الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي دور للمعارضة البرلمانية المغربية؟

مصطفى الفاز

2021 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


نحو معارضة مؤسساتية في جب النظام المخزني التقليدي.

ماهي حدود الفصل بين الأغلبية والمعارضة؟ أي دور للمعارضة في المراقبة والتشريع؟ ووفق أي برنامج؟
شكلت انتخابات ماي 1963 البداية الأولى لترجمة التجربة الحزبية المغربية مند فترة كتلة العمل الوطني إلى مؤسسات منتخبة, وكان الأمل يحدو أحزاب الحركة الوطنية في إرساء معالم نظام سياسي برلماني يتم فيه التداول على السلطة مادامت المؤسسة الملكية قد انحازت منذ البداية لشكل التعددية الحزبية حتى ولو كانت من اجل تلجيم نفوذ حزب الاستقلال.
إلا أن الوعاء الدستوري المنظم لمرحلة الانتقال السياسي صودر من فكرة مجلس تأسيسي إلى نص دستوري ممنوح 1962, كما أن الحقل الحزبي لم يعد حكرا على أحزاب الحركة الوطنية التي حازت مشروعية النضال من اجل الاستقلال, بل تعزز بمعبر سياسي جديد عن المؤسسة الملكية ممثلا في جبهة الدفاع عن المؤسسات. وإذا أضفنا فشل الحزب الشيوعي المغربي في توحيد الطبقة العاملة أو إشراكها في حركة التحرر الوطني في أفق بناء أداتها السياسية, وفشل الجناح اليساري للحركة الوطنية في الربط بين النضال الجماهيري والنضال العمالي, فإن المعارضة المؤسساتية من داخل البرلمان لم تستطع كبح جماح النظام المخزني في الهيمنة على المشهد السياسي واستفراد المؤسسة الملكية بالحكم خاصة بعد الإطاحة بحكومة عبد الله إبراهيم وجمع المؤسسة الملكية بين الجهازين التنفيذي والتشريعي وتغييب سيادة الشعب باقتصار البرلمان على ادوار شكلية محدودة لم تستطع معه المعارضة تغيير موازين القوى لصالحها ولم تستطع قيادة النضالات الجماهيرية المطالبة بالتغيير.
هذا الحدث التاريخي لسنة 1963 هو الذي سيوجه النظام السياسي المخزني المعبر عن التحالف الطبقي المسيطر إلى خوض حرب الاستمرار في منع التداول على السلطة تارة باسم المسلسل الديمقراطي وتارة باسم الوحدة الترابية وتارة باسم التناوب التوافقي... وفي كل هذا المسلسل يبنى الرهان على فصل المعارضة عن عمقها الجماهيري و إدماج رموزها في البنية الطبقية للتحالف المخزني وادكاء نعرة الانشقاق وغياب الممارسة الديمقراطية الحزبية والاستفراد بالتوجهات الإستراتيجية للدولة في الاقتصاد والتفاوض والتحكيم وإبرام المعاهدات والتعيين في المناصب العليا وترأس المجالس العليا كالمجلس الدستوري وفي نفس الآن الرهان على اضمحلال وتآكل الجبهة الرافضة للسلطة والطاعة.
حتى عندما هبت رياح الربيع العربي تخلفت عنه شريحة مهمة من هذه المعارضة خوفا على طردها من بيت الطاعة وفقدان مصالحها الطبقية الممثلة في امتيازات الريع أو حظوة تسيير الجماعات الترابية وفق الميثاق الجماعي الترابي الداعم لتركيز السلطة وتفويض التدبير و المعتمد على الاقتراع الأحادي وكثرة المستشارين بدون مهام وإطلاق اليد في سياسات التعمير والتدبير المفوض تحت وصاية العمال والولاة .
مكانة المعارضة السياسية في النظام التشريعي المغربي
هل يكفي التنصيص دستوريا ( المادة 60 ) للمعارضة على وظيفتي التشريع والمراقبة؟ ومنحها الحق في إدراج مشاريع القوانين وإمكانية رآسة اللجان البرلمانية ولعب دور الرقابة من خلال الأسئلة الشفوية أو مساءلة الحكومة وعضوية أو رآسة لجان التقصي وملتمس الرقابة وصلاحيات أخرى بموجب الفصل 10 من الدستور كالحق في وسائل الإعلام حسب درجة التمثيلية والاستفادة من التمويل العمومي و الترشح لعضوية المحكمة الدستورية والمساهمة في أنشطة الدبلوماسية البرلمانية, وتعزز هذا التوجه ’’ الجديد ’’ الفصل 61 من الدستور بمنع الترحال السياسي كمحاولة لإضفاء نوع من المشروعية على العمل البرلماني.
واذا كان عمل المعارضة البرلمانية واستفادتها من كل حقوقها الديمقراطية كفرق سياسية, مرتبط بالضرورة بفصل حقيقي للسلط الضامن لتجاوز الأعطاب والمعيقات الهيكلية التي تكبل العمل البرلماني, فان المؤسسة التشريعية بالمغرب خاضعة للمؤسسة التنفيذية, وكل القوى السياسية الديمقراطية كانت تتوجه بالنقد للفصل 51 من دستور 1996 الداعي إلى رفض كل التعديلات أو المقترحات بدعوى أنها قد تهدد توازن المالية العمومية. فما الذي تغير في دستور 2011 مع استمرار نفس التقييد في الفصل 77 .
كما أن الفصل 104 الذي فسر بتقوية سلطة البرلمان على سلطة الحكومة من خلال صلاحية رئيس المؤسسة التنفيذية بحل البرلمان, مشروط بموافقة المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك بل إن الفصل 96 من الدستور يمنح الحق للملك بحل احد المجلسين أو هما معا وهذا إجراء غير موجود في الأنظمة الديمقراطية.
أما إذا بحثنا في الحدود الفاصلة بين الأغلبية والمعارضة من جهة البرامج السياسية كمدخل للحديث عن ادوار المعارضة في الأنظمة الديمقراطية فان البرلمان المغربي يعاني من سيطرة المؤسسة الملكية من خلال افتتاح الدورات بالخطب الملكية المعبر عن البرنامج الرسمي للدولة المخزنية الذي يسمو على كل البرامج الأخرى عبر التوجيه والتأثير بل إن مضمون الخطب الملكية يدرج ضمن جدول أعمال البرلمان و (لا يمكن أن يكون مضمون خطاب الملك موضوع أي نقاش.. الفصل 52). وللملك أيضا حق مطالبة مجلسي البرلمان بقراءة أي مقترح قانون قراءة جديدة ولا يحق للمجلسين بما فيه المعارضة الرفض.
ورغم التوجه الشكلي نحو تعزيز دور المعارضة في دستور ما بعد الربيع العربي بما فيها تخصيص يوم على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين بما فيها المقدمة من المعارضة
(الفصل 82) فإنها لم تتحول بعد إلى آلية لمراقبة العمل الحكومي, كما حددت القيود الدستورية والهيكلية من حق المعارضة في اعتماد آلية ملتمس الرقابة الذي يحتاج إلى توقيع خمس الأعضاء .
لقد اتجه النظام المخزني إلى جعل المؤسسة التشريعية واجهة لإضفاء المشروعية على الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال التحكم في التمثيلية بدءا من حصر الحق في التصويت الانتخابي بتبني التصويت المفوض حسب القانون التنظيمي لمجلس النواب بالنسبة للمقيمين بالخارج وعدم اعتماد البطاقة الوطنية كبديل للتسجيل في اللوائح الانتخابية وطريقة حساب القاسم الانتخابي المؤدي إلى البلقنة السياسية وغياب المراقبة القضائية للعملية الانتخابية وتقسيم الدوائر الانتخابية تحت إشراف وزارة الداخلية وهيكلة التحالفات السياسية ليس على قاعدة البرامج وإنما على القاعدة العددية لضمان الأغلبية العصية على البلوغ...إلى جانب القيود الدستورية المشار إليها يعطل عمل المعارضة ويتحكم في الإنتاج التشريعي البرلماني الذي يتم وفق الترتيب الذي تحدده الحكومة. وهو أيضا مسار تأسس على حساب تفكك البناء الحزبي نفسه من خلال سيطرة الأحزاب الإدارية المفتقرة للبعد الجماهيري وتآكل جماهيرية الأحزاب الوطنية التقليدية وضبابية مشروعها السياسي وهيمنة النزوع البيروقراطي في هياكله.

المخزن والمعارضة البرلمانية, تثبيت أسس المشروعية.
لا يمكن فهم النظام السياسي المغربي بمعزل عن إطاره التاريخي بما في ذلك تمدد وانحسار السلطة السياسية المركزية وعلاقة هذه السلطة بنظم المؤسسات الاجتماعية القبلية من خلال تحكم طبقة الأعيان والجمع بين السلطة الأبوية والسلطة الدينية لتبرير الهيمنة الاقتصادية سواء عبر مؤسسة المشيخة أو مجالس فض النزاعات القبلية (مجالس التشريع القبلي), حتى أن صورة النظام السياسي المغربي تعبر في ممارساتها عن جدلية السلطة والطاعة.
والنظام السياسي المغربي أيضا هو المعبر عن التحالف الطبقي المسيطر على السلطة والمتحكم في بنية التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي فإن تطور هذا النظام, كبناء سياسي, انعكاس لتطور علاقات الإنتاج ومستوى تطوير أساليب التحكم في هذه العلاقات ضمانا للاستمرارية.
من هنا تفسر هيمنة المؤسسة الملكية على مجمل النسق السياسي المغربي وهيمنة الحكومة على مدخلات ومخرجات الفعل البرلماني, واقع يترجم: عدم استقلالية القرار الحزبي, اضمحلال مصداقية خطاب المعارضة البرلمانية, ضعف تأثير فرق المعارضة سواء في التوجهات الإستراتيجية للدولة أو في الحياة التنظيمية الإدارية, سرعة تحول نخب المعارضة إلى عرابي سياسة الأغلبية, عزل المعارضة اليسارية بضعف التمثيلية والإقصاء من التمثيلية في اللجان المهمة.
في نسق سياسي مغلق كالنسق السياسي المغربي لا يمكن للمعارضة أن تطرح برنامجها البديل لبرنامج المؤسسة الملكية المتبنى من طرف الحكومة على اعتبار الطابع الشكلي للمؤسستين التنفيذية والتشريعية فالملك هو الذي يعين رئيس الحكومة ويعين باقي الأعضاء باقتراح من رئيس الحكومة وبالتالي فان المؤسسة الملكية تهيمن بمقتضى الدستور على صنع القرار الحكومي. كما أن المجلس الوزاري يملك حق إلغاء أي قرار غير مرغوب فيه صادر عن المجلس الحكومي.
إغلاق النسق السياسي يتضح أيضا من غياب أي حضور وازن للمجتمع المدني في البرلمان و التشديد على مركزية الدولة ( المغرب دولة موحدة) لضرب الجهوية النيابية الديمقراطية. وغياب مبدأ سيادة الشعب باعتباره مصدر كل السلطات وعدم مساهمته في صياغة الدستور وفصل حقيقي للسلط وضمان استقلالية قانونية ووظيفية للقضاء.
إن نموذج النظام المخزني المتجدد بنفس الثوابت التقليدية استمر في بسط نفوذه سواء على المستوى الإداري الترابي الأفقي أو نسق النظام العمودي المرتكز على الولاة والقياد والمقدمين ( جدلية السلطة والطاعة) وهو نفس الجهاز الإداري المخزني المستمر بعد سنة 1956 بعد إعادة بناء التحالف الطبقي المسيطر على السلطة من بورجوازية كبيرة واعيان وأشراف, والعناصر المستفيدة من التعاون مع النظام الاستعماري , وأن كل معارضة سياسية للنظام المخزني, المعبر السياسي عن تحالف واسع للبورجوازية الوكيلة والملاكين الكبار, يجب بالضرورة أن تعبر عن مصالح النقيض الطبقي بقيادة الطبقة العاملة وعموم الكادحين وامتلاك النظرية السياسية القادرة على تحليل كيفية اشتغال بنية النظام وطبيعة الرأسمال المحلي وارتباطاته التبعية للدوائر المالية والاصطفاف إلى جانب الطبقة العاملة في صراعها الطبقي وهو طريق يبدأ من عمل المعارضة اليسارية من خلال جبهة جماهيرية فاعلة داخل جدلية الصراع الطبقي و خارج قواعد اللعبة البرلمانية و جدلية السلطة والطاعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي