الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق النطقية الثالثه؟

عبدالامير الركابي

2021 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


تتلازم الدورات في التاريخ العراقي، كل دورة مع شكل التجلي التعبيري عنها، ومايطابق لحظتها، ومايمكن ان تنم عنه بحسب الاشتراطات التي تواكبها، فكانت الدورة الأولى التاسيسية البدئية السومرية البابلية الابراهيميه، الأكثر ثراء، وعمقا وشمولا، بقدر ماكانت نامة عن الازدواجية المجتمعية، وعن الكيانيه المتعدية للكيانيه المحلوية، وتميزت امبراطوريا احاديا وارضويا باعلى واغزر المنجزات البكورية المادية والعقلية، بما لايضاهية أي منجز معروف ، كما بلورت الرؤية اللاارضوية " الابراهيمية"الأساس، مكرسة كونيتها، وكونها البؤرة والاساس الذي اليه ومنه تتاتى وجهة الديناميات المجتمعية، ومآلاتها، وماتنطوي عليه، فاستطاعت ان تكون، وان تظل حاضرة ككيانيه سماوية لاارضوية على مستوى المعمورة، وبثبات واستمرار دائمين وراسخين، تحولا الى دلاله على الخاصيات المجتمعية الشاملة على مستوى الكوكب، الامر الذي تنكره وترفض الاعتراف به الارضوية الأحادية، وبالأخص منها تلك الحديثة الغربية، المعنيه بتكريس نموذجها لدرجة استعمال ممكناتها "المعرفية" الحديثة المتقدمة لاجل تحاشي الاخذ بالبدئية الفعليه، ومنطوياتها كما تتجلى في ارض مابين النهرين(1).
وحين حل توقيت الدورة الثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، لم تكن الدورة الأولى ومنجزها العظيم غائبا فما كان قد حدث وقتها في الجزيرة العربية، هو ختامية النبوية اللاارضوية السماوية الرافدينيه، وقد تجلى باخر صيغة له، بطابعها التحرري الموصول لنمطية الجزيرة وكينونتها الاحترابيه الاستثنائية، فما ان استقر الفاتحون وخضعوا لمفاعيل واليات الازدواج واللاارضوية، مغادرين خاصياتهم كابناء مجتمع لادولة صحراوي احادي، حتى بدات تعبيرية "عودة الوعد الى ارضه"، ذلك الذي كان متعذرا تحققا وانقلب في الدورة الأولى لامتناع التحقق المكاني، الى اعتماد مبدا او استراتيجيا "الوعد خارج ارضه"، فاذا به اليوم يعود لتوخى ممكنات التحقق والتشوفات مابعد النبوية، بالامامية التشيعية بكل تفرعاتها، والإسماعيلية والخوارجة، والقرمطية، والحلاجية التالهية البشرية، واخوان الصفا والمعتزلة، التي لم تلبث ان عادت للتجلى كما حدث للابراهيمية، خارج ارضها كموجة فتح ثانيه اعقالية وتفكرية، لا احترابيه، شملت اليمن والجزيرة نفسها، والشام والبحرين، وصولا الى المغرب العربي، ثم مصر وساحل الشام من جهة مصر، ليصير العالم العربي وقتها بالتجلي الثاني، مجددا خارج الارضوية، ماخوذا بالإسلام مابعد الجزيري، الذي سيستمر غالبا لحين وقوع المنطقة تحت طائلة الاقوام غير العربيه، من مماليك، وعثمانيين، هذا في الوقت الذي لم تعدم الدورة المشار اليها، المنجز الهائل في مجال المذهبية، والتاريخ والثقافة، والشعر العربي الذي صار وقتها موجتين وقمتين أولى جاهلية، وثانيه عراقية عباسية، في قمتها شاعر كالمتنبي يقف في المسافة بين النبوة والشعر، ولا داعي للتذكير بكتاب الكتب كما يقول الأمريكي اللاتيني بورخيس " الف ليلة وليله"، مضاهي " ملحمه كلكامش"، كما الحال مع الدورة الأولى والشرائع الاربعه، وصولا لشريعة حامورابي.
كل هذا لابد من تذكره اليوم مع الدورة الثالثة التي تبدا مع القرن السادس عشر، وماتزال الى الان بلانطقية ولا تعبير عن الذات، تقع تحت طائلة، اما متبقيات الدورة الثانيه، او ماحل على المنطقة والعالم من مفاهيم الغرب وحداثته، الامر الذي يتخذ هنا طابع الايديلوجيا الصارمه العملية، المخالفة والمغايرة للايقاع، ولعمل الاليات التاريخيه البنيويه، ونوع حضورها في الزمن الحالي الراهن، وبعد الفترة الصامته القبلية، والثانيه الانتظارية، يدخل العراق مع القرن العشرين، طور الايديلوجيات المستعارة، والتماهيات التي تستغرق ثلاث محطات، أولى بعد عشرينات القرن العشرين، وبالتحديد مع الثلاثينات، حتى الستينات، ومااعقب الثورة اللاارضوية الثانيه في 14 تموز 1958 ،يوم يقع الانفصال بين الايديلوجيات والواقع الذي كانت قد عرفت لاسباب استثنائية، بعض التماس به، وصولا الى الثمانينات وماقد مر بين اللحظتين من تخبط وانقلابية في نوع الحكم بالانتقال الى الريعي العقيدي، وصولا الى الحرب العراقية الايرانيه 1980 ، حيث تبدا اللحظة الأخيرة الحالية من حال "العيش على حافة الفناء" المستمرة والتي لاتوقف لها كوارثيا من حينه،لتنقلب كليا الاشتراطات التعبيرية، بينما يكون العراق في اكثر ماعرفه طيلة تاريخه بدوراته الثلاث، قد صار بمواجهة حال غير مسبوق، يمكن تسميته بحال "النطقية او الفنائية".
ومع العقد الأخير من القرن العشرين في التسعينات، لم تعد الاعقالية الذاتيه حاضرة باي قدر مهما كان محدودا، ولم تعد الترديدات من أصول ايديلوجية ببغاوية، لها أي مكان او دور يمكن احتسابه ضمن الحال المعاش ، وبينما كانت وتيرة العيش على حافة الفناء تتصاعد لتصل حدودا تفوق التصور، وتستمر متوالية ومتواتره، فان اكثر ماظل والى اللحظة الراهنه، مثيرا للحنق، هو نوع الاستجابات، واشكال المقاربة التي استمر من يعدون في خانه المتعاطين بالافكار، يمارسونة باعتبارة "ايديلوجيا العجز المطلق"، الامر الذي مازال ساريا الى الان.
لاشك هنالك بان نوع النطقية الحالية الثالثة والأخيرة، هي من نوع وصنف المهمات الفائقة للطاقة البشريه، بما فيها تلك الاستثنائية والعبقرية بحسب المفهوم الارضوي الأحادي للعبقرية، مايحيل، ان لم يكن يعيد تأكيد الافتراق في المنبعثات والمصادر، ويجدد الوقوف امام افتراقات النمطية المجتمعية بين اللاارضوية والارضوية، واختلاف تمثيل وصدورات الاعقالين كما كانا وجدا في الأصل والمنطلق، مع كل لاماتستوجبه التعبيرية الراهنه من إعادة قراءة للظاهرة المجتمعية، ولاليات التاريخ وتصيره الذاهب الى المجتمعية العقلية،، والى عبور المجتمعية الأحادية، نحو مابعد مجتمعية.
ومن هنا فان الاعقال الراهن وتعبيريته المعنية بالماضي ودورتيه السالفتين، وماقد غمض واجبر على ان يؤجل منهما، يعود في اللحظة الحالية ليصبح كونيا، متجاوزا للظاهرة الغربيه وحداثتها، مكلفا وموكلا هو بالذات، وليس الغرب بما هو قادر على اعقاله، بممكناته، الإشارة الى السبيل المفضي الى تجنيب الكائن البشري ماهو، وماقد صار في العصر الحديث بمواجهته من احتمالات انقراض.
هنا يأخذ " قرآن العرق" مكانه بموضع الافتتاح الكبير نحو عالم انتهاء الارضوية واستهلاكها دورها، ومبررات وجودها، بينما البشرية بمجموعها تتهيأ للانخراط ضمن اليات ومسارت اللاارضوية، بما هي الخيار الوحيد الباقي، والممكن الذي قد يجنب البشرية المصير التي هي ذاهبة باتجاهه اليوم.
وفي هذا اجدني ملزما بان اعلن عن نفسي كذاتيه ومسؤولية، اطراحا للتماهيات التي تتخفى وراء ضمائر الغائب تكاذبا، مع انني لااستطيع في اللحظة الراهنه ان اقدم تفسيرا لما انا مقدم عليه، وشروطه، والسياقات التي جعلته كما هو الان، خارج ماعرف من اشكال الإعلان التي من هذا النوع، ابان اللاارضوية النبوية الأولى، قبل الابراهيمه الراهنه الثانيه "العلّية"، بما هي صدور عن معطى مجتمعي مشخص ملموس، على الأقل من حيث الابتداء والعتبه الأولى، على طريق الايغال الواجب بين تضاعيف وعالم "الغائية الكونيه العليا".
مع هذا فانني استطيع ان اعلن واثقا، بان ماهو وارد هنا متفق مع سياقات التصير التاريخي، وانه يأتي في اللحظة الواجبة، وان الحدثات والمسارات من هنا فصاعدا، سوف تكرسه وتقرر غلبته، خارج مفاهيم الغلبة الارضوية الأحادية، فالعالم ينقلب، وهو يلملم اليوم ماتبقي له ضمن عالم الأحادية والارضوية، منتظرا الإشارة التي تدله على السبيل. ليبدا وضع خطواته الاجبارية نحو العالم الاخر.
العالم من اليوم سينقلب وبتحول، وهو قد بدا التحول منذ فترة ليست بالقصيرة، وان لم تلحظ من قبل، وهاهو الاشعار عن المفير الأعظم يأتي في الوقت المقرر والساعه. محمولا على جناح النطقية الثالثة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) "نوح كريمر" هو الوحيد الذي قارب الى حد ما المطلوب بوضعه كتابه "الحضارة بدات في سومر" وهو مايحسب بله مع انه قد عجز هو الاخر عن تجاوز نطاق وحدود الارضوية الأحادية في الجوهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع