الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة تلميع صورة التاريخ

آدم الحسن

2021 / 10 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


جميع الإمبراطوريات و اغلب الدول إن لم يكن جميعها عبر التاريخ الحديث و القديم دون استثناء ارتكبتْ جرائم بحق الإنسانية لكن درجة بشاعة جرائمها تختلف من حالة الى اخرى و كما قال الشاعر العراقي المبدع مظفر النواب :
أن حروف التاريخ مزورة حين تكون بدون دماء ... !
لكن المبهورين بالغرب يحاولون تلميع ليس صورته الحالية فحسب و نما صورته حتى في ابشع صفحات تاريخه , فبعد الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 حاول العراقيون المبهورون بأمريكا تلميع صورتها و وصفها كمنقذ للعراقيين من الاستبداد البعثي الصدامي و هم في حقيقة الأمر يسعون لتغييب حقيقة هي أن مَنْ أوصل البعث للسلطة في العراق هي أمريكا فمن الصفحات البشعة لتاريخ امريكا هو مساهمتها الفاعلة لتنفيذ انقلاب 8 شباط 1963 في العراق , ذلك الانقلاب الدموي الذي اطاح بحكومة الزعيم العراقي الوطني عبد الكريم قاسم , و كما أقَرَ علي صالح السعدي و هو احد قادة البعث الفاشي الذي دبر ذلك الانقلاب الأسود حين قال بكل وضوح في وصفه لكيفية وصول حزب البعث للسلطة في العراق و مدى مساعدة المخابرات المركزية الأمريكية ال CIA في تنفيذ ذلك الانقلاب :
(( جئنا الى الحكم بقطار أمريكي ))
و حين نراجع صفحات التاريخ فسنجد أن نشوء امريكا قد بدأ مع هجرة الرجل الأبيض اليها و إبادته لسكانها الأصلين و اقامة أمة جديدة اسمها الأمة الأمريكية على أرض هي ليست أرضهم , ثم توالت بشاعة التاريخ الأمريكي في استقبال تجار العبيد الذين جلبوا لهم كتل بشرية من ابناء شعوب قارة افريقيا ليباعوا كعبيد في أمريكا في اكبر اسواق للنخاسة شهدها التاريخ ...!
ثم استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في صناعة الشر عبر تاريخها حيث كان شرها على انواع متعددة منها الحروب المباشرة على الشعوب مثل الحرب الشرسة على شعوب الهند الصينية في فيتنام و لاوس أو من خلال الانقلابات التي اشرفت على تنفيذها الماكنة المخابراتية الأمريكية ال ( CIA ) و فروعها المنتشرة في العالم التي اطاحت بحكومات عديدة في القارات الثلاث اسيا و افريقيا و امريكا اللاتينية , و السبب هو أن تلك الحكومات كانت وطنية تريد مصلحة شعوبها كالانقلاب الذي اسقط حكومة الليندي في تشلي و اسقاط حكومة مُصدّقْ في ايران على اثر تأميمه لشركات النفط الأجنبية العاملة في ايران و عشرات الأمثلة الأخرى .
و مِن صور الغطرسة الأمريكية المصحوبة بالهمجية تلك الحرب التي شنتها القوات الأمريكية على العراق لإجبار صدام حسين على سحب الجيش العراقي من الكويت حيث حذرت امريكا ( على لسان وزير خارجيتها جيمس بيكر العراق :
إن لم يسحب صدام حسين الجيش العراقي من الكويت فأن قنابلنا ستعيد العراق للعصر الحجري .
السؤال الذي يرفض المبهورون بأمريكا الإجابة عليه هو :
لماذا ارادت امريكا أعادة العراق الى العصر الحجري من خلال استخدام قوتها العسكرية الهائلة .... ؟ ألا يكفيها أجبار الجيش العراقي على الانسحاب من الكويت ... ؟ ما هذا الحقد و الغطرسة التي ملئت عقول قادة أمريكا بقصفهم لمئات الأهداف المدنية كمحطات توليد الطاقة الكهربائية و الجسور في بغداد و باقي المدن العراقية ...!؟ من المؤكد أن ليس لتلك الضربات الأمريكية الهمجية على الأهداف المدنية العراقية علاقة بإجبار صدام حسين لسحب الجيش العراقي من الكويت و إنما ارادت الإدارة الأمريكية من خلال تلك الضربات ايذاء الشعب العراقي المغلوب على أمره و تحقيق جزء من تحذيرها بإعادة العراق للعصر الحجري كما وعدت .... !
لقد وصل الأمر بالذين يسعون الى تلميع صورة التاريخ الأمريكي بإعطاء عذر و حجج لقادة امريكا في الحرب العالمية الثانية بارتكاب جريمتهم البشعة في ضرب المدينتين اليابانيتين هيروشيما و نكزاكي بقنبلتين ذريتين و ابادة سكانها المدنيين .... و الحجة هي اجبار اليابان على الاستسلام و تقليص فترة الحرب العالمية الثانية ...! في حين أن الحقائق تقول عكس ذلك إذ أن القوة العسكرية اليابانية قبل توجيه تلك الضربتين النوويتين كانت منتهية فلم يكن لدى اليابان اسطول بحري بعد أن تم تدميره من قبل الأسطول الأمريكي و لم يعد لليابان قوة جوية فقد تم تدميرها اما الدفاع الجوي الياباني فقد كان مشلولا بعد أن تم تدمير الجزء الأعظم منه .
قبل تلقي اليابان الضربات النووية لم تكن القوات العسكرية اليابانية محطمة فقط بل لم يعد لليابان حليف عسكري ايضا و ذلك بعد انتحار هتلر في 30-4-1945 و استسلام المانيا و قبلها انهيار النظام الفاشي في ايطاليا و مقتل موسوليني و تمكن قوات الاتحاد السوفيتي من الوصول للجزر اليابانية و السيطرة على بعضها .... مع كل هذا جاءت الضربة النووية الغير مبررة على مدينة هيروشيما حيث قتل حوالي 140 الف شخص من المدنيين في 6-8-1945 أي بعد اكثر من ثلاثة اشهر على انتهاء الحرب العالمية الثانية في أوربا ثم جاء الانتقام الأمريكي الثاني من اليابان بالضربة النووية على مدينة نكزاكي بعد يومين من قنبلة هيروشيما حيث قُتِلَ حوالي 80 الف من المدنيين و من أجل السخرية من اليابان و اليابانيين اطلقت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية على القنبلة الذرية التي استهدفت مدينة هيروشيما ب ( الولد الصغير ) و على القنبلة الذرية التي استهدفت مدينة نكزاكي ب ( الرجل البدين ) فأستسلمت اليابان رسميا في 9-8-1945 .
الغريب هو أن امريكا بعد الضربتين النوويتين على اليابان وافقت على الشرط الياباني الذي طالبت به اليابان مقابل الاستسلام و هو عدم محاكمة امبراطور اليابان أو اي من العسكريين اليابانيين كمجرمي حرب ... !
السؤال : لماذا اذن استهدفت امريكا اليابان بقنبلتين ذريتين و الإدارة الأمريكية موافقة على شرط اليابان الوحيد للاستسلام ... !؟ ربما فقط لتجربة القنابل الذرية و معرفة قدرتها على قتل مئات الاف المدنيين على ارض الواقع .
و حتى اكثر التبريريين من الأمريكان أنفسهم للضربة النووية الأولى على مدينة هيروشيما لا يستطيعون اعطاء مبرر يقبله العقل الإنساني للضربة النووية الثانية على مدينة نكزاكي و مع ذلك تجد المبهورين بالغرب عموما و بأمريكا خصوصا من ابناء الشرق يبررون تلك الضربات النووية التي استهدفت المدنيين بشكل مباشر و دون اية رحمة .
ثم يجري التاريخ و تأتي الحرب الباردة و تنتصر أمريكا و حلفائها فيها على المعسكر الاشتراكي فتتصاعد غطرسة الساسة الأمريكان بعد أن أصبحت امريكا هي القطب الأوحد في العالم على اثر تفكك الاتحاد السوفيتي السابق حيث اخذت هذه الغطرسة اشكالا جديدة مع التطور الهائل الذي حصل في وسائل القتل و التدمير .
مع هذه الصورة السوداء لأمريكا هنالك بارقة أمل , فقد شهد العالم سنة 2020 ظهور واسع في شوارع العديد من المدن الأمريكية احتجاجات لحركة انتيفا ( انتي فاشست ) الداعية الى محاربة الفاشية الجديدة في الغرب و قائدتها امريكا مع بروز انقسام كبير في المجتمع الأمريكي حيث طالبت شريحة واسعة من الشعب الأمريكي بإدانة الصفحات البشعة من التاريخ الأمريكي و كتعبير عن ذلك تم في تلك الاحتجاجات اقتلاع الكثير من التماثيل لشخصيات أمريكية ارتبط اسمها بإبادة سكان أمريكا الأصليين و بتجارة الرقيق و قد تم ايضا اقتلاع تمثال كرستوف كولمبس و رميه في البحر ... كان ذلك اشارة لبدأ ثورة ثقافية بيضاء لتكوين روح إنسانية لدى الأمريكي و ذلك من خلال الاعتراف الصريح بجرائم الأمة الأمريكية خلال تاريخها , و ما هجوم اتباع الرئيس الأمريكي السابق ترامب على مبنى الكونغرس الأمريكي و فشله و ادانته من قبل غالبية الأمريكان إلا دليل عن إن هنالك بداية لبناء امريكا جديدة تمسح أثام ماضيها و تطلب من شعوب العالم المغفرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات