الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثامنة عشرة

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2021 / 10 / 6
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


هاجم الناقد ديفيد ليبسكى أحد الكتاب فى مقال نقدى فى النيويورك تايمز لتضمينه كتاب مكونا من 207 صفحات " أكثر من 400 فقرة ذات جمل منفردة – وهى مؤشر بؤس راسخ يعرفه قُراء الكُتب ومصححوا أوراق الامتحان على السواء ".

ولكن ، مؤشر بؤس على ماذا ؟ الإجابة على الأرجح : التشوش.


يجب أن تتسق الأجزاء الكبيرة لقصة ما ، غير أن الأجزاء الصغيرة تحتاج بعض الصمغ هى الأخرى .


عندما تتسق الأجزاء الكبيرة ، نسمى ذلك اتساقا مريحا . وعندما ترتبط الجمل ، نسمى ذلك ترابطا .


يجادل عالم النحو البريطانى هنرى واتسون فاولر فى قاموس " الاستخدامات الحديثة فى اللغة الانجليزية " الذى لا يعوض والذى جمعه فى العام 1926 ، بأن " الفقرة فى الأساس هى وحدة فكر وليس طول ".


تفيد مثل هذه العبارة بأن كل الجمل فى فقرة ما يجب أن تكون عن الشيىء ذاته ، وأن تجرى فى تسلسل ، كما تعنى أيضا أنه بوسع الكتاب أن يقسموا الفقرات الطويلة الى اجزاء . غير ان عليهم ألا يلصقوا فقرات قصيرة وغير مترابطة ببعض.


هل من طول مثالى للفقرة إذن ؟

تتحدى جوان ديدون فرضياتنا عن الطول فى سلسلة الفقرات هذه من روايتها "ديمقراطية " :


" انظر الى الأمر بهذه الطريقة .

انظر الى شروق الشمس فى صباح ذاك الاربعاء من العام 1975 ، كما شهده جاك لوفت .


من غرفة العمليات فى مطار هونولولو .


والمطر الدافىء يهطل على المدرجات .


ورائحة وقود الطائرات النفاذة ".


من الممكن لخمس فقرات متتالية أن تكون على ذلك القصر ؟


وثلاث منها جُمل ناقصة ؟


هل من الممكن أن تصبح جملة ناقصة فقرة ؟


مرة أخرى وجدت أجوبة فى " الاستخدامات الحديثة فى اللغة الانجليزية ".


يشرع فاولر ، بفطنة نمطية ، فى اخبارنا بالغرض من الفقرة :


" الغرض من وضع الفقرات هو منح القارىء استراحة يقول له الكاتب " أفهمت ذلك ؟" إن فهمت ، فسأنتقل الى المسألة التالية ".


ولكن ، كم من الراحة يحتاج القارىء ؟ هل يعتمد ذلك على الموضوع ؟ أم على الصنف أو الوسيلة ؟ أم على صوت الكاتب ؟ .


وفقا لفاولر " ليس من الممكن ؟ أن توجد قاعدة عامة عن الطول الأمثل لفقرة ما ". إن تتابع القصيرة منها مزعج ، كما أن الطويلة منها متعبة ".


فى الفقرة الطويلة ، يستطيع الكاتب أن يطور حجة أو يبنى سردا بأستخدام كثير من الامثلة ذات الصلة .


إن طول الفقرة النمطية ، فى كتاب آن فاديمان " بطاقة صاحب الكاتب " يزيد على مائة كلمة ، وبعضها اطول من صفحة كتاب كاملة .


مثل هذا الطول يمنح فاديمان مساحة تتيح لها تطوير أفكار مشوقة مراوغة .

:
" فى بعض الأحيان عندما أقرأ عن الطعام ، فاءن كلمة واحدة تكفى لإطلاق سلسلة تفاعلية من الذكريات الترابطية .

إننى مثل وثنية الأحذية التى لم تعد فى حاجة الى رؤية ما ترغب به لكى تستثار ، بل يكفيها أن تلمح عبارة " حذاء ذو كعب عال ، مقاس 6 ونصف .

". كلما صادفت كلمة ( بلين ) الفرنسية التى تعنى " ممتلىء " تعود بى الذاكرة فورا الى سن الخامسة عشرة حيث كنت أخبر مضيفى الفرنسى ، بعد اكل حصة كاملة من ( لستروجون بوليت ) انى ممتلئة ، وهى صفة علمت لاحقا أنها تستخدم على وجه

الخصوص لوصف النساء الحوامل والأبقار التى آن لها أن تستحلب .


اما أسم طائر الترجمان ، فيقذف بى عشرة اعوام الى الوراء نحو رحلة استكشافية رافقتها الى القطب الشمالى الكندى ، حيث اصطاد عالم أحياء متخصص فى الدببة القطبية ، نصف درزينة من طيور الترجمان .

لقد نتفنا ريشها وقليناها وقضمنا العظام بشره افتراسى ، جعلنى أدرك فى لحظتها أننى لن أستطيع أبدا أن اصبح نباتية .

وفى بعض الأحيان يكفينى الحرفين المتلاصقين ( بى و تى ) لان أعيد الى الدفق الشعورى بالندم والجشع .

وبالتالى قد اكون الشخص الوحيد فى العالم الذى يسيل لعابه حين يقرأ كلمتى " تسمم بالتومائين ".

يستطيع الكاتب استخدام الفقرة القصيرة ، خصوصا بعد أخرى طويلة ، ليصل بالقارىء الى وقفة درامية مباغته .

تأمل هذا المقطع من مقالة جيم دواير فى صحيفة النيويورك تايمز ، التى كانت تتحدث عن مجموعة من الرجال يجاهدون للهرب من مصعد متوقف فى مركز التجارة العالمى، فقط باستخدام ممسحة غسيل النوافذ كأداة :

" مادروا أن حيواتهم ستكون وقفا على أداة بسيطة .

بعد عشر دقائق ، نقل صوت حى ، رسالة عبر جهاز الاتصال الداخلى ، لقد وقع انفجار ، ثم صمت جهاز الاتصال الداخلى . وتسرب الدخان الى مقصورة المصعد .

لعن أحد الرجال ناطحات السحاب ، وقام اطولهم ، السيد فونيكس وهو مهندس فى هيئة الميناء ، بوخز السقف بحثا عن بويب فيه .

وحاول الاخرون تحريك باب المصعد ، بتدعيمه بواسطة العصاة الخشبية الطوبلة لممسحة السيد دمشور .

لم يكن هناك مخرج ".

من الممكن إساءة استعمال هذا الاسلوب – فقرة من أربع كلمات بعد فقرة من ست وأربعين كلمة – بالإكثار منه ، لكنه أسلوب ذو تأثير قوى فى خلق المفاجأة .

من الممكن أن تؤدى فقرة متماسكة موحدة دور سرد مصغر ، حكاية تأخذ منحى جديدا فى المنتصف :


" ما أن شددت وتر قوسى حتى انطلقت التهليلات ، لكنى كنت لا أزال متوترا .


غير أنه مع تمريرى أصابعى المنتفخة على الاوتار ، عادت إلى مقاطع موتسارت متدفقة كأنها كثير من الأصدقاء المخلصين ، ولانت وجوه الفلاحين التى كانت متجهمة جدا قبل لحظة .


تحت تأثير موسيقى موتسارت العذبة ، كمثل أرض عطشى اصابها طل ، ثم فى ضوء المصباح الزيتى المتراقص ، طمستهم الغشاوة حتى صاروا واحدا ( مقتبس من " بلزاك والخياطة الصينية الصغيرة ".

إن منطق هذه الفقرة ، التى كتبها الروائى داى سيجى ، لهو السبب والنتيجة ، حيث يحدث التحول حين تُلين الموسيقى العذبة وجوه الفلاحين الصينيين .



هناك مثال آخر لا ينسى عن تحول منحى الفقرة ، يورده كتاب " كيف تفسر كرة القدم الكون ؟ " لفرانكلين فوير :


" بالنظر الى تقارير صحف تلك الفترة ، ليس من الواضح – على الاطلاق – أن الفريق اليهودى كان يتميز بمهارة فائقة ، غير أن القصاصات تذكر بالفعل المشجعين اليهود المفعمين بالحماس ، وعزم اللاعبين .

وقد وقعت أكثر تلك المباريات عزما فى أعظم لحظة فى تاريخ المنظمة الرياضية اليهودية ( هاكوش ) فى المبارة الثالثة ، ما قبل الاخيرة ، لموسم 1924-1925 .


انقض لاعب من الفريق المنافس على حارس فريق ال ( هاكوش ) المجرى المولد ، ألكساندر فابيان ، وهو ممسك بالكرة { هنا يأتى المنعطف } سقط فابيان على ذراعه ، فأصيب إصابة بالغة يتعذر معها استمراره فى المرمى على نحو معقول .


لم تكن تلك بالمشكلة التى تسهل معالجتها . لقد كانت قوانين تلك الايام تمنع الاستبدال فى أى ظرف كان .


لذا ، رجع فابيان الى المبارة وزراعه فى جبيرة ، وتبادل هو وزميله المواقع ، فانتقل الى الهجوم كجناح أيمن .


بعد مرور سبع دقائق من الإصابة الفاجعة ، شن فريق هاكوش هجمة عكسية . رمى لاعب يدعى إرنو شوارز بالكرة عند قدمى فابيان وقبل انتهاء المبارة بتسع دقائق ، سجل فابيان الهدف الذى حقق النصر بالمبارة وأكد فوز هاكوش بالبطولة ".


تساعد هذه الفقرة السلسة الكاتب على تطوير قصة متكاملة ضمن قصة ، بما فى ذلك الأحداث والعقدة والحل والمكافأة فى نهاية الأمر .


غير أن وجود فقرات كثيرة بهذا الطول ، يجتاح المساحة البيضاء على الصفحة ، والمساحة البيضاء صديقة الكاتب والقارىء كذلك .


يقول فاولر إن تقسيم الفقرات هو مسألة ذات صلة بالعين أيضا . فالقارىء سيتهيأ لأداء مهمته عن طيب نفس أكثر أن رأى ، منذ البدء أنه ستكون لديه مساحات للتنفس بين الفينة والأخرى ، مما لو كان ما يجده أمامه كمسار مارثون ".


والى الأداة التاسعة عشرة فى المقال القادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب