الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرانكفونية الخطاب في مسرحية (YES GODOT)

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2021 / 10 / 4
الادب والفن


مقدمة
لم تعد فكرة قراءة العرض المسرحي ابتداءً من العنوان جديدة لكنها تظل فاعلة بوصفه أي العنوان عتبة حقيقية للقراءة والتفكر في عرض مسرحية(yes godot) إعداد واخراج (أنس عبد الصمد) عن مسرحية (في إنتظار غودو) للكاتب الفرنسي (صموئيل بيكيت) تمثيل (انس عبد الصمد ، محمد عمر، صادق عبد الرضا، اليسار الربيعي، فاطمة أبو هارون)، والذي عرض ضمن فعاليات مهرجان العراق الوطني للمسرح ، والذي أقامته نقابة الفنانين العراقيين بالشراكة مع الهيئة العربية للمسرح في بغداد، وحصل على الجائزة الكبرى في المهرجان.
وأول ما يمكن الذهاب إليه في البحث عن مقترحات التفكير التي دفعت بالمخرج إلى إتخاذ عنوان (yes godot) بالرغم من ان العرض لا يبحث عن (غودو) فالمخرج ذهب بإتجاه تبني خطاب الإطاحة الذي تجسد في طروحات (رولان بارت) حول (موت المؤلف) ، فراح يؤسس فرضيته الاخراجية بإتجاه استعداد شخصيات (بيكيت) للإطاحة به ، لذلك نذهب إلى إستعارة أفكار المخرج ومحاولة الذهاب بإتجاه تحويل العنوان إلى (yes becket ) وهي إحالة دالة على الرفض ، ففكرة إزاحة المؤلف تأتي ضمناً لإزاحة فكرة الانتظار نفسها ، وقد عمد المخرج إلى التأكيد على تلك الفكرة عن طريق تجسيده في مشاهد عدة الرغبة في الإطاحة بالمؤلف وأفكاره ، وما مشاهد (تمزيق الكتب ، او غلسها بالصابون ، او حبس الرأس البشري في قفص العصافير ) إلا محاولات لتجاوز تلك الأفكار التي وجد المخرج إنها لم تعد تتوافق مع العصر وما فيه من متغيرات ، فماذا يعني أن ننتظر مخلصاً لا يأتي ،لذلك نجده يعبر عن فكرة رفض الانتظار بأفعال حركية دالة وبصيغ متباينة.
النص الدرامي والنص التعبيري :
ذهب المخرج إلى اختيار نص (في إنتظار غودو) لما فيه من مضامين متباينة قابلة للقراءة والتأويل ، فنراه يختار القراءة العكسية لثيمة الإنتظار التي طرحها (بيكيت) وعمل المخرج على رفضها وتهشيمها ، والعمل على مواجهتها بوصفها فكرة تنتمي إلى زمن غابر ما عاد لفكرة إنتظار المّخلص حضور في المجتمعات التي بدت في تحول دائم .
إن فكرة اجتراح قراءة عكسية لم تجعل من المخرج قادراً على الخلاص من افكار المؤلف الذي سعى جاهداً إلى الإطاحة به ، فنراه يستعير البيئة النصية التي إقترحها (بيكيت) ، (مكان قفر ، وشجرة ) وهي من ثوابت النص التي راح المخرج يبحث في فعل التأكيد عليها ومن ثم رفضها. من دون أن يسعى إلى الإطاحة بالمكان المتأسس في النص ، بل نراه يعمل على إنتاج فضاءه الخاص دخل فضاء النص ، فضلا عن ذلك فإن المخرج عمل على مغادرة الملفوظ النصي بوصفه معطى درامي، والبحث عن منطلقات مختلفة للتعبير يأتي التعبير بالجسد وتوظيف الايماءات والتعبيرات الصوتية في طليعتها، وتحويل القليل من الملفوظ النصي إلى خطاب غير مباشر يأتي عن طريق التسجيل لشخصيات (بيكيت).
فضاء العرض الفرانكفوني:
لجأ المخرج إلى محاولة تجسير العلاقة بين فكرة الإنتظار ومضمون الإستهلاك ، فالإنتظار حالة إستهلاكية للزمن كما هي المدينة الاستهلاكية التي هيمنت عليها طائرات الآخر وبضائعه الإستهلاكية التي تمثلت في (أغطية المواد الكهربائية) والتي بدت علامة دالة تشير إلى صناعات إستهلاكية تندرج تحت موجودات الفعل العولمي ، والتي عمل المخرج على ترحيلها في مواضع مختلفة من العرض وصولاً إلى تدميرها (أي تدمير المفردات) ، وقد نختلف هنا مع المخرج في فعل التدمير الذي سبق له وأن تجسد فعلياً عن طريق تصغير أحجام الأجهزة الاستهلاكية (المدينة الاستهلاكية) ، وهو بحد ذاته فعل جمالي يحيل إلى التدمير بمعناه الرمزي ، من دون اللجوء إلى خلق فوضى بصرية في فضاء العرض ، لم يكن العرض بحاجة إليها فهي فعل تأكيدي على ما هو مؤكد اصلا..
من جهة اخرى فإن إختيار المخرج للعديد من المفردات التي لا تتساوق مع البيئة المحلية دفعت به إلى تأسيس فضاء مسرحي يركن إلى المنظومة الفرانكفونية ، فجميع مفردات العرض بما فيها الأصوات التي تم تسجيلها وهي على ما يبدو لشخصيات انكليزية جسدت شخصيات (بيكيت)، (فلاديمير وستراغون) في عروض مسرحية سابقة ، وهو امر يدعو للتساؤل ، لماذا لم يلجأ المخرج إلى اللغة الفرنسية ، وهي لغة النص الاصلي ، وذهب بإتجاه التجسيد باللغة الانكليزية ، وثمة تساؤل آخر يؤكد فكرة الإحالة الفرانكفونية التي دفعت بالمخرج إلى مغادرة النص باللغة العربية أيضاً بحثأ عن التواصل العالمي وهو ما تحقق له ، من دون ان يأخذ في حساباته المتلقي المحلي الذي لا ينتمي إلى الثقافة واللغة الفرانكفونية، ولم يقتصر الأمر على اللغة فحسب ، بل إن المخرج ذهب بإتجاه توظيف عادات وتقاليد المجتمعات الأوروبية ، وما إحالة رمي البيض على صورة (بيكيت) إلا طريقة غربية للإحتجاج والرفض ، لم تبدو مألوفة في المجتمع المحلي ، بل هي إحالة فاعلة ومنتجة لإسلوب الرفض الفرانكفوني، وهو أي المخرج غادر على نحو قصدي أي فكرة يمكن ان يتم ترحيل (البيض) إليها سواء بوصفها (جنينا، او مستقبلا) بل راح يؤكد على صيغة الرفض التي يتخذها الانسان الأوروبي في التعبير عن عدم إعجابه بالمقترحات التي تقدم له، ولم يكتف المخرج بصناعة عرض ينتمي إلى فضاء الآخر ، بل نراه يؤكد بين حين وآخر على فكرة التكرار التي هي من متبنيات مسرح اللامعقول والتي قام عليها نص (في إنتظار غودو) في محاولة منه لإستدراج المتلقي إلى فكرته الرئيسية.
الاداء التمثيلي وسلوك التعبير الحركي :
تنتمي التجربة الادائية التي إختارها المخرج والممثل (انس عبد الصمد) إلى المزاوجة بين مجموعة من الاداءات التي تغادر الفعل اللفظي وتعتمد على نحو أساس على الفعل الحركي ، وهو ما بدا واضحاً في سلوك الشخصيات كلها ، ولم يركن المخرج إلى صيغة محددة في الأداء ، بل نراه راح يذهب بإتجاه مقترحات (هانس ليمان) في طروحاته حول (مسرح ما بعد الدراما) الذي يشكل الجسد وأفعاله الحركية فيه حضوراً طاغياً على النص اللفظي ، وهو ما دفع بالمخرج إلى الاعتماد على تقنية تسجيل اصوات لممثلين ، من دون أن يبحث في إختيار تجسيد الاداء الصوتي حضورياً على خشبة المسرح ، وهي إحالة رفض جديدة يتبناها المخرج تجاه (المؤلف/ بيكيت).
من جهة اخرى فإن إختيار المخرج أزياء متطابقة في اللون لشخصيات المسرحية الرئيسية التي جسدها كل من ( انس عبد الصمد، محمد عمر) يدعو للتساؤل حول ماهية هذا التطابق اللوني بالرغم من الاختلاف الواضح بين الشخصيتين في السلوك الجسدي والادائي؟ بينما نجد أن المخرج ذهب بإتجاه خلق تنوع في الأزياء بالنسبة للشخصيات الاخرى التي تظهر فيها الإحالة إلى شخصيات (بوزو ، لاكي) في النص الأصلي، بوصفهم شركاء الانتظار في النص وشركاء الرفض والإطاحة بالمؤلف في العرض.
وقد عمل المخرج على إضفاء صفة التأنيث عليها بالرغم من محدودية أفعالها في العرض ،إلا ان العلامات التي تكشفت عنها بدت تشير إلى أن فكرة رفض الانتظار لم تعد فكرة ذكورية كما أسس لها (بيكيت) ،وهي إحالة أخرى إلى المجتمع الفرانكفوني الذي يؤمن بالتعدد وحرية المرأة ، على العكس من المجتمعات التي تهيمن فيه الثقافة الذكورية وسطوتها.
ويبدو أن المخرج أراد إستدراك البعد الفرانكفوني الذي ذهب إليه العرض فإختار العودة إلى البيئة المحلية عن طريق توظيف الشاشة التي تبث صورا للمدن العتيقة والتي توزعت فيها صور المؤلف (بيكيت) وصار ينتمي إليها ، ترافقها أغنية من التراث العراقي ، وهي إحالة واضحة إلى أن الانتظار بوصفه ماضياً لا يمكن له ان يكون حاضراً ، وقد بدت الأغنية التراثية بعيدة عن جنس العرض ومتبنايته البصرية التي تشير إلى نسق مغاير ينتمي إلى الفضاء الفرانكفوني شكلاً ومضموناً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة