الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 8

علي دريوسي

2021 / 10 / 9
الادب والفن


صباحُكَ الياسمين النديّ أيتها النار إيمان،
أعتقد أن برجك ناري ولهذا فأنت تديرين علاقتك مع محيطك عن بعد. هذا يعكس بالضبط أسلوباً مراوغاً بالتعامل مع الحياة، تراقبينها من بعد دون أن تورطي نفسك بتجارب حقيقية. وكلمة تجارب هنا لا تعني بالضرورة العاطفية منها، طبعاً ربما، ولهذا السبب ينقص كتاباتك شيء ما. أما أنا فبرجي مائي، أحب الماء والحياة وأتعامل معهما عن قرب دون وساطة ولهذا السبب تجدينني متورطاً دائماً.
مساء البارحة، متأخراً بعض الشيء، تورطت مثلاً بطبخة "شوربة" العدس. لعله الحنين إلى الفقر والتشرد، الحنين إلى شوارع القرية، إلى المدرسة، إلى البيت القديم، الحنين إلى وقت انتهاء الدوام المدرسي في أيام الشتاء الماطرة الباردة والعودة إلى المنزل واحتساء الشوربة الساخنة مع فتات الخبز بعد جوع شديد.
وكانت بعض الأسر الفقيرة غالباً ما تشعر بالإحراج إذا ما شوهدت من قبل الضيوف وهي تتناول طعامها المؤلف من شوربة العدس. رغم أن هؤلاء يتناولون الشوربة في بيوتهم أيضاً. ذات مرة زرت إحدى الأسر مساءً دون موعد مسبق، كما كان مألوفاً في الماضي. قرعت الباب وانتظرت أن يُفتح لي. رغم الضوء الشاحب في غرفتهم تلك استطعت أن ألمح الأسرة المكونة من أم وأب وخمسة أولاد جالسين حول الصدر الذي تتوسطه صينية ألمينيوم كبيرة مملوءة بشوربة العدس وفتات الخبز، كما رأيت سبع ملاعق تتحرك صاعدة نازلة. ورأيت أيضاً ـ آن سمعتْ الأسرة الآمنة خبطات يدي على باب غرفتهم ـ كيف نهض الأولاد كالمذعورين وتفرقوا في أنحاء الغرفة قلقين مستحين من فعلتهم، ورأيت كيف حملت الأم الصدر وما تبقى عليه ـ وكأنها وأولادها قد ارتكبوا جريمة قتل وانبغى عليها أن تُخفي آثار الجريمة ـ وحشرته يومها تحت الخزانة وكأن شيئاً لم يكن. حين نهض الولد الأكبر ليفتح لي باب الغرفة لم يجدني. ما رأيك بهذا النوع من القلق؟
آن وصلت صباح اليوم إلى مكتبي في بناية (المناضل الشيوعي) جورج شومان دخلت المطبخ الملحق وجهزت لنفسي فنجان قهوة كبير، جلست أمام كومبيوتري، شغّلته، أوقدت سيجارة، فتحت بريدي الإلكتروني ورحت أتصفحه، وكلني شوق لقراءة ردك المحتمل على إيميلي الأخير، كنت على يقين سأنجح باستثارتك.
بالمناسبة نحن إثنان في غرفة المكتب هذه، شتيفان وأنا، لا أحد باستثنائنا يدخّن في هذه المعهد من أصل ثلاثة عشر طالب دكتوراه، تعاطف رئيس المعهد معنا وسمح لنا بالتدخين داخل الغرفة ولا سيما أنها متطرفة نوعاً ما. جدرانها عالية وسميكة، نوافذها عريضة، دافئة في الشتاء وباردة في الصيف.
نعم لقد حققت هدفي باستثارتك. أشكرك حقاً على هذا الرد العميق والمناسب جداً لإهاناتي المتكررة لك، أعحببني أنك قد انتقمت لكبريائك، لأنوثتك ولاستقلالية شخصيتك وقراراتك. هكذا تعجبني الأنثى في قوتها لا في ضعفها كما قد يرغب الرجل الشرقي في مجتمعنا العربي، و"البادئ أظلم" كما نقول في ثقافتنا.
في البدء أريد أن أخبرك أني لم أتزوج من امرأة ألمانية حتى الآن، ولا يشرفني الحصول على الجنسية الألمانية عن طريق زواج غير متكافيء، تجنست بعرق الجبين بعد أن مضى ثمان سنوات على إقامتي النظامية في ألمانيا وبعد أن تمكنت من توقيع عقد عمل لعدة سنوات في الجامعة، فاستوفيت بذلك الشروط القانونية لتقديم أوراقي والحصول عليها كأكاديمي.
ما كتبته لك هنا هو دليل كبير على أنك غبية لا تعرفين شيئاً عن تفاصيل حياتي. لعلك تبحثين عن فكرة جديدة لإحدى قصصك السخيفة. ها أنا أرتكب خطأ جديداً، أستميحك العذر، سأسحب كلمتي غبية وسخيفة من موقعيهما.
ما لا تعرفينه هو أني ما زلت متزوجاً ـ على الورق طبعاً ـ من امرأة سورية مثلك وكلني أمل وتفاؤل أن أستعيد حريتي قريباً، إجراءات الطلاق القانونية تسير في مراحلها الأخيرة.
تعثَّرت بهذه المصيبة أثناء زيارتي لصديق في المدينة الجامعية، كأنها حجر كريهة، لم تعجبني إطلاقاً، لم تعجبني لا شكلاً ولا مضموناً، رغم ذلك ورغم ما حصل بيننا من مشاحنات مقيتة ورغم كل طقوس المد والجزر ورغم غرابة أطوارها تتوجت علاقتنا ـ كما شاءت الأقدار ـ بالزواج الرسمي بحضور الأهل والأصدقاء. حين انتهت حفلة العرس وعدنا إلى البيت، استيقظت من كبوتي، زالت الغشاوة عن عيني هكذا فجأة، دخلت إلى غرفة الحمام، أغلقت الباب جيداً، صنعت من حولي ضجة عالية ثم ضربت رأسي بالحائط وأخذت ألعن جريمتي الشنيعة بحق نفسي. في اليوم التالي حشرتها في صندوق عتيق عفن وأرسلتها بالبريد المستعجل والمضمون إلى بيت أهلها في المملكة العربية السعودية.
منذ أن حسمت أمري ـ قبل بضعة أشهر ـ وقرّرت التوجه للمحامي لتكليفه برفع قضية الطلاق وأنا أجد نفسي ـ في اليقظة لا في النوم ـ أركض سعيداً على جسر خشبي فوق نهر، وعلى يميني سكة حديد يعبرها قطار نقل طويل، الشمس ساطعة، وها هو القطار قادم بسرعة عالية، حين يحاذيني ينحرف فجأة عن مساره لتتصادم عرباته المملوءة بحجارة الرخام ببعضها فتتطاير الشرائح الرخامية في كل اتجاه، ها هي واحدة منها تلطمني، تقصمني، تسحق جسدي وتُنهي حياتي.
أتمنى ألا تكون حياتي قصيرة، فأنا لم أعش بعد. وأنت! كيف تتخيّلين سبب موتك ذات يوم؟
هل ترغبين بمعرفة التفاصيل؟ تفاصيل زواجي القصير جداً جداً وانفصالي السريع جداً.
إن كان الأمر كذلك حقاً يتوجب عليك احترام أسراري وحمايتها والحفاظ عليها، وإلا سأدع الحياة تعاقبك. هل تعدينني بذلك؟
يدي الآن بيدك فـشدي عليها بقوة ليطمئنّ قلبي.
وأخيراً أتركك ـ كما قمر غرفتك في المساء ـ ساحرة مشعّة ضياءً وحبّاً .
أنتظر الردّ وإلى اللقاء يا إيمان.
أحمد


صباح الخير إيمان،
اليوم أيضاً فتحت بريدي بشوق أن أجد ردّاً منّك، أحسست بالخيبة. ربّما ليس لديك وقت للردّ أو ربما لم تقرأين رسالتي بعد، أو ربما لأنّ الإنترنيت لسبب ما غير متاح لديك، ولربما تقضين أيامك بهدوءٍ وسكينةٍ ولم تعدين بحاجة لمراسلتي.
إنني في شوق لقراءة كلماتك وسماع صوتك.
لك تحقيق الأماني
أحمد
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع