الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-تونس المريضة حسّا ومعنى-/ عنق الزّجاجة ومرض التّوهّم

الطايع الهراغي

2021 / 10 / 5
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


"خطأ المثقّف يكمن في الاعتقاد بأنّه يمكن للمرء أن يعرف دون أن يفهم"
(انطونيـو غرامشـي/ 1891--1937)
"المثقّف هو الشّخص الذي يتدخّل في ما لا يعنيه ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة "
(جــون بــول سارتــر/ 1905- 1980)
"لكي يصبح المثقّف ثوريّا عليه أن يكفّ عن كونه من فئة المثقّفين"
(روزا لوكسمبــورغ/ 1871-1919)

"تونس المريضة حسّا ومعنى" هكذا اختزل ابن أبي الضّيّاف (1802- 1874) في كتابه "إتحاف أهل الزّمان...." حالة تونس زمن البايات. وتونس اليوم تتالت عليها الخطوب، حالها نسخة ممّا أورده الجنرال حسين(1828 -1887)في رسالة شهيرة تعدّ مرجعا لما كانت عليه الأوضاع في ظلّ حكم البايات " طفت الممالك بأرضنا هذه وما وراء البحار فما عثرت على مملكة قاسمتنا همومنا ولا سمعت بأشخاص فعلوا بأهالي إيّالتهم مثلما فعلتم".كان ذلك سنة 1863،سنوات قبل الاحتلال الفرنسيّ.

1- العبــث السّياســيّ
محاولات إحياء مشهد ما قبل25 جويلية والدّفاع عنه جريمة سياسيّة،أبطالها يراودهم الحلم بأن يحكم الأموات من قبورهم الأحياء، وانخراط بعض من "بني جلدتنا "في الذّود عنه فعل غير مسؤول لا يليق بإرث قوى تصرّ على أنّها مدنيّة وتقدّميّة وملتصقة بهموم النّاس ، إن لم يكن عبثا سياسيّا بكلّ المعاني الأخلاقية والأدبيّة والسّياسيّة، يصحّ فيهم ما قاله حسن نصر الله زعيم حزب اللّه في الحكّام العرب أيّام الاجتياح الصّهيونيّ للبنان (تمّوز2006 )والاستفراد بالمقاومة اللّبنانيّة "لا نريد منكم شيئا، فقط كفّوا عنّا". مقدّمات الدّفاع عن شرعيّة المؤسّسات واهيّة لأنّ القائمين على هذه المؤسّسات بعضهم حوّلها إلى غنيمة، والبعض الآخر جعل منها نقمة ومنبرا للتحكّم (وليس الحكم )،وجميعهم داسوا على شرعيّتها (يُفترض أنّها شرعيّتهم) وأجرموا في حقّ شعب تاق إلى الحرّيّة ودفع الثّمن باهضا بأن أزّموا وضعا أزماته متناسلة بطبعها وأملوا حلاّ مأزوما من صلب منظومة مأزومة.
عندما يصبح ترذيل الحياة السّياسيّة قاعدة وسياسة ممنهجة ومقصودة تتجاوز الخطاب إلى الممارسة(لعلّ البعض واجد في ذلك كلّ المتعة)ويُحرّف دور المرفق العام- وليس فقط المؤسّسات- ويفقد دوره كخادم للشّأن العامّ ، يتحول السّياسيّون المنتخَبون إلى عبئ على من انتخبهم وتمجّهم المخيّلة العامّة وتُـنزع عنهم وعن المؤسّسات كلّ مشروعيّة. تتهمّش السّياسة لتصبح "لعب عيال" ومجال تندّر.أمّأ الهدف فواضح،إلجام "العامّة" عن "الكلام" (الشّأن السّياسيّ جزء منه) لتستفرد "الخاصّة" بكلّ الكلام.
الانسداد المطلق المطبق واللاّقابليّة للحكم يسفّه عمليّا وميدانيّا أيّ حديث عن الشّرعية والمشروعيّة (وبقيّة اشتقاقاتها) والانتخابات وتمثيليّة المؤسّسات ويطرح إحالة الحاكمين بأمرهم على التّقاعد الوجوبيّ المبكّر(لعجز ذهنيّ وليس بدنيّا)
كأوكد المهمّات، إن لم تكن واجبا وطنيا.

2- الشرعّية المغدورة
مسؤولية التّرويكات التي تتالت على الحكم وتناسلت تناسل الأوبئة طيلة العشريّة السّوداء (العشريّة الضّائعة كما يصرّ البعض على تسميّتها) مضاعفة : فرّخت الأزمات ومططتها وسهّلت(إن لم تكن شرّعت) تمرير حلّ وهميّ مفتوح على آفاق وهميّة.وزادت النّخبة، المريضة برهاب الإسلام السّياسيّ مجسّدا في حركة النّهضة الطّين بلّة بتأسيس وترسيخ وجاهة الإنقاذ من داخل مؤسسّات الحكم بانقلاب مؤسّسة على مؤسّسة (أو مؤسّسات)، والدّفاع عن ذلك كاختيار ثوريّ محمول عليه قيادة السّفينة إلى شاطئ الأمان، والتّنظير له كحدث فارق ومفصليّ ترى أنّه يندرج (وليس يُدرج) في مسار استكمال انتفاضة 17ديسمبر2010 والتّشديد المجانيّ على خلوّه من الخروقات،والحال أنّ الأمر يتعلّق بمسألة سياسيّة، ملابساتها سياسيّة،وحسمها سياسيّ،وآخر ما يهمّ فيها مدى سلامة الإجراءات.
موقف النّهضة- وحزامها الدّاعم وأنصارها المغفّلين- مفهوم. فهي تبكي مجدا،كلّ الدّلائل تحيل إلى أنّه في طريقه إلى الضّياع. حالها كحال الرّاثي يعتقد أنّ إيفاء الفقيد حقّه يقتضي بكاءه بحرقة: (فإن متّ فانعيني بما أنا أهله // وشقّي علي الجيب يا ابنة معبد" (طرفة بن العبد)/"ابك مثل النّساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرّجال"(عائشة أمّ أبي عبد الله الصّغيّر آخر ملوك الأندلس).
قيس سعيّد مزهوّ باكتشاف نِعم ثورة القصر على بقيّة القصور(باردو/ القصبة) التي خلّصته من عذابات تقاسم الحكم مع ضرائر نكّدن عليه واجب التّمتّع بما يسمح به الدّستور في أحد تأويلاته.
أنصارالرّئيس الرّسميّون والافتراضيّون تاهت بهم السّبل وسُدّت عليهم المنافذ وطالت انتظاراتهم، فباتوا كالغريق يتعلّق بحبال الهواء ولِم لا بغريق؟.شعارهم، ندفع الأمور إلى نهايتها علّ شيئا ما يقع.
موقع الفاعلين السّياسيّين (اليسار أساسا) والموقف الملتبس ممّا يجري من أحداث متسارعة وعاصفة يبعث على الحيرة ويطرح أكثر من تساؤل حول مستقبل الفعل السّياسيّ الفاعل والمسؤول.دعنا من تلك المواقف الانفعالية حول تذرّر الأحزاب السّياسيّة وإفلاسها وانتهاء دورها، فهي أقرب إلى الامتعاض منها إلى التّحليل والرّصد، إن لم تكن غباء سياسيّا، امتعاض يجب أن يشكّل مدخلا لإدانة من تسبّبوا في تهجين الحياة السّياسيّة وإعدامها كمقدّمة ضروريّة للتّباين العلنيّ والرّسميّ مع المشاريع التي وأدت ما كانت الثّورة بشّرت به .

3-الثّنائيّــة المقيتــة
يستند اليسار إلى خلفيّة (خلفيّات) فكرية وسياسيّة وفلسفيّة وإرث نظريّ وعمليّ،وبالأساس تموقع وانحياز طبقيّ،على الاقل كما يكشفه خطابه، خلفيات تسهّل- مهما كان التّباين بين مكوّناته- التّوافق على مشترك لا يمسّ خصوصيّات أيّ مكوّن(هذا إذا سلّمنا بوجود تباينات وخصوصيّات جوهريّة).
قد( قد ) يتكئ البعض على صعوبة العوامل الموضوعيّة وتعقّدها وتشابكها لتبريرعجز اليسار عن احتلال مكان في مسرح الأحداث .فكيف نفسّر الإضراب عن التّفكير؟ وتخلّف الخطاب؟ والموقف غير الطّبيعيّ الذي تجسّد في العجز عن بناء موقف مستقلّ يحيل إلى هويّة وذاتيّة وتباين مع السّائد المترجم في اصطفاف قطيعيّ مع قطبيْ النّزاع ورفض للحلول المغشوشة والملغومة التي كانت دوما على الثورة وبالا،وما زالت؟ إشكال يبعث حقّا على الرّيبة. العجز تكرّس في اعتناق ثنائيّة مقيتة: *** مبايعة لأحد أضلع المنظومة الحاكمة وتبرير التّفرّد بالقرار والإجراءات والمخارج تحت وطأة رهاب حركة النّهضة الحامل الرّسميّ للواء الإسلام السّياسيّ في تونس والحلم بإخراجها من دائرة الفعل السّياسيّ بقطع النّظرعن الثّمن الذي سيكتوي به الشّعب التونسيّ، وليس فقط السّياسيّون.
*** التّمسك بشرعيّة موهومة حوّلت الانتخابات إلى مبايعة وإدارة الحكم إلى تحكّم والدّولة إلى مخزن والشّأن العامّ إلى تركة خاصّة والمواطنين إلى رعايا ،شرعيّة غير مأسوف على زوالها ،ومن اللاّئق إكرامها بتشييعها إلى مثواها الأخير والتّعجيل بدفنها.أمّا رثاؤها فمن المضحكات المبكيّات .
الموقف السّليم في اعتقادنا يتمثّل في تطليق الأوهام والقطع مع التردّد والتّحلّي بشجاعة الإصداع بالموقف وعدم الخضوع لأسر اللّحظة: التّملّص العلنيّ والرسميّ من منظومة ما قبل 25جويلية والدّفع في اتّجاه إجراءات تسدّ الباب أمام السّعي المحموم إلى إرساء( فرض ) حكم مطلق ،دولة "العادل المستبدّ " التي مجّها الشّعب التّونسيّ وثار عليها، وأحالها التّاريخ إلى الهامش وأصدر فيها حكمه كحقبة بائسة من ماض بائس، استعادته خليط من المأساة والملهاة والمهزلة .خلاف ذلك زرع في البحر وحرث في أرض بوار وتنكّر لإرث عريق في مقاومة الاستبداد والاستغلال بوجهيه الدّيني والمدنيّ. أمّا التّعلّل بصعوبة العوامل الموضوعيّة وتعقّدها وتشابكها وتقلّب المزاج العامّ وانحسار فعل اليسار وتأثيره فقد يشكّل يوما ما مدخلا وذريعة لتبرير التّزكيّات والالتفافات و حتّى أشنع الخيانات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟