الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخزن كاداة لاحتواء تناقضات المجتمع المغربي

امغار محمد
محام باحت في العلوم السياسية

(Amrhar Mohamed)

2021 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


المخزن كأداة لاحتواء تناقضات المجتمع المغربي
بقلم د محمد امغار

إن الدولة المغربية كانت ولاتزال تلقب بدولة المخزن ، وعلى رأس هذه الدولة نجد السلطان، الذي يستمد شرعيته من البيعة المقدسة، وكلمة المخزن لغة تعني مكان الخزن، وسياسيا تعني في معناها المحدود، الحكومة المغربية التي على رأسها السلطان، وتظم أساسا البيروقراطية والجيش والنخبة المكونة من الأعيان، أي كل من يمثل السلطان على كافة مستويات الدولة والمجتمع، سواء على المستوى المركزي، أو الجهوي أوالإقليمي، أو المحلي.
ويتفرغ عن مفهوم المخزن التقليدي مصطلح المخازنية، والعائلات المخزنية أي النخبة الحاكمة والمخزنية أي الخدمة في المخزن، وما ينتج عنها من إمتيازات(11)ومكانة إجتماعية وسياسية.
وقد ظل المخزن إلى القرن 19 بعيدا عن أن يكون مركز تنظيم وعقلنة للحياة السياسية والإدارية، كما هو الشأن في مسار إنبثاق الدولة الحديثة بالغرب، وذلك على للرغم من تنامي تأثير كبار التجار والذي ظل ضعيفا(12) رغم إحتوائهم من طرف القوى الأجنبية عبر نظام الحمايات القنصلية.
وإن كان السلطان كرجل إدارة في النظام المخزني كان ولايزال يسير فعلا مملكته عبر مراسلاته وتعليماته لعماله، وقواده، والقضاة، والمحتسبين، والنظام والأمناء، وهو الذي تضرب السكة بإسمه، وتصدر الأحكام بإسمه كذلك.
غير أنه في الواقع، كما يقول عبدالله العروي(13) لم يتطور دور السلطان الإداري إلا تحت الضغط الأوربي واتساع التجارة الأوربية، كإصلاحات محمد الرابع 1873-1859 وإصلاحات الحسن الأول 1873-1894 التي كانت إستمرارا لما دشنه والده كالإصلاح المالي وإصلاح الديوانة وتحديث الجيش.
وقد كان لسلطات الحماية الأثر الكبير لوضع القواعد القانونية لتوحيد الإدارة المغربية تحت إمارة السلطان،وهذا ما يفسر أنه مع تداخل القواعد القانونية المنظمة للجانب السياسي والإداري للدولة الأمة على النمط الغربي المؤسسة مع دخول الحماية فإن المؤسسة الملكية صارت على نهج سلطة الحماية في هذا المجال، حيث حافظت على التقاليد المخزنية المستبطنة من طرف الجميع والمرتبطة بالأدب السلطاني، مع حرصها على إستعمال آليات الدولة الحديثة ولو على المستوى الشكلي لضمان مركزية الدولة والإدارة والخروج من تقاليد السيبة كشكل من أشكال اللامركزية التي كانت سائدة قبل الحماية.
وهذا أدى في الأخير إلى أن السلطة الملكية تحيل مرة على التقاليد المغربية في السلطة والحكم والإدارة و تارة على إواليات السياسة القانونية العصرية المرتبطة بالدولة الأمة وأدواتهاالتنظيمية المؤسسة من طر ف سلطة الحماية(14) .
وهكذا فابتداءا من سنة 1962 حاول المشرع المغربي أن يجمع بين الروح الخلافية للملكية المغربية والتقاليد المخزنيةوالمؤسسات العصرية الموروثة عن عهد الحماية.
لذلك جعل المشرع الدستوري الملك يلعب دور البندول، حيث منحه سلطات جديدة و احتفظ له بسلطات تقليدية، حيث أنه بالإضافة إلى السلطات التي يتمتع بها رؤساء دول البلدان الديمقراطية، إحتفظ الدستور للملك بالسلطات التقليدية التي كان يتمتع بها السلطان- الخليفة المغربي-.
وفي هذا الصدد، يقول الملك الراحل الحسن الثاني في خطابه بمناسبة إفتتاح الدورة البرلمانية الأولى بتاريخ18 نونبر1963 في تنويهه بالتجربة الدستورية المغربية "أبينا بمحض إرادتنا إلا أن نتنازل عن بعض صلاحياتنا، وذلك لنمارس السلطات التي يتمتع بها عادة رؤساء الدول في البلدان الديمقراطية. بالإضافة إلى هذا فنحن نتحمل أعباء أخرى ينص عليها الدستور وهي ضمان دوام الدولة واستمرارها وضمان إستقلال الأمة والحوزة الترابية للمملكة. والسهر على احترام الإسلام والدستور وصيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات(15) ".
إن هاجس المؤسسة الملكية تبعا لذلك كان ومنذ السنوات الأولى من الإستقلال هو العمل على التوفيق مابين الإرثين ، أي إرث الدولة المركزية المنبثقة عن الحماية وتقاليد السلطة المغربية.
ذلك أن المبادئ الأولى للإستقلال كانت قائمة على إمكانيات إخضاع الشخصية المغربية لمقاييس وقواعد المؤسسات العصرية والحفاظ على الإرث التاريخي المشكل لشرعية إستمرارية المؤسسة الملكية وتبرير الخطيئة الأولى للنموذج السياسي والإداري المؤسس من طرف سلطة الحماية (16) .
وفي هذا الإطار إحتوت الدساتير المغربية على مستوى القواعد السياسية للنظام على طابقين:
- طابق سفلي من الدستور يترجم ويقنن ما يسمى عادة بالقانون الدستوري، الذي هو عبارة عن مجموعة من القواعد والتقنيات القانونية المتعلقة باللعبة السياسية بين الحكومة والبرلمان، فقط، دون أن تصل إلى مستوى علاقتها بالملك.
وقد عبر الحسن الثاني عن هذه الفكرة عندما تطرق لمبدأ فصل السلط،حيث قال إن مبدأ فصل السلط لايكون إلا على مستوى البرلمان والحكومة، فهو في مرتبة دون الملك.
وهذه القواعد التي تنتمي للطابق السفلي والمنظمة للعلاقات مابين البرلمان والحكومة لا تتمتع إذن إلا بسيادة نسبية قابلة للتغيير في كل لحظة " إذا ما قورنت بقواعد الطابق العلوي من الدستور" وذلك لأنها كما يقول الأستاذ كيبال قواعد من صنع إنساني، أي غير كاملة، ويمكن بالتالي مراجعتها في أي حين دون أن يغير ذلك من النظام شيئا(17) .
- أما الطابق العلوي من الدستور، فهو يترجم ويكرس القانون الخلافي والممارسة السياسية التاريخية للسلاطين المغاربة " أي إمارة المؤمنين، البيعة، قداسة الخليفة، الدين الإسلامي، والحفاظ عليه إلخ" .
فمقتضيات هذا القانون العرفي والفقهي على السواء تتعلق بالمكانة السياسية والدينية للملك الخليفة وعلاقته بالأمة في غياب الوسطاء، وحتى لو كان هؤلاء الوسطاء هم البرلمان والحكومة لأنها مقتضيات فوق خلق البشر، فهي تتمتع بسيادة مطلقة إذ تحرم وتمنع مراجعتها أو تعديلها عبر مسطرة المراجعة الدستورية(18) .
وهذا ما يوضح أنه وعلى الرغم من تواجد ميكانيزمات وأليات الدولة على النمط الديمقراطي الغربي في المغرب، فإن المؤسسة الملكية المغربية بلورت خطابا حول ذاتها تضمن عددا من العناصر يمكن اللجوء إليها كمرجعية، مؤسسة بذلك لقانون ملكي يأخذ بثنائية الأصالة والمعاصرة عبر إزدواجية الأمير الخليفي والملك الدستوري.
ولقد لخص الملك هذا المنظور في إحدى خطبه أمام البرلمان حين قال: إننا إذ نتكلم عن الديمقراطية والملكية الدستورية أعلم ما أقول، وأومن إيمانا راسخا بما أقول… نعم هناك ملكيات دستورية متنوعة وقد حاولنا ان نضع لبلدنا وشعبنا الملكية الدستورية اللائقة به، التي أخذت بعين الإعتبار ماضيه وأصالته ودينه ومذهبه وإطارا كذلك يجعله يساير الدول المتقدمة المتمتعة بالمسؤولية الحقة.(19)
وهذا ما يفسر أن المغرب بعد الإستقلال و إن كان قد حافظ على الرغبة في العصرنة والتحديث فقد وجد نفسه ضمن جهاز مخزني عتيق يعج بحاشية من أعيان القصر، والشخصيات الدينية، يتعايش مع جهاز إداري عصري لايعرف أحد من المغاربة كيفية تسييره باسثتناء الفرنسيين وبعض المغاربة الذين تماهو مع سلطة الحماية بطبيعة الحال وشكلوا نخبة مغلقة.
وبدون شك أن وجود جهاز إداري موروث عن سلطة الحماية بما كان يتضمنه من تقنيات عصرية، عقلانية بالإضافة إلى وسائل السلطة لم يكن من الممكن التخلص منه الشيء الذي حدد أسلوب ومفهوم ممارسة السلطة في المغرب المستقل من طرف نخبة مغربية تميزت بالنقاشات البزنطية(20)والإستمرار في تبني سلوكات تقليدية حفاظا على إستمرارية نخبوية النظام في ظل تواجد شكلانية إدارية وسياسية للدولة المغربية العصرية•.

 يعتبر مفهوم الخزن من المفاهيم الراسخة في القانون العام المغربي التقليدي ذلك أنه وحتى في الثقافة الأمازيغية المغربية فإن المخزن او أكادير يرمز إلى التكثل الجماعي لحماية الثروة والنذرة فالمخزن أو أكادير يوحي دائما إلى محاربة من أجل الحفاظ على الأمن
(11) د/ علي حسني " الدولة والمجتمع بالمغرب الحديث ، التحول المعاق" طبعة أولى سنة2000 ص33
(12 ) Abdellah Laroui : les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain années 1830-1912. F. maspéro Paris Année 1977 P : 117

(13) Abdellah Laroui : les origines sociales et culturelles du nationalisme marocaine 1830-1912. F. maspére. Paris Année 1977 P:117
(14) Remy Leveau : le sabre et le Turban P: 84
(15 ) د/ عبد اللطيف أكنوش " السلطة والمؤسسات السياسية في مغرب الأمس واليوم" مكتبة بروفانس سنة1988 ص 172
(16) Abdellah Laroui : l histoire du maghreb. Paris maspéro Année 1970. P: 351
 وفي هذا الإطار نص العهد الملكي الذي أعلن عنه صاحب الجلالة الملك محمد الخامس يوم 8 ماي 1998 على مايلي: المبادئ: فأما المبادئ فإنها تتلخص فيما يلي: إن سيادة البلاد تتجسم في الملك الذي هو الأمين عليها والحفيظ لها.
وإننا لجادون في السعي لإقرار نظام ملكي دستوري تراعى فيه المصلحة العليا للبلاد وطابعها الخاص وتتحقق بفضله ديمقراطية صحيحة تستمد محتوياتها من روح التعاليم الإسلامية وواقع التطور المغربي وإشراك الشعب تدريجيا في تدبير شؤون البلاد ومراقبة تسييرها.
و اقتناعا منا بضرورة التمييز بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإننا فيما يخص السلطة التنفيذية سنصدر ظهيرا تعين فيه سلطة رئيس الحكومة وسلطة كل وزير وإختصاصات مجلس الوزراء حتى يتمكن الوزراء- الذين يستمدون سلطتهم
من جنابنا الشريف- والذين هم مسؤولون أمامنا جمعا وإنفرادا، والذين هم متضامنون في هذه المسؤولية، من القيام بالمهمة التي ننيطها بعهدتهم.
أما السلطة التشريعية التي بيدنا فإننا نباشرها نحن والمؤسسات التي سنقيمها.
وحرصا منا على أن يمارس رعايانا الحريات الأساسية ويتمتعوا بحقوق الإنسان فإننا سنضمن لهم حرية التعبير والنشر والإجتماع وتكوين الجمعيات ضملنا لايحده إلا ما يفرضه إحترام النظام الملكي وحفظ كيان الدولة ومقتضيات الصالح العام.

(17 ) M.guibal : le suprémative constitutionnelle au maroc. .R.J.P.I.C. Année 1978. P :891

(18 ) د/ عبداللطيف أكنوش ، مرجع سابق ص 172
(19 ) د/ محمد كلاوي " مرجع سابق ص132

(20 ) جون واتربوري " الملكية والنخبة " ص 58
• في هذا الاطار يرى محمد الساسي في تعليقه على خطاب العرش لسنة 1999> جريدة الاتحاد الاشتراكي 7غشت 1999.حاوره ذ/عبد الرحيم اريري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ