الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جان دمو إمبراطور آبار الكحول

أسعد الجبوري

2003 / 5 / 14
الادب والفن


 

   في البدء لم يكن جان دمو. كان دنخا.  لم يعجبه اسمه. فتطهر منه، ليأخذ من الموسيقا اسماً بديلاً عن ذلك. وكان له ما أراد. ربما لأن نزعة التشرد لاحقته منذ البدايات، فحقق رغبة أن يكون بعيداًعن محطته الأولى. المحطة اللصيقة به: الاسم. ولأنه من مدينة كركوك العراقية الحافلة بأضخم آبار النفط في العالم، غصب نفسه ليكون في واجهة التهكم من تلك الثروة التي لم يذق العراقيون منها شيئاً سوى الرعب والاضطهاد، فحمل جسده طاقة أن يكون من كبريات آبار الكحول في  البلاد، ربما تعبيراً ساخراً ضد إرهاب الدولة وثروتها. وهكذا كان خط السير
الثاني لجان في عالم الصعلكة، عندما قام بنشر روحه على طول الأرصفة وعرض الحانات وارتفاع  شوارع المدن وهياكل الأصدقاء.  وبالقليل من الكلمات.. شيد جان دمو امبراطورية شعرية تقوم على الخداع والسرية. وكأنه كان يكتب شعراً للريح. طلق صنعة النشر. فرفض أن يصبّ قصائدة في أوانٍ مستطرقة من ورق المطابع، ربما لأنه لا يملك وقتاً لذلك. أو بسبب عالمه المصنوع من الغيوم.  علاقته بالشعر: اتصال عن طريق الاستشعار عن بعد. فكانت الدهشة والشرود، كل ما يحكم تلك العلاقة ما بين الشاعر والنص  جان السكران. الطفل الذي خرج للحياة من رحم النبيذ،
ليذهب للموت مضرجاً بعطر تلك الخمرة. كأنه لم ير هذه الأرض أبدا، على الرغم من انه. كان يشغل الوسط الثقافي العراقي وبعض الأروقة الأخرى بطقوس الخمرالاحتفالية أكثر من الشعر. فهو مخلص للحانة إلى الحدود القصوى. ومثل ذلك اخلاصه للهروب من القصيدة التي طالما لوح بها ، دون أن نجد لها نصوصاَ صاعقة في حياتنا.  أيضاً.. صنع دمو من نفسه تمثالاً شعرياً من كثرة تسقيط الآخرين بشتائمه وترحيل الرموز بأحذيته. كان جريئاً وفواحاً بالأسباب التي تجعل منه أكبر شاعر مصنوع من مواد لم يعلن عنها. لكن المرء يحس بأن شيئاً يكمن فيه.  اعتمد دمو على عيش الحياة الشعرية بجنون كامل، دون خوف أو توقف. ولأنه لم يتوقف عن معاقرة الخمرة ، فقد حال السكر الدائم دونه ودون أية مراجعة لشعريته الداخلية، أو توثيقها على الأقل. مما يعني إنه كتب بعض الأشعار على هامش ضيق من حالات الصحو التي ربما يكون قد اقترب منها ذات يوم من حياته  لذلك نجح في أن يكون شاعراً دون شعر عظيم . فبسط صوته على شعريات كثيرة، وبقوة طوفان الكلمات السوداء التي كان يلعن بها كل يقف في الطريق الى سكرته، وقد حقق ذلك بلا منازع.  نصوص دمو الشعرية التي لم تعثر عليها لا الشياطين ولا الملائكة، ربما ستخرج علينا من كهفه الأرضي الذي التجأ إليه مؤخراً، بعد ما فضل الغيبوبة الكاملة في العالم السفلي ، على تقطيع العمر بسكرات مؤقتة على هذه الأرض التي راح ينال الصحو من وقتها وقتاً في
استراليا.  وإذ تبدو الحياة الشعرية بمختلف تجلياتها وجنونها وعبثها عمقاً محسوماً، لا بد منه في عمليات تخصيب تربة الشاعر، فان استغلال تلك الطقوس الرائعة، هو العمل الخلاق الذي يقوم عليه بناء النصوص العملاقة وكتابتها في تاريخ الشعر. لذلك أردناه دنخا الشاعر لا جان دمو نصّ الصعلكة فقط. أردناه الساحر القادر على تحويل الكحول إلى طاقة ببطاريات مشعة في المخيلة، لا
جان دمو البئر الكحولي الذي نضب فصار قنينة فارغة يحاول الجميع التخلص من آثارها وتبعاتها، برميها خارجاً!  قد نختلف على هذا وذاك. ولكن من الكارثة بمكان رؤية عالم دون نصوص. عالم من القناني الفارغة التي تنتقل بواسطة ريح الخماسين من الأرحام والى مدافن الرمل. 

لتصفح المزيد راجع :
alimbaratur.com









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب