الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تصان كرامة العراق ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2021 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تألمت كثيرا وأنا أشاهد أحد صيادي الأسماك في مدينة البصرة يتحدث بمرارة عبر قناة العراق الفضائية الإخبارية عن سوء المعاملة والمهانة التي يتلقاها الصيادون من خفر سواحل دول الجوار ( الكويت وإيران ) أثناء صيدهم في مياه العراق الإقليمية , ومصادرة معداتهم وأدوات صيدهم التي تمثل مصدر رزقهم ومعيشتهم , دون مبالاة أو إكتراث أية جهة حكومية لوضع حد لمعاناتهم , ناهيك عن وضع حد لإستهار تلك الدول وعدم إحترامها لسيادة العراق في أراضيه ومياهه , بعد أن صادرت الكثير منها دول الجوار هذه دون وجه حق . فها هي إيران الإسلامية تحتل نصف مجرى شط العرب منذ العام 1969 , وتحتل الكويت خور عبد الله وأجزاء كبيرة من أم قصر بموجب قرارات جائرة فرضتها منظمة الأمم المتحدة خلافا للأعراف الدولية في أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1992, بحيث أصبح العراق دولة شبه قارية , وهي فوق هذا وذاك شددت الخناق على ما تبقى للعراق من منافذ بحرية قليلة , بتشيدها ميناء مبارك الكبير ومحاولاتها المستميتة لعرقلة بناء ميناء الفاو الكبير , بشراء ذمم بعض من آلت إليهم مقاليد السلطة في العراق بالمال السحت الحرام , فضلا عن إستقطاع مناطق شاسعة من الأراضي العراقية في منطقة سفوان الحدودية الغنية بالنفط وضمها إلى الكويت , وبرغم كل ذلك فالعراق ما زال يدفع تعويضات بنسبة (30%) من عائداته النفطية للكويت بسبب غزوه وإحتلاله لها عام 1991, بينما هي لم يطالبها أحد بدفع تعويضات بسبب ما لحق بالعراق من دمار شامل من قبل قوات التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الذي إنطلقت جحافله من الكويت عام 2003 دون أية شرعية دولية .
باتت حدود العراق مستباحة من جميع دول الجوار صغيرها وكبيرها على حد سواء , فها هي تركيا تقيم قواعد عسكرية في شمال العراق بدعوى مطاردة مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي و الذي هو الآخر إتخذ من الأراضي العراقية منطلقا لعملياته المسلحة ضد الحكومة التركية , وكأن العراق بلدا لا سلطة فيه لحكومته ,يتحارب فيه الخصوم على راحتهم وتقصف قرى ومدن العراق ويلحق الأذى بسكانها دون إكتراث, وكذا الحال بالنسبة لحدود العراق مع إيران حيث تخترقها القوات المسلحة الإيرانية متى ما شاءت بدعوى محاربة الجماعات الكردية المعادية لها ,حيث تقصف القرى والمدن العراقية الحدودية دون أن تحرك الحكومة العراقية ساكنا.وعلى جانب الحدود العراقية السورية تتحرك المجاميع الإرهابية والعصابات المسلحة على هواها دون رقيب أو حسيب . والعراق هو الخاسر في كل ذلك , حيث أن لا ناقة له ولا جمل في هذه الصراعات . لا تخضع منافذ العراق الحدودية البرية لسيطرة الحكومة , حيث تدار بعضها من مافيات مسلحة مدعومة من جهات سياسية نافذة في الدولة لا تطالها سلطة القانون , وبذلك أصبحت ممرات آمنة لتهريب المخدرات وكل أشكال الممنوعات والأسلحة والبضائع والأدوية الفاسدة. كما لا تخضع المطارات والموانئ العراقية للسيطرة الحكومية الكاملة , حيث يخضع بعضها لهيمنة جماعات متنفذة في محافظات تواجدها.
أدى ضعف الحكومات العراقية المتعاقبة إلى فقدان هيبتها وعدم قدرتها على السيطرة والتحكم بزمام الأمور على الصعيدين الداخلي والخارجي منذ نهاية حرب الخليج الثانية عام 1992, حيث فرض على العراق حصارا دوليا شاملا طال جميع مفردات الحياة , كانت نتائجها كارثية على الشعب العراقي في مجالات الحياة كافة, كان أخطرها تفكك نسيجه الإجتماعي وتدمير منظومته الأخلاقية والقيمية, وبروز ظواهر شاذة لم تكن مألوفة بهذا الشكل الفاضح , حيث التزوير وشراء الذمم وإنعدام الأخلاق والعبث المجون, والفساد الذي بات متشريا في كل مكان والعوز والفقر يقابله الثراء السريع الفاحش دون حياء . فقد العراق فيها روحه وجسده بعد أن أتعبته الحروب والفتن والصراعات , وراح الناس فيها يبحثون عن ملاذات آمنة لهم في بلاد الله الواسعة , وقد لاقى الكثير منهم الذل والهوان على أبواب سفارات بعض الدول ومنظمات حقوق الإنسان وعصابات التزوير والتهريب , بغية الحصول على سمة دخول أو فرصة لجوء إلى أي من هذه الدول بعد أن كانوا أعزة كرام في بلدهم العراق الأشم.
فقد العراقيون كرامتهم على أيدي فرق التفتيش سيئة الصيت عن أسلحة دمار شامل مزعومة , كانت تجول وتصول في جميع أرجاء العراق , وتدخل أي مكان ترغب فيه بما فيها القصور الرئاسية التي تمثل رموزا سيادية بأعلى درجاتها , وإذا بها تصبح مستباحة بكل ما فيها ولم تعد لها أية هيبة أو أي إعتبار , وتتناقل وسائل الإعلام المرئية كيفية دخول هذه الفرق لتلك القصور بكل إستهتار وعدم إحترام , بينما كان لا يسمح لأحد الإقتراب من هذه القصور أبدا.
لم يعد مسموحا للعراق تحليق طائراته في أجوائه الداخلية , ولم يعد بإمكانه تشغيل مطاراته داخليا أو دوليا , وأخرجت منطقة الحكم الذاتي عن سيطرة الحكومة العراقية حيث سلمت للحزبين الكرديين , الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني وحزب الإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني , بوصفها ملاذا آمنا للكرد تحت حماية ما يعرف بقوات التحالف الدولي التي تجوب طائراته في سماء العراق .
لم يعد بإمكان العراق التصرف بموارده النفطية عصب الإقتصاد العراقي , ولم يعد بإمكانه تحديث معداته الصناعية بعامة والنفطية بخاصة , الأمر الذي أدى إلى تهالكها وإندثار الكثير منها . ولم يسمح له بتصدير كميات محدودة من نفطه إلاّ بعد موافقته عام 1995 , فيما عرف بمذكرة التفاهم : النفط مقابل الغذاء والدواء ,على تصديرها من قبل لجنة خاصة من هيئة الأمم المتحدة وبيعها من قبلها وإيداع مواردها في صندوق خاص بها , ويسمح للحكومة العراقية شراء بعض حاجات العراق الأساسية من غذاء ودواء ومعدات أخرى بعد إستحصال موافقتها ودفع قيمها من قبل الصندوق مباشرة , وعلى أن تستقطع نسبة (30%) من عائدات الصندوق للحكومة الكويتية كتعويضات عن خسائرها جراء غزو العراق لها وإحتلالها عام 1991.أي هوان هذا أكثر من هذا الهوان , بلد لا يستطيع التصرف بموارده ولا التحكم بإجوائه ومياهه وأراضيه وبات أهله هائمين مشردين في أرض الله الواسعة دون ذنب منهم أو أي جرم إقترفوه.
تنفس الناس الصعداء بعد العام 2003 بعد أن وعدوهم بالحياة الكريمة والديمقراطية والحريات وصون الحقوق والكرامة , وإذا بحالهم يصبح أسوء مما كان , حيث فقد الناس الأمن والأمان ولقمة العيش حيث بات الكثير منهم يتسول في الشوارع أو يبحث في مكبات القمامة عله يجد فيها ما يسد رمقه , ناهيك عن تفشي الفساد والرشوة والرذيلة في كل مكان, ليصبح العراق أحد أكثر الدول فسادا وفقدانا للأمن وسوء الخدمات . وبذلك إزداد أعداد المهاجرين والنازحين من العراقيين إلى البلدان الأخرى أكثر من أي وقت مضى بحثا عن أماكن آمنة وعيش كريم . والأهم من كل ذلك بات العراق يقف الآن على كف عفريت , لا يعلم إلاّ الله ما تخبئه له الأيام القادمة من مصائب , إذ يتحدث البعض عن الرغبة الجامحة لإقامة أقاليم طائفية وأثنية لخروج العراق من مأزقه وأزماته الراهنة , ويتطلع آخرون لدعم صهيوني لمشاريعه التقسيمية من خلال تبنيه دعوات التطبيع مع إسرائيل بهدف الحصول على دعم أمريكي أقوى عبر البوابة الإسرائلية , متجاهلين مشاعر العراقيين ودعمهم اللامحدود للقضية الفلسطينية على إختلاف معتقداتهم وتوجهاتهم السياسية , وأن العراق كان على الدوام منطلق الفكر القومي العربي التحرري منذ نشأة الدولة العراقية , ومناصرا قويا لجميع قضايا الشعوب المتطلعة نحو الحرية والحقوق الوطنية وسيادتها الوطنية . وحتى الإنتخابات التي ستجرى بعد أيام والتي يرى البعض فيها بصيصا من الأمل بإستعادة العراق بعض كرامته ونيل حقوقه , يرى البعض فيها فرصته لتعزيز طروحاته الطائفية المقيتة وتصحيح ما يعتقده بالتوازن الطائفي لمصلحته , ونشر الفتنة بين خصومه ,وليست فرصة لتعزيز روح المواطنة العراقية ونبذ كل أشكال الحقد والكراهية والتخندق الطائفي المقيت. وأن غدا لناظره قريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث