الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا الشعب ماشي، وعارف طريقي!

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2021 / 10 / 6
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


الشعب التونسي غير مُجاز في القانون مثلكم. وغير معني كثيراً بتفاصل الدستور وفصوله. إنّه معني حصرا بقضايا المعيشة والتشغيل والتنمية ومحاربة الفقر ومحاربة الفساد وباستقرار بلاده.

تأتي دائما في حياة كل شعب لحظة فرز، تجعله يعرف المنافقين الذين يشتغلون لحسابهم الخاص، والصادقين المنحازين لشعبهم. وهذه المحطات لها أهمية خاصة لأن كل الثورات تقوم باسم الشعب. ولكن في أغلب الثورات يجد الشعب نفسه مطروداً من نتائجها مرمياً في الهامش.

اليوم 3 أكتوبر 2021 هو لحظة من لحظات الفرز التاريخي بين اللصوص والمرتزقة والسياسيين العٍميان من جهة، وبين شعب تونس وقواه الوطنية الحقيقية من جهة أخرى. وفي هذا السياق، من الضّروري تذكير أصدقائنا القانونيين الشّكلانيين المتباكين على منظومة الخراب والإرهاب، والذين قادتهم نظرتهم المدرسية المجردة لفصول الدستور "المقدسة" إلى الوُقوف ضد شعبهم مبتهجين بثقافتهم الحقوقية التافهة التي تتخذها حركة النهضة سلاحا للتحيّل على الدولة وعلى المجتمع من جديد. نُذكر هؤلاء أنه عندما يُعامل الشعب باحتقار، ويُخدع، ويتمّ تجويعه، والاستيلاء على مقدرات بلاده، وتبديد مستقبل أجياله، لن يكون بوسعه احترام نتائج الانتخابات، خاصة حين تُثبت أبحاث محكمة المحاسبات أنها انتخابات فاسدة ومزورة. ولذلك عليهم أن يتواضعوا قليلا وأن يكفّوا عن شتم شعبهم ووصفه بالغوغاء، فالشعب الذي لا يدافع عن نفسه، لا يمكنه أن يهزم عدواً همجياً خرّب البلد وجوّع الناس وارتكب كبرى الجرائم في تاريخ تونس.

المسألة الثانية، الشعب التونسي هذا الذي يصفه بعض السّاسة التّافهين بالغوغاء هو شعب متمدّن وموحّد وحقيقي. ونكاد نجزم أنه الشعب الوحيد على وجه الأرض المتقدم على نُخبة بلاده. بحيث يخرج للشارع بطريقة سلمية لتصويب الأمور كلما ضاق به الحال. فيخلع الحاكم، ويعطي الفرصة لغيره، ويصبر، ويُجرّب، ويعاقب، ويعطي الفرصة من جديد ... وهكذا.
شعب فنان، يتكلّم رموز. يتظاهر بقراءة كتاب في شارع بورقيبة ردا على الجهل. شعب يغادر المدينة ليترك فيها الوالي وحيدا ردّا على الغباء والعنجهية. شعب ينزل لتنظيف الشوارع ردا على اتهامه بالعنف. شعب ينظم جنائز رمزية لدفن أحزاب سياسية فاسدة...
كل هذه الأحداث المملوءة بالرّموز، لا يفهمها هؤلاء الساسة المتنافخين، وهي دليل قاطع على تمدّن الشعب التونسي. ذلك أن الأنتربولوجيا تقيس تمدّن الشعوب بقدر ابتعادها عن العنف ولغة الغرائز، واقترابها من السلمية وتكلم لغة الرّموز.

إنك لا تستطيع تغيير قناعات شعب قديم كهذا الشعب، بمجرد ظهورك على شاشة التلفزة وترديد جمل غير مفهومة، بل أنت مطالب بالالتحام به وتبنّي همومه وتحويلها إلى برنامج كفاح إذا كنت في المعارضة. أو أنت مطالب بتحسين شروط وجوده، والارتقاء بمستوى حياته إذا كنت في السلطة. ولذلك يجد الناس مصالحهم مع قادة يشبهونهم، يتبنّون كفاحهم، ويعتقدون بأن السياسة رسالة أخلاقية، وليست منفذٓا وفرصة لقضاء مصلحة خاصة.

أمس هنالك أحزاب تعيش فراغا في مستوى القيادة، أصدرت بيانات تدعو لمقاطعة تحرّك 3 أكتوبر. وهنالك أحزاب أخرى تردّدت، ثم فضّلت الصّمت وتركت الأمور للعشوائيات كالعادة. وهذا يكفي لإقامة الحجة على أن قيادات هذه الأحزاب لا تفهم ماذا يجري، ولا تصلح للقيادة، وعليها أن تتنحّى بأسرع وقت. إذ كيف يمكن لحزب يساري أن يبقى قاعِدًا في بيته وشعبه في الشارع؟
الشعب لا يمكنه أن يجتمع في قاعة من القاعات. وإذا أدرك أن كل شيء مرهون بقراره وأن السلطات لا تستطيع فعل شيئ بدونه، فالشارع هو سلاحه ومكانه الطبيعي. ولأنه شعب مُجرّب وخبير بالحكّام، لم يُغنِّ للذكاء، وإنما غنَّى للنظافة لأنها الأكثر ندرة.

أخيرا، التوانسة ليسوا غوغائيين. وإن كان هنالك من أمل، فالأمل يكمن في هذا الشعب العزيز. ونحن نعرف على نحو إيمانيّ أن حلم هذه النخب المعزولة لا يختلف كثيرا عن أحلام الطغاة بالاستبداد بشعوبهم. ولذلك نراها في خندق النهضة تقف ضد التوانسة في معركة استرداد البلاد من الطغمة الفاسدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم