الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- ثقافة القبح - تفسد حقوق المواطنة

محمد فُتوح

2021 / 10 / 5
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


----------------------------------
يبدو أن أحلام وتطلعات العاملين النشطاء فى مجال البيئة العربية ، قد اقتنعت بضرورة الاصلاح البيئى ، كمدخل أساسى ، فى أجندة الاصلاح .
فهناك مؤتمرات عربية للأمن البيئى ، التى وصلت بعد جهد طويل ، الى توصيات غير مسبوقة لحماية البيئة العربية . وقد أدركت موطن الداء ، حيث أننا لا نفتقد الى أفكار ، ولكن الى ارادة لتطبيق هذه الأفكار ، المحبوسة فى الأدراج . ولذلك فقد أوصت بتحويل " الأحلام البيئية " ، الى واقع فعلى ، واسلوب يومى فى الحياة .
على سبيل المثال ، تهدف فكرة " المنتدى العربى للبيئة " ، إلى تقديم العون اللازم لقيام مشروعات حماية البيئة العربية ، ومشروعات الحفاظ على الموارد العربية ، وتنميتها ، ولأن إقامة هذه المشروعات غير ممكن بدون الإطار النظرى السليم ، فإن فكرة " المنتدى العربى للبيئة " ، تهدف إلى نشر الثقافة البيئية ، وتدعيم " التربية البيئية " ، على مستوى جميع القطاعات.
من التوصيات المهمة أيضاً للمؤتمرات العربية للأمن البيئى ، هى ضرورة صياغة " إستراتيجية عربية جديدة " ، تحدد كيف يمكن للقطاع الخاص المساهمة فى الإدارة البيئية ، وكيفية دعم المشروعات البيئية ، عن طريق إدخالها فى نظام التأمينات على مشروعات التنمية ، وكيفية تشجيع رأس المال الخاص فى الاستثمار فى مشروعات حماية البيئة ، والحفاظ على الموارد.
وسمعنا أيضا عن تدريس مادة " التشريعات البيئية " ، فى كليات الحقوق على المستوى العربى ، مما يصب مباشرة فى تكوين " العقلية البيئية " التى نطمح إليها ، أو " الثقافة البيئية " ، التى بدونها تصبح كل التوصيات ، حبراً على ورق.
ويرتبط بهذا الحل ، المطالبة بضرورة خلق آليات ، أو أدوات قانونية ، تختص فقط بالفصل فى المنازعات البيئية للشركات متعددة الجنسيات.
ولأن جزءاً لا يستهان به من مشكلات التلوث البيئى ، أو المشكلات الناتجة عن عدم استخدام تكنولوجيا " صديقة للبيئة " ، يعود إلى ضعف " تقييم " المشروعات البيئية ، والاستهانة بتقديم دراسات كاملة عن المردود السلبى ، والإيجابى لإنشاء المشروعات الاقتصادية ، نجد أيضا مطالبات بضرورة اعادة تقييم المشروعات البيئية ، و " توحيد " معايير التقييم بين الدول العربية . وأعتقد أن هذا منطقى ، فليس من المعقول ، ونحن نتكلم عن " تحول بيئى" ، الذى سيشمل كل البلاد العربية ، ونتكلم عن " الاستراتيجية البيئية " ، التى ستغطى البلاد العربية جميعها ، أن يحدث التخبط فى المعايير البيئية فى كل بلد.
إن " توحيد " معايير التقييم البيئى ، لا تعنى التغاضى عن " تفرد " ،
و " خصوصية " كل بلد عربى ، يقام على أرضه المشروع البيئى ، لكنه يعنى " تثبيت "
مجموعة من " المعايير" المتفق عليها ، والتى ثبت نجاحها فى تجارب أخرى ، ودول أخرى ، مع هامش من المرونة تواجه خصوصية البلد المعنى .
لقد أصبحت المشكلة الناتجة من المشروعات التى تعادى البيئة ، ومن غياب الثقافة البيئية ، أمراً خطيراً لا يمكن السكوت عليه ، أو تأجيله.
وإذا كانت البلاد العربية قد فشلت فى " التوحد " السياسى ، فربما تكون الاستراتيجية البيئية العربية ، والمنتدى العربى البيئى ، بداية مواتية لتحقيق نوع من الاتفاق والتوحد ، على مستوى حماية البيئة العربية.
هل يمكن أن تفتح قضايا البيئة ، صفحة غير مسبوقة ، للتعاون العربى الفعلى المشترك ؟. ؟ هل يمكن أن تحقق " البيئة " ، ما فشلت فيه السياسات العربية ، وما عجز عن تحقيقه مبدأ " اتفاق العرب على ألا يتفقوا " ؟؟.
إنه حلم ، أن تتحقق بيئة عربية نظيفة خضراء متوازنة ، متواصلة العطاء للأجيال المقبلة. ان أى تصورات خاصة باصلاحات سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ، لا تكتمل ، ولا تحقق التنمية المطلوبة الحقيقية ، بدون تصور واصلاح للأحوال البيئية .
أقول هذا لايمانى بأن جزءا اساسيا ، من حقوق المواطن المصرى والعربى ، هو حقه ، فى ألا يحاصره " القبح " ، وأن يتمتع بــ " اللمسة الجمالية " ، فى البيئة المحيطة . لمسة جمالية ، فى محيط نظيف آمن صحى .
كمواطن مصرى ، يعرف ، ويقدر ، ويعشق " الجمال " . الجمال الذى هو أحد الفروع الكبرى للفلسفة ، وهى " الحق " .. " الخير" .. و " الجمال ". وكذلك باعتبارى متخصصاً فى العلوم البيئية ، أجد غياباً واضحاً ، واهتماما نظريا فقط ، لما يمكن تسميته بــ " الإصلاح البيئى ". وأرى أن هناك تقصيراً ، فى الاهتمام بــ " الجمال " واللمسة الجمالية ، فى جميع أمور حياتنا ، وليس فقط فيما حولنا من بيئة مادية مثل البيوت ، والشوارع ، والميادين ، والمناطق العشوائية. بمعنى آخر ، نحن نعانى مما هو حقيقة مؤسفة ، وأطلق عليه " ثقافة القبح " . تماماً مثلما نعانى من " ثقافة الوصايا " ،
و" ثقافة امتيازات الذكور " ، و" ثقافة الاستعلاء الفارغ " ، و" ثقافة معاداة الجديد ".
لقد أفرزت لنا ، " ثقافة القبح " ، أنواعاً من التلوث البيئى ، تؤذى المواطن المصرى ، وتصيب " حقوق المواطنة " فى مقتل . نذكر التلوث البصرى ، من تفاوت ارتفاعات المبانى ، وتنافر ألوانها ، تناثر القمامة والقاذورات فى الشوارع ، الفضلات و " الكراكيب" التى تُخزن على أسطح المنازل ، غياب اللون الأخضر ، الإعلانات المختلفة التى تلصق على واجهات البيوت وفى الشوارع ، والملصقات التى توضع على وسائل المواصلات العامة ، دون انسجام ، أو نظام ، ويمكن أن نضيف أيضاً عوادم السيارات ، وأدخنة المصانع. ونذكر التلوث السمعى ، من فوضى وعشوائية استخدام الميكروفونات ، فى الجوامع ، وفى مناسبات الأفراح ، والمآتم ، ومع الباعة الجائلين.
إن " ثقافة القبح " والتى من بعض آثارها التلوث البصرى والسمعى ، أصبحت
" ثقافة شعبية ". أقصد أن " القبح " أصبح الحقيقة السائدة فى مجتمعنا .
كم من المرات التى شاهدت فيها ، عربات مكتوب عليها من الخلف " تجميل
القاهرة " ، وهى تبث فى الهواء ، أدخنة العادم بكثافة ، وتصدر أصواتا مزعجة عاليةمن الموتور .
ليس الخطر الحقيقى ، أن نعيش فى بيئة ليست صحية ، غير نظيفة ، تغيب عنها اللمسات الجمالية ، والمساحات الخضراء ، والتناغم فى أشكال المبانى أو ألونها. الخطر الحقيقى ، هو أننا قد " تعودنا " على هذا" القبح " ، والتعود يلغى إحساسنا أن هناك مشكلة ، ولابد أن تُحل .
نحن سواء كنا حكومات ، أو شعوباً ، لم يترسخ بعد ، فى عقولنا ، ووجداننا ،
" ضرورة الجمال " ، وأهمية تذوقه . مازلنا نعتقد أن الحرص على اللمسة الجمالية ، والنظافة ، والهدوء ، وتحقيق التناسق ، والتناغم كلها " رفاهية " أو " ترف ". هى ليست أساسية مثل توفير لقمة العيش ، أو السكن الرخيص ، أو التأمين الصحى. والبعض يظن أننا استوردنا مشكلات التلوث البيئى والحرص على الجمال ، من الغرب الذى لا يعانى من غياب الأساسيات.
لدينا جهاز لشؤون البيئة ، ولكن ليس لدينا " العقلية البيئية ". عندما انتهيت ، من دراستى للماجستير فى العلوم البيئية ، فوجئت بأن هناك كماً كبيراً ، متنوعاً من البحوث والدراسات البيئية سواء على مستوى الماجستير ، أو الدكتوراه. كلها مركونة فى الأدراج أو مخزونة فى المكتبات. لم يستفد بها أحد ، ولذلك أقول ، إن الاهتمام بالجمال البيئى ، أو الإصلاح البيئى ، مازال موضوعاً للاهتمام النظرى فقط. لكنه لم يصبح بعد جزءاً أساسياً من فلسفة التطوير ، والإصلاح. فقد يقرأ المسؤولون توصيات عديدة ، عن ضرورة وجود اللمسة الجمالية ، فى البيئة المحيطة ، ويعجبون بها ويثنون عليها . لكن الشارع المصرى ، والبيت المصرى ، والبيئة المصرية ، قصة أخرى مناقضة.
إن الحق فى حياة ، نظيفة ، خضراء ، صحية ، جميلة ، من أساسيات حقوق المواطنة وليس فقط مجرد الحق فى الحياة .. أى حياة .. وإن حاصرها القبح والتلوث والضوضاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأعتناء بالبيئة
عبد الفادي ( 2021 / 10 / 5 - 23:46 )
شكرا استاذ محمد على هذه المقالة المفيدة . كما يرغب ويحلم الإنسان ان يمتلك بيت انيق وجميل ايضا عليه التفكير بالأعتناء بالبيئة التي تكمل اناقة مسكنه لأن احدهما يكمل الآخر . الأعتناء بالبيئة له علاقة قوية بعملية تخطيط المدن ، فمعظم العواصم العربية لم تتواجد ابنيتها نتيجة التخطيط المسبق بل اضيفت ابنية على ما موجود وغالبا ما تكون الإضافات على حساب المناطق الخضراء ، فعندما يتم اعداد التخطيط الأساسي للمدينة تحتسب عرض الشوارع والمناطق الخضراء والتجمعات التعليمية والسكنية والمستشفيات بموجب معلومات لجدوى المشروع المعدة مسبقاً وفق دراسة علمية تناسب وظيفة كل مبنى، وعليه ارى ان معظم العواصم العربية لا تصلح معماريا وبيئيا ان تسمى عاصمة متقدمة مدنيا بل يجب الشروع ببناء عواصم جديدة بديلة وفق المعايير البيئية بحيث تبنى على مراحل وفق التخصيصات السنوية المتوفرة . هناك امل من التخلص من عوادم السيارات حيث معظم الدول المتقدمة ستبدأ مستقبلا بتطبيق نظام تسيير السيارات الكهربائية وسيتوقف انتاج السيارات التي تعتمد على البانزين وهذه خطوة صديقة للبيئة طبعا ، تحياتي

اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس