الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبعاد الانخراط الروسي في سورية

عبدالله تركماني

2021 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


في سياق زيادة انخراطها في سورية كشفت روسيا ما تبقى من أقنعة عن وجهها، حين أرسلت طائراتها العسكرية وبوارجها الحربية حاملة أنواعاً جديدة من الأسلحة الفتاكة وجنوداً وخبراء عسكريين، وأنشأت قاعدة جوية في مطار حميميم في اللاذقية، ووسعت قاعدتها البحرية في طرطوس، بل وتعلن إصرارها على بقاء رئيس تلطخت يداه بدماء مئات الآلاف من السوريين، وارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في تحدٍّ سافرٍ للقانون الدولي الإنساني.
ويأتي الانخراط الروسي العسكري نتيجة عوامل متعددة الأبعاد الاستراتيجية، ستكون له تداعيات بعيدة المدى على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية. فلطالما شكل البحر المتوسط - تاريخياً - مجالاً لممارسة السلوك التنافسي مع القوى الدولية الأخرى، وهو ما يفسر اعتبار الوجود الروسي في المتوسط كضرورة تعاطت معها القيادات الروسية منذ القدم. وكان الحرص الروسي على الحضور الدائم في المتوسط من العوامل الرئيسية وراء إلحاق شبه جزيرة القرم بالاتحاد الروسي لضمان بقاء ميناء سواستبول، مقر قيادة أسطول البحر الأسود، تحت الهيمنة الروسية. فمن خلال هذا الميناء تستطيع روسيا إدامة وجود قواتها في البحر الأبيض المتوسط.
كما يبدو أنّ أسباب زيادة الانخراط الروسي تتلخص في محاولة روسيا العودة إلى المشهد السياسي الدولي، عبر بوابة المسألة السورية، على أمل تخفيف أعباء تبعات العزلة الدولية التي تزداد تضييقاً عليها.
فبعد أن أخّرت الحرب في جورجيا عام 2008 وفي القرم وأوكرانيا عام 2014 محاولات الغرب لجلب حلف " الناتو " إلى أعتاب روسيا، أتت خطة إعادة بناء وجود عسكري روسي في سورية لتعلن أنها ليست مجرد قوة إقليمية في أوروبا الشرقية فحسب، لكنها أيضاً لاعب دولي مؤثر، وأنها على استعداد لاستعراض قوتها العسكرية في مناطق أخرى من العالم بعيدة عن الأراضي الروسية.
كما تشكل الجغرافيا السورية واحدة من الضرورات اللوجستية للمشروع الروسي في مجال الطاقة، وذلك لما تملكه من إمكانيات ربط بين مواقع الإنتاج ومناطق الاستهلاك، وكمعبر للغاز القادم من آسيا الوسطى، الواقعة تحت قوس السيطرة الروسية، ولربط استثمارات الغاز على المتوسط بالغاز القادم من إيران، وكمعبر إجباري لخطوط النقل المتجهة إلى أوروبا. مما يجعل من سورية درة الاستراتيجية الروسية في المنطقة، خاصة مع وجود بنية تحتية روسية في سورية، تتمثل بميناء طرطوس وباستثمارات عديدة في مجال النفط والغاز.
وكانت روسيا حريصة على إظهار اثنين من طرق العبور التي أنشأتها إلى سورية: طريق المياه، من البحر الأسود (بما في ذلك من شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي احتلتها في سنة 2014، وأبخازيا الجيورجية التي فرضت نفوذها فيها منذ سنة 2008) عبر مضيق البوسفور إلى البحر الأبيض المتوسط. وعن طريق الجو، محلقة فوق بحر قزوين والعراق وإيران، وأخيراً من قاعدة همدان الإيرانية. وأظهرت روسيا أيضاً أنّ لديها عدة طرق للدفاع عن منطقتها السورية، بما في ذلك صواريخ كروز التي أطلقتها من السفن الروسية الراسية في بحر قزوين.
وقد جاء صك الانتداب الروسي على سورية، الموقَّع في 26 آب 2015، ليعطي روسيا تفويضاً مفتوحاً في سورية، إذ وفّر لها صلاحيات واسعة في البر والبحر والجو دونما رقيب، ويخوِّلها امتيازات استثنائية مجنِّبًا إياها أية محاسبة أو مسؤولية عن أي ضرر قد تتسبب به.
وهكذا، يبدو أنّ زيادة الانخراط الروسي قد لا يكون معبِّرًا عن وضع المسألة السورية على طريق الحل بمقدار ما قد يكون معبِّراً عن انتقالها إلى مرحلة جديدة من مراحل تطورها، تتورط فيها روسيا في الحرب السورية، خصوصاً في حال لم تقتنع الولايات المتحدة بملاقاتها من أجل تفعيل مقتضيات الصفقة. وإذا كان الأسد قد شعر بالوقوع تحت بعض الضغوط أخيراً، خاصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنّ مزيداً من الانخراط الروسي سيعزز من عناده ويضمن أنه لن يقدم أية تنازلات حقيقية على أية طاولة للمفاوضات في القريب المنظور.
إنّ الانغماس الروسي في المستنقع السوري من المرجح أن يؤدي إلى تقسيم طويل المدى لسورية، تكون فيه المنطقة الممتدة من دمشق إلى الساحل الغربي تحت سيطرة تحالف الأسد - خامنئي - بوتين، وقد تصبح منطقة الشرق الأوسط ساحة لصراعات أكبر وأكثر خطورة تهدد السلم والأمن الدوليين، وربما تقود في وقت لاحق إلى مزيد من التوتر في العلاقات الروسية - الغربية.
وهكذا، في الذكرى السادسة للاحتلال الروسي لسورية، يكشف الفصل الجديد من فصول المحرقة السورية عن وجه لروسيا لم يسبق أن بلغ درجة الاستهتار بحق الشعوب، كما في أيام الستالينية في الاتحاد السوفياتي، بسبب رعاية موسكو التطهير العرقي والإثني والطائفي لمناطق واسعة في سورية، تحت ستار محاربة الإرهاب. والأفدح من ذلك: استعداد بشار الأسد لبيع سورية من أجل البقاء في السلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا