الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوكب السودان .. وعزلة جائحة كورونا*

عفيف إسماعيل

2021 / 10 / 1
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


بعد أن حملت شاشات التلفاز والمحطات العالمية، والموبايلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي اخبار الموت بسبب جائحة كورونا من ووهان الصينية التي لم تحميها اسوارها المنيعة، مروراً بإيطاليا التي صارت محارقها تعمل طيلة اليوم لإحراق كل الجثث المتزايدة على مدار الساعة، ثم الاصابات المتصاعدة في البرازيل التي تعرف الناس على وجهها الآخر في الفقر والمرض، ليس إصابات اهداف سحرتها بيليه، رولاندو، ونيمار، روماريو، وزيكو، وبابيتو، بل إصابات مميتة، ومن امريكا ذات العماد، ذات ترامب أحمق اجوف، مثلٌ أعلى لتجلي حالة معلنة للعقلية الرأسمالية التي تسهك دماء الفقراء كي تدور ماكينات ربحها، حيث تزايدت فيها اعداد الموتى بشكل غير مسبوق حتى فاق ضحاياها من العسكريين في حرب فيتنام. أم الهند فقد صار الموت فيها في الشوارع وعلى أبواب المستشفيات.

هذه الجائحة لا تعرف الحدود ولا أسماء المطارات والدول، ولا تفرق طبقياً بين الفقراء أو أصحاب الشركات عابرة القارات، ليهجم فايروسها ملكة بريطانيا ولدغها وحاصر أنفاسها داخل قصرها المحصن حتى ضد الأسلحة النووية، ثم أمسك بخناق رئيس وزرائها الذي حاول ان يمارس أحدى حيل الرأسمالية ويجعل عجلة الإنتاج تدور بالمناعة والمجتمعية، ثم التفت لمملكتها التي لا تغرب عنها الشمس في دول الكومنولث فطار إلى كندا ليصيب زوجة رئيس وزرائها، ويعود الى الفاتكان ويصيب البابا ومساعديه، ويختتم جولة بضربة قاضية للسيد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية عقاباً له لعدم اعترافه به، وتسميته له استخفافا بالفايروس الصيني، فركله بضربة واحدة أودت به إلى مزبلة التاريخ.

برغم ذلك لم يزل الناس في بلادي يتزاحمون في الموصلات، وحفلات الاعراس، وبيوت المأتم، ودور الرياضة ويبتسمون لبعضهم البعض وهم يتبادلون التحيات بالأحضان المجرثمة، تم يتبعونها بالتصافح بالأيدي الملوثة بفايروس كورونا، و بالجلوس والتلاصق في كافة المناسبات الاجتماعية .لم تغب من الشارع الإفطارات الجماعية الرمضانية، أو تشيع الموتى بالألاف لمن قضوا نحبهم بهذا الفايروس القاتل، ويصل الأمر الى حد التَبُرك بتراب قبر الزعيم الروحي والسياسي لأكبر طائفة في السودان الذي كان أحد ضحايا هذا الفايروس اللعين. فأصر أنصاره الذين جاءوا من جميع انحاء البلاد بكل وسائل الموصلات المتاحة من الدواب إلى الطائرات لتشيعه في استعراض سياسي للبرهان على كثرة العدد وتأكيد النفوذ السياسي والاجتماعي في قسمة السلطة في تعين الولاة وغيرها من المناصب القادمة، بعد ان تمت بيعة الولاء الطائفي قبل ان يجف طين قبره، ثم تفرقوا مرة أخرى يحملوا الفايروس للأحباب الذين لم يتمكنوا الحضور في القرى والمدن البعيدة في جهات السودان.

منذ بدء الجائحة وحتى الان تعرضُ شاشات التلفاز اغلب المسؤولين في الحكومة الانتقالية، مدنيين وعسكريين، والسياسيين ونجوم المجتمع الثقافي والرياضي وهم يبتسمون للكاميرات كأنهم يؤدون مشهد تمثيلاً للترويج لمعجون للأسنان! أو دعاية مجانية لكيفية ارتداء الكمامة بشكل خاطئ بقفل الفم والذقن، وترك الأنف يوزع ويستنشق ما شاء من جراثيم وفيروسات!

قيادات الحركات المسلحة بعد معاهدة سلام جوبا، اقاموا احتفالات مهيبة للعائدين من قادتهم إلى الخرطوم في الساحة الخضراء! التي احتشد بكل الناجين والنازحين من ويلات الحروب العبثية التي قادها الجيش والسوداني ومليشايته الجنجودية، ضد الذين جاءوا من اطراف المدينة التي قال عنها شاعر والوطن الوطن والمهمشين محمد طه القدال:
"كل ما امتداد يمتد نبني حواه كرتون وزرايب ناس".

بعد ان انفض سامر شملة كنيزه التي هي ثلاثية وقدها رباعي، وذهب صدى تلك الخطب الحماسية ليس مع الرياح، بل سبق ذا البدلة الانيقة الذي امتطى فارهة تسر الناظرين من احدث وأجود ما صنع أهل كوكب اليابان تسبقها الدراجات النارية وصافراتها إلى القصر، سار الحفاة المهمشون في هجير الظهيرة ولم يصلوا إلى بيوتهم الفقيرة إلا بعد العصر.

وبالطبع لا عزاء للمهمشين المحرومين من العلاج وابسط متطلبات ما يسد الرمق ويحافظ على الحياة في عشوائيات عاصمة البلاد! في بعد ثلاثة أسابيع من هذا الاستقبال الحاشد، مات الناس الذين جاءوا يرفعون شارات الأمل ماتوا بلا عزاءـ -هكذا- هدراً مثلما فعلت بهم حروب الدولة الإسلاموية الغاشمة ومتاهاتها التي مازالت تولول.

قادة الأحزاب التقدمية التي عرفت بتاريخها النضالي الطويل في الانحياز الطبقي لبسطاء الناس، تنادي برامجهم بلا مواربة وكما يجب بمجانية العلاج والدواء، التي من شأنها المحافظة علي أهم ثروات البلاد، وهو انسان السودان في الريف والحضر بلا تمييز. ها هي بوصلتهم السياسية تدعم وتدعو للمسيرات المليونية لإسقاط حكومة الهبوط الناعم الانتقالية! كأن الغاية تبرر الوسيلة! ان اقتناص لحظة تاريخية وجدانية فارقة من عمر الشعوب قد تحسم المعركة، وهم المدربون على حرفة النمل وفعل التراكم ! المخيلة السياسية الثورية المبدعة تعرف أن تختار الوسيلة النضالية المناسبة التي تناسب شرطية الظرف الصحي الكوني والمحلي. وليس التكرار بعيداً عن روح الابتكار والتجديد، الذي لم يراعِ حتى درجة الحرارة ذات الارتفاع غير المسبوق في شهر يوليو2021.
المحافظة على الصحة الانسان السوداني من أحد الأهداف التي استشهد من اجلها شهداء ثورة ديسمبر المجيدة، عليه فإن المحافظة على الصحة حق من حقوق دساتير حقوق الانسان، والحفاظ على الصحة هو عماد التنمية واكمال كل مستحقات الحياة الإنسانية الكريمة.

معلوم الحال البائس للبنية التحتية الصحية المنهارة من النهب الإسلاموي المقنن على مدار الثلاثين عام من حكمهم البغيض ١٩٨٩ ٢٠١٩ بدءً من وزير الصحة الذي انتعشت تجارته في ازهاق أرواح الناس، خصخصة المستشفيات العامة، وتكفلت بقية الاستثمارات الطفيلية التي تسعي للربح السريع لتقاسم ما تركه لهم ناس تمكين الدولة القابضة من فتات.

ومعلوم ايضاً أن الحكومة الانتقالية الغارقة في مماحصاتها حتى الوحل في برك المسارات العشوائية الضحلة، والمثقلة بكوابح اللجنة الأمنية لنظام الاخوان المتأسلمين المدحور، وحاضنه سياسية من أحزاب ما يسمى بالهبوط الناعم، التي من تجلياتها في مجابهة جائحة الكورونا انها اقالت وزير الصحة الثوري د. أكرم علي التوم صاحب المشاريع الصحية البديلة المدروسة لاستنهاض الرعاية الصحية الأولية طيبة الذكر، المهمومة بصحة أهل السوان في الريف البعيد وايضاً في المدن، د. أكرم علي التوم الذي انجبته ثورة ديسمبر المجيدة وكان يمثل روحها، ويضع الحقائق والأرقام امام شعبه يوما بيوم، بلا تضليل أو مواربة مثل ما تفعل حتي الآن أغلب حكومات العالم التي تحترم شعوبها.

كأنما دولة السودان تعيش في كوكب آخر! بمعزل عن كل سكان الكرة الأرضية التي غيرت جائحة كورونا من الانماط السلوكية للافراد والجماعات، حيث صار التباعد الاجتماعي هو أحد أطواق النجاة من هذا الفايروس المميت، وارتداء الكمامة أحد الوسائل الوقاية للتقليل من الإصابة أو نشر الفايروس، ثم غسيل الايادي يجنب الفرد والجماعة شرور انتقال العدوى.

وها هي شعوب السودان بين غفلتين حكومة ليس من اولياتها في الوقت الراهن الحفاظ مخزونها البشري واحتياط مستقبلها، وشعوب سودانية تثقلها عدم قدرتها من الانعتاق من قيود العادات الاجتماعية السالبة من الميلاد حتى الموت و ما بينهما من ملمات تكفي عطسة واحدة أن يعود صداها بعد أسبوعين الألاف العطسات والانفاس المخنوقة.

ما العمل إذن:

* اعلان حالة الطواري الصحية في البلاد، والسماح للمنظمات الصحية العالمية بتقديم العون الطبي، والاستفادة من خبراتهم في الكورسات التدريبية المكثفة لرفع قدرات الكادر المحلي.
* فتح المزيد من مراكز التطعيم ومراكز العزل ودعم خدمات الطوارئ، وتدريب الكوادر الطبية لأداء مهام المهام الجديدة خاصة في مراكز العزل والمطارات والمنافذ والمعابر الحدودية.
* توفير مستلزمات الحماية للأطباء، والطواقم الطبية العاملة في الخطوط الأمامية لاستقبال حلات المرضى. وتوفير كل الشروط اللازمة التي تساعدهم على أداء واجبهم، ودفع حوافز مالية تناسب الجهد الخارق الذي يقون به في هذا الظرف الحاذق.
* الحرص من وزير الصحة على تقديم التقارير الطبية التفصيلية بشكل يومي، وتوجيه أجهزة الاعلام المسموعة والمرئية بالاهتمام بالتقارير الطبية في كل النشرات الإخبارية الرئيسية حول الوضع الصحي الماثل في مواجهة جائحة كورونا، تكثيف تقديم البرامج الطبية المتخصصة والتوعية المستمرة بكل لغات أهل السودان.
*الاستفادة من الطاقات الشابة لثائرات وثوار ثورة ديسمبر واطلاق حملة للنظافة والاصحاح البيئي والتوعية تدعمها الحكومة الانتقالية متكاملة مع الجهد الشعبي، وتصاحبها أنشطة ثقافية إبداعية ورياضية.

إن الحرص على التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات، وغسل اليدين بالماء والصابون هو حاجز الصد الأول في المسؤولية الفردية في مواجهة جائحة كورونا.
عنايتك بنفسك تعني العناية وبمن تحب..
وعنايتك بأسرتك تعني عنايتك بمجتمعك الصغير والكبير..
وعنايتك بمجتمعك يعني عنايتك بكل أهل بلدك..
وعنايتك بأهل بلدك تعني عنايتك بكل البشرية. فحن نستلف هذه الأرض و ما تبقى لنا من انفاس في هذه الحياة من احفادنا.

بيرث- غرب استراليا
17 يوليو 2021م

*نُشر هذا المقال بمجلة كتابات سودانية العدد رقم 60 يونيو/يوليو 2021م، التي تصدر عن مركز الدراسات السودانية /الخرطوم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!