الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن البشر لن ننعم أبداً بالحياة على كوكب المريخ، أو أي مكان آخر بجوار الأرض

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 10 / 5
السياحة والرحلات


في أعقاب سنة حافلة بالجهود الاستكشافية للكوكب الأحمر، تَخلُص عالمة الفلك بجامعة جنيف سيلفيا إكستروم ومعها المصمم خافيير نومبيلا إلى استنتاج مفاده أن رحلاتنا إلى المريخ هي مهمة الروبوتات وستبقى كذلك.

7 أبريل 2021

هل يستطيع البشر تحمل عناء الرحلة إلى المريخ؟

لقد تشكل الجسم البشري عبر ملايين السنين من التطور على الأرض. ومن ثم أصبح متكيفاً بشكل كامل مع بيئة خاضعة لشروط معينة من الجاذبية والضغط ومحمية من الإشعاع الشمسي والمجري بفضل الحماية المزدوجة التي يوفرها الغلاف الجوي والغلاف المغناطيسي للأرض. فإذا ما خرج من نطاق هذه البيئة سيعرض نفسه لإجهاد فسيولوجي هائل.

تكمن المشكلة الأولى فيما تسمى الجاذبية الصغرى، والتي تحمل عدة مخاطر:

لين العظام: يفقد رواد الفضاء الكتلة العظمية بمعدل أسرع 12 مرة من النساء بعد انقطاع الطمث؛

فقدان الكتلة العضلية: عند انعدام الجاذبية تصبح الحياة سهلة لعضلاتنا لدرجة تؤدي لاضمحلالها؛

ضعف القلب: من دون بذل الجهد، يزداد القلب ضعفاً واستدارة؛

تتدفق السوائل (الدم والجهاز اللمفاوي) صعوداً إلى الأجزاء العليا من الجسم. ونظامنا الوعائي مصمم بالكامل لمقاومة الجاذبية والضخ لأعلى، وهي الوظيفة التي يواصل تأديتها حتى بعدما تتلاشى الجاذبية؛

مخاطر جلطات الدم: كنتيجة للنقطتين أعلاه، تصبح الدورة الدموية أكثر بطئاً وبالتالي عرضة للجلطات؛

اضطراب الأذن الداخلية: يعمل هذا العضو المسؤول عن حفظ توازننا بفضل ثقل بلورات صغيرة على خلايا الشعر، وبدون الجاذبية يضيع كل ذلك.

إلى حد ما، يمكن تعويض فقدان الكتلة العضلية وضعف القلب من خلال نظام صارم من التمارين اليومية. في محطة الفضاء الدولية يؤدي رواد الفضاء ساعتين من تمارين اللياقة المكثفة (تدريبات القلب وبناء العضلات) يومياً، ورغم ذلك يعانون من الضعف الشديد لدى عودتهم إلى الأرض. كما يمكن أيضاً تعويض لين العظام من خلال تمارين رفع الأثقال لكنه يظل أحد المخاطر الصحية المحدقة برواد فضاء المريخ المحتملين، وقد يفتك بهم هناك. كما تمثل مشاكل الأوعية الدموية خطورة بالغة أيضاً.

حدود الجاذبية الاصطناعية والإشعاع والنفس البشرية

هل يمكن خلق جاذبية مصطنعة على المركبة الفضائية المتجهة إلى المريخ؟ من المعلوم أن قوة الطرد المركزي في نظام دوار تنتج تسارعاً يمكن استخدامه لخلق معادلاً للجاذبية. لكن لسوء الحظ لا توجد المساحة الكافية على متن السفينة الفضائية لتركيب جهاز طرد مركزي يقضي فيه رواد الفضاء بضع ساعات كل أسبوع، أو بما يكفي للحد من الأضرار الفسيولوجية للجاذبية المصغرة.

هل يمكن تدوير المركبة الفضائية ذاتها؟ في أفلام هوليوود السينمائية، نعم، الأمر سهل! لكن في الحياة الحقيقية، القصة مختلفة. إذا علمنا أن المركبة الفضائية الدوارة قادرة على حل المشكلات المرتبطة بانعدام الوزن، فإن حقيقة عدم استثمار أي وكالة فضاء في مشروع من هذا النوع هي برهان قاطع على استحالة الفكرة نظرياً وفنياً ومالياً.

تكمن المشكلة الرئيسية الثانية التي ستواجه رواد الفضاء المسافرين للمريخ في المستقبل في الإشعاع المنتشر عبر الفضاء. فالحماية المزدوجة التي يتمتع بها كوكب الأرض (بفضل الغلاف الجوي والغلاف المغناطيسي) تصد أو تعكس جزئياً أشعة يو في وتصد بالكامل أشعة إكس وأشعة جاما فضلاً عن جسيمات الرياح الشمسية والأشعة الكونية. هذه الحماية تقارن بما يعادل جدار خرساني سمكه 30 متراً، أو درع بسمك 80 سنتيمتر مصنوع من الرصاص. لذا بمجرد أن يغادر رواد الفضاء هذا الساتر الطبيعي، لابد أن تتوفر لهم الحماية بطرق أخرى، بواسطة عزل السفينة الفضائية و/أو الدروع الواقية الفردية. لكن رغم هذه الحمايات، تشير التقديرات إلى أن رواد فضاء المريخ سيستقبلون الحد الأقصى المقبول من الإشعاع خلال حياتهم المهنية كلها كرواد فضاء في مهمة واحدة، مع استقبال أجسادهم لأكثر من نصف تلك الإشعاعات أثناء رحلتي الذهاب والإياب فقط.

تكمن المشكلة الرئيسية الثالثة كما حددتها وكالات الفضاء في النفسية البشرية. ويعرض رائد الفضاء الفرنسي توماس بيسكيت مثالاً جيداً للضغط النفسي على رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية: تعرف أنك ستواجه المشاكل حتماً أثناء تأدية المهمة، ولا تود أن تكون أنت السبب. الضغط الواقع على الطاقم المتجه إلى المريخ سيكون أكبر بدرجة غير محدودة، حيث لن تتاح لهم فرصة للنجاة في حالة حدوث مشكلة خطيرة. في محطة الفضاء الدولية يمكن إرجاع رواد الفضاء إلى الأرض خلال ثلاث ساعات. لكن رواد المريخ سيتركون لمصيرهم لنحو سنتين ونصف السنة من عمر مهمتهم، مع العلم أن أبسط خطأ أو عطل، سواء فني أو بشري، قد يؤدي إلى مصرع كل أفراد الطاقم. من المستحيل اختبار هذا الموقف النفسي على الأرض. صحيح أن تجربة العزل النفسي المريخ 500 التي أجرتها وكالة الفضاء الأوروبية قد ساهمت في تحديد الوسائل للتعامل مع الأزمات، بيد أنها لا تعبر بأي حال عن الظروف الحقيقية لرحلة إلى المريخ.

هل يستطيع البشر التكيف مع الإقامة على المريخ؟

المريخ ليس من الكواكب الصالحة للسكنى. وهذا القول ليس من سبيل المبالغة، بل بالأحرى انعكاساً لاستحالة الحياة الطبيعية للكائنات العضوية مثلنا على الكوكب الأحمر. المشكلة الرئيسية هي في ضعف الغلاف الجوي على المريخ: لا يتوفر للكوكب الأحمر سوى 0.6% من ضغط الأرض عند مستوى البحر، أو ما يعادل ضغط الأرض على ارتفاع 35 كيلومتر (22 ميل). هذا يعني استحالة وجود المياه في حالة سائلة على المريخ. كما أن الطبقة السطحية من تربة المريخ مغطاة بالأتربة الصخرية، التي اكتُشف مؤخراً تلوثها بالمواد الفوق كلورية، البالغة الخطورة على الكائنات العضوية الحية.

بغرض البقاء تحت هذه الظروف، قد يتعين تشييد فقاعة صالحة للسكنى باستطاعتها تأدية عدد من الوظائف: تخليق غلاف جوي فعال يحتوي النسبة المطلوبة من الأكسجين، والحفاظ على درجة الضغط التي تحفظ انتصاب الأجسام البشرية، والحماية ضد الإشعاع وتلبية الاحتياجات اليومية.

سيعتمد حجم الفقاعة على عدد الأشخاص وطول مدة الإقامة. عند الحد الأدنى، سيحتاج رواد الفضاء إلى بذلة فضائية مضغوطة تسمح ببقاء شخص واحد على قيد الحياة لبضع ساعات (كما في حالة الجولة الفضائية خارج محطة الفضاء الدولية أو على القمر). لكن بالنسبة لعدة أشخاص عبر مدة تصل إلى عدة أشهر، لابد أن تكون الفقاعة بحجم بناية سكنية كاملة (مزودة بمطبخ وغرف نوم ومرافق صحية الخ) ولابد أن تحتوي نظام لإعادة تدوير الهواء والماء فضلاً عن استيعاب المؤن اللازمة من الأطعمة والأجهزة. وكلما كبرت الفقاعة، كلما أصبحت التحديات الفنية أكثر تعقيداً وأكثر كلفة، إلى حد أن تصبح مستحيلة التصور.

ما هو المغزى من السفر إلى المريخ؟

لا شيء؟ من بين الحجج لإرسال البشر إلى المريخ أنهم أكثر كفاءة على الأرض من الروبوتات ولذلك يمكنهم التعرف على الكوكب بصورة أفضل. في المقابل، يظهر التقدم المحرز على مدار الأجيال المتعاقبة من المسابر الروبوتية أن المعرفة التي توفرها تحقق تقدماً سريعاً، رغم المآخذ عليها. فالميزة التي لا جدال فيها والتي تمتاز بها المسابر الروبوتية هي أنها لا تحتاج إلى أن تأكل أو تشرب، ولا تحتاج إلى أن تعمل تحت شروط ضغط الأرض. بل يكفيها الحد الأدنى من الحماية لإليكترونياتها. إن التكلفة التقديرية لمهمة بشرية واحدة قد تعادل تكلفة 40 مهمة روبوتية مثل التي أنجزها المسبار بيرسيفيرانس.

أكثر من ذلك، يمكن تعقيم تلك المسابر لدى مغادرتها للأرض وفقاً لمعايير قانون حماية الكواكب، الذي يهدف إلى تفادي تلويث الأماكن التي نزورها في النظام الشمسي. هذا مستحيل مع البشر: بنشر بضع أفراد من نوعنا على المريخ، نحن ننشر أيضاً بلايين من البكتريا من الأرض. وحتى لو كانت فرصة بقائها على المريخ محدودة للغاية، لكنها ليست منعدمة وتهدد بإرباك الإجابة على السؤال الرئيسي حول دوافعنا وراء دراسة المريخ: هل كانت هناك حياة خلال المراحل الأولى لنشوء هذا الكوكب؟
____________________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.swissinfo.ch/eng/we-will-never-live-on-mars--or-anywhere-else-besides-earth/46510576








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة