومتخلف وإجرامي , ولكنه لم يكن بذات المستوى من الفساد كالنظام الستاليني الذي راح ضحيته عشرات الملايين والشيوعية التي تسببت بخراب دول بأكملها , والتي لا يضاهيها في الفساد والفجور سوى الاسلام المتصدر لتلك القائمة اللعينة.

--------------------------------------------------------------------
المصادر :
Stalin the court of the red tsar
Soviet Casualties and Combat Losses in the Twentieth Century
Robert Conquest - The Great Terror: A Reassessment
The Romanovs: 1613-1918
Late Tsarist Russia, 1881–1913 Beryl Williams
Lenin: The Man, the Dictator, and the Master of Terror








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصام لطلاب جامعة غنت غربي بلجيكا لمطالبة إدارة الجامعة بقط


.. كسيوس عن مصدرين: الجيش الإسرائيلي يعتزم السيطرة على معبر رفح




.. أهالي غزة ومسلسل النزوح المستمر


.. كاملا هاريس تتجاهل أسئلة الصحفيين حول قبول حماس لاتفاق وقف إ




.. قاض في نيويورك يحذر ترمب بحبسه إذا كرر انتقاداته العلنية للش