الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مارادونا كان كل شيء

ماريانيلا دابريل

2021 / 10 / 6
عالم الرياضة


نشر النص باللغة الانكليزية في موقع جاكوبين الالكتروني بتاريخ ٣٠ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٠

كان كل شيء، كان نابغة ومخادعاً واجتماعياً وبائساً، وكاذباً وكتاباً مفتوحاً. أحببناه كأرجنتينيين كما أحببنا أنفسنا: كثيراً وعلى الإطلاق. كما كرهناه لأنه لا يمكننا إلا أن نكره شخصاً نحبه حقاً، شخص مَنحنا الكثير من الفرح، عدة مرات، ومن ثم بدده بعيداً.

ذاكرتي الأولى عن مارادونا كانت لحظة غيابه. كان ذلك عام ١٩٩٨ خلال كأس العالم، يومها لم يكن ضمن صفوف الفريق.

في تلك الأيام، كما اليوم، كانت شركة بانيني والفيفا تنشر أسماء اللاعبين في كأس العالم. وكان الأطفال مثلي يجمعون العملات الورقية والمعدنية من أجل شراء ملصقات لوجوه اللاعبين ولصقها في مكانها المناسب من أجل إكمال كل فريق. بالطبع، تتمنى أن تنهي أسماء منتخبك الوطني أولاً. في ألبومي الخاص، كنت أنظر إلى وجوه لاعبي الأرجنتين- فيرون، سيميوني، كريسبو، زانيتي، باتيستوتا- وكنت أعلم، فقط أعلم، أن هذا الفريق، وبالتالي ألبومي، ليس جيداً كما يجب أن يكون ذات مرة. كان يفتقد للبريق.

أن أنمو في الأرجنتين خلال الـ ١٩٩٠ات يعني أن أعيش بشكل دائم على شفير الهاوية التي لم تكن مرئية لكنها كانت موجودة. هناك مجد عملة مقابلة عملة، بضعة سنوات مرت حين قرر المصرف المركزي تثبيت سعر البيزوس الأرجنتيني مقابل الدولار الأميركي في محاولة منه لتجميد التضخم وللتمكن بكل سهولة الانخراط في سوق الصرف الدولي. كان الأمر مصدر فخر غريب بالنسبة لبعض أبناء الطبقة الوسطى والطبقة العاملة الأرجنتينية التي كانت تبحث بشكل دائم عن شعور عميق بالهوية من خلال المقارنة: إذا كانت أهمية أموالنا موازية لأموالهم، يعني ذلك أننا بحالة جيدة كحالهم.

كان هناك تأثير للثقافة الأميركية، خاصة للصاعدين على السلم الطبقي، والتي جاءت ثروتهم من السياسة النقدية، مثل ماكدولاندز، والرحلات إلى ديزنيلاند، وتيشرتات غاب، ولون الشعر الأشقر، والفيزا، والبلاستيك، وبطاقات الائتمان. كل شيء كان في متناول اليد، جاهزاً للاستهلاك. ومن ثم، عام ٢٠٠١، حصل الانهيار الاقتصادي، الانهيار السريع، وخيبة الأمل المعبر عنها بمظاهرات تحت شعار “الكل غادر” في وقت خسر الناس كل ما ادخروه، كما اختبرت الأرجنتين وصول ٥ رؤساء إلى منصبهم خلال ١١ يوم، في هذا الوقت كانت البنوك تحترق.

إذا كان ما سلف هو جانب من خلفية طفولتي في الأرجنتين، الجانب الآخر كان مارادونا. كان، وكما قال عنه الناس- إنه أفضل لاعب كرة قدم في العالم، مسألة لا نقاش فيها؛ وإنه فقد القدرة على السيطرة على نفسه؛ وإنه كان محاطاً بالكواسر؛ وإنه كان مغروراً؛ وإنه كان رجلاً فقيراً مستفيداً من ذلك؛ وإنه كان محظوظاً بوجود زوجته كلوديا إلى جانبه- طبع جانباً من حياتي وحياة بلد بأكمله.

لم نكن نريده بالتحديد حتى يذكرنا أن الارتفاع الذي نصل إليه هو المسافة التي قد نسقط منها، ولكنه فعل ذلك. أعاد الروح إلى بلد بأكمله بعد سنوات من الحكم العسكري الديكتاتوري الدموي، تغلب على المنتخب الانكليزي في الملعب بعد أن هزم البريطانيون الأرجنتين في لاس مالفيناس، الحرب الإجرامية التي اقتضت إرسال الشباب إلى الموت لإنقاذ ماء وجه الأرجنتين التي كان يرأس نظامها اليميني، الرئيس ليوبولدو غالتيري. هو نفسه الذي أذلنا بعد ٨ سنوات، عندما جاءت نتيجة فحص الإيفيدرين إيجابية خلال فحص عشوائي خضع له. من دونه، خسرنا أمام رومانيا وعدنا إلى الديار باكرا بعد انتهاء الدور الأول.

مارادونا كان كل شيء كنا عليه، الأحسن والأسوأ، وكل شيء أملنا أن نكونه. المتحمس، المليء بالمشاعر، والجذاب، والمتوحش، والذاهب إلى الأقصى، والناجح، والسعيد، والمتعب. كان بطلنا، حامل الرقم ١٠(من ألقابه المرتبطة برقمه el Diez, el D10S)، وكان كذلك الدييغو، كالقريب أو الجار. ولدت متأخرة فلم أستطع مشاهدة لعبه خلال أيام المجد، متأخرة جداً حتى أراه يلعب وتذكر ذلك. ولكن كنت أعلم وأشعر بذلك المجد.

كذلك، كنت أعلم العديد من الأمور. لقد كان من جيل أمي. كانت ابنتاه بمثل عمري. زوجته، كلاوديا، تذكرني بعمتي غابي. بعد سنوات قليلة على الانهيار الاقتصادي، غادرت عائلتي، كالعديد من العائلات الأرجنتينية، البلد. فالشركة التي عمل فيها والدي طوال حياته غادرت البلاد، ولم يكن لدينا أي خيار إلا اللحاق بها. أتينا إلى الولايات المتحدة. إلى مدينة ريفية اسمها تينيسي حيث نظر الناس إلينا من أطراف عيونهم، فضلاً عن عدم إرادتهم في تعلم اسمي، كل ذلك أعلمني بعدم وجود أي مشترك مع جيراني الجدد.

لم يعلم أي شخص التقيته أي شيء عن المكان الذي جئت منه- ما عدا بعض الحالات، التي يعرف فيها بعض الأشخاص مارادونا. كانوا يعلمون أنه جيد، وربما حتى الأفضل. إذا جئت مثله من ذات المكان، قلت لنفسي، بعد كل شيء، ربما لست سيئة للغاية.

لقد فكرت به وبعائلته، وبالموازاة، بي وبعائلتي، لأنه قدم نفسه إلى الجمهور بطريقة حميمة للغاية. لقد كان موجوداً دائماً، ومن الواضح أن يرى الجميع كل خطأ وكل نتيجة له بشكل واضح تماماً مثل أي انتصار له. لا يمكن أن تكون محبوباً كثيراً، من قبل عدد كبير من الناس، ولا تتجرد من روحك. هل الكَشف حصل بداية، بهدف طلب الحب، أم أن الحب هو الذي جرّد مارادونا؟

في الحالتين، ارتكب كل خطأ وشفي منه على مرأى من الجمهور، واستمر في ذلك، لأن اقتحام الحياة كان الشيء الوحيد الذي يعلم كيف يفعله. لقد ولد من جديد داخل الملعب وخارجه. لم يدع نفسه يفلت من الآتي- سواء كان مجداً أو خطأً على حد سواء. في المقابلات التي أجريت معه عقب المباريات، يمكن لكم أن تروا احتفاله بنفسه عدة مرات بنفس مقدار انتقاده لنفسه.

عام ١٩٩٦، لعب من جديد في صفوف بوكا جونيورز، أضاع ركلة جزاء وسجل هدفاً رائعاً بلمسة واحدة بعد أن تلقاها مرفوعة. خلال المقابلة التي تلت المباراة كان تقييمه قاسياً تجاه نفسه: “أفهم أن أي شخص يمكن أن يرتكب خطأ، لكنني أهدرت فرصة تسجيل هدفين من ركلتي جزاء متتاليتين- لا أستطيع مسامحة نفسي. لا أستطيع أن أغفر لنفسي على ذلك. حتى لو سجلت هدفاً رائعاً، لا أسامح نفسي على ذلك”. لكن تصريحه لم يكن أبداً جلداً للذات، إذ كان ينظر إلى الحقيقة مباشرة ويقول: سأتعلم منك.

بالطبع، كان دييغو كاذباً كذلك. فهو لم يعترف بابنه الأول، دييغو أرماندو جونيور، حتى العام ٢٠١٦. كما أنه أخفى- بدايةً بشكل جيد، ومن ثم بشكل سيء، ولاحقاً على الإطلاق- إدمانه الخطير على تعاطي الكوكايين إلى أن سقط كل شيء فوق رأسه. حيث كان يحاول شراء الكوكايين في نابولي بنية توزيعها (حيث اعتاد على إعطاء الكوكايين لعاملات الجنس اللواتي كان يستأجر عملهنّ)، وقد اعترف بذنبه أمام المحكمة، وتجنب عقوبة سجنية كان يمكن أن تصل إلى ٢٠ سنة. بعد ما يقارب ٢٠ سنة، قال، أخيراً، الحقيقة بشأن إدمانه على تعاطي الكوكايين، على الرغم من أن الأمر لم يكن سراً.

خلال البث التلفزيوني المباشر، كان يبكي ويفقد كلماته وهو يتكلم عن محاولة عائلته مساعدته في محاربة إدمانه، وكيف أرادت فقط رؤيته بشكل جيد. لم تكن عواطفه مصطنعة. كان كما هو فقط. فكيف لا تستطيع ألا تحبه؟ كيف لا يمكنك أن تشعر بهذا الرجل الذي بدأ مسيرته بسن ١٥ من عمره حمل على أكتافه عبء هوية بلد بأكمله- قال النائب في بيونس أيرس من حزب العمال غابريال سولانو في رثائه أن مارادونا قدم للأرجنتين ما رفضت الحكومات المتعاقبة أن تقوم به- ولم يتوقف أبداً؟

في الوقت عينه كيف لا تكرهه؟ كيف لا تكرهه على كأس العالم عام ١٩٩٤، كيف لا تكرهه على تشويه إرثه بتسجيل هدف بيده، كيف لا تكرهه على كونه ذكورياً، يستخدم النساء ويعرضهن للأذى. كيف لا تكرهه لأنه لم يكن صنماً بسيطاً ونظيفاً لنعبده، ولكنه عوضاً عن ذلك، كان نسخة عن بطل إلهي يوناني مليء بالعيوب البشرية والمواهب الخارقة للطبيعة بنفس الوقت.

كان كل شيء، كان نابغة ومخادعاً واجتماعياً وبائساً، وكاذباً وكتاباً مفتوحاً. أحببناه كأرجنتينيين كما أحببنا أنفسنا: كثيراً وعلى الإطلاق. كما كرهناه لأنه لا يمكننا إلا أن نكره شخصاً نحبه حقاً، شخص مَنحنا الكثير من الفرح، عدة مرات، ومن ثم بدده بعيداً.

أما الآن، لقد مات حقاً. غيابه سيبقى هنا. إرثه يحفر عميقاً؛ يخبرنا عن الفشل والنهوض من جديد، بالمعنيين الحرفي والمجازي (على أرض الملعب، كان أسلوبه في الوقوع مثالياً)؛ عن التمرد الحيوي والعنيف الذي يسبب الكثير من الهزائم كما الانتصارات. لقد كان رمزاً ليس فقط للأرجنتينيين، ولكن يمكن لأي مرء أن يجد نفسه في ذلك الطفل ابن الطبقة العاملة، ولكل من يبحث عن الشجاعة لمواجهة الحقيقة: إن جمال الانتصار يعني نضالاً دائماً مدى الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريال مدريد ضد بوروسيا دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا


.. فريق كرة السلة الا?ميركي يقدم عروضا متنوعة في مصر




.. دوري أبطال أوروبا.. المشجعون يستعدون لمباراة النهائي في لندن


.. دورتموند أمام ريال مدريد بنهائى دورى أبطال أوروبا الليلة.. م




.. أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة في حوار لا تنقصه الصراحة لـ «