الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤرخ وكيفية كتابة التاريخ

حامد محمد طه السويداني

2021 / 10 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يعد التاريخ من أهم العلوم في حياة الأمم لأنه يدون نشاطها بكل مفاصله ولولا التاريخ لما وصلتنا النشاطات الحضارية والأديان والمعتقدات الدينية ويعد المؤرخ أيضا من أهم الأشخاص الذين يقع على عاتقه كتابة التاريخ وبطريقة تخدم أمته وحضاراته ووطنه ودينه ففي عام 2018 شاركت في المؤتمر الدولي الأول الذي إقامته جامعة واسط بعنوان (الدراسات الإنسانية: قراءة وتطبيقا) وافتتحت المؤتمر بكلمة ألقتها البرفسورة الألمانية (أنيتا) قائلة كنا نحن الألمان ومعنا عموم الأوربيين نعتقد بان العلوم المادية والصناعية والعلمية هي أساس تقدم الأمم ولكن في السنوات الأخيرة اكتشفنا بان (علم التاريخ) هو المحرك الأساسي لهذه العلوم والذي تقع على عاتقه كيفية التفكير والتنظر والتوثيق، هذا هو المؤرخ وهذا هو التاريخ وأشارت أيضا إلى عقد اتفاقية مع جامعة واسط تتعهد فيها إرسال أساتذة مؤرخين للتدريب في ألمانيا لان الدراسات الإنسانية بدأ لها دور مهم في القرن الحالي .
وفي هذه المقالة أود الإشارة إلى كيفية أن يكون المؤرخ العربي والعراقي بل وحتى غير العربي الذي يعيش في الوطن العربي كيف يكون مؤرخا وطنياً، ومن المعلوم أن جميع الأمم والشعوب سواء كانوا الأوربيون أم الأتراك أو الفرس ... الخ فهموا وطبقوا أساسيات كتابة تاريخهم لا بل قاموا بوضع المناهج العلمية للبحث وقاموا بتفسير التاريخ على أساس ديني وقومي وفلسفي ومادي .... الخ.
وشرحوا صفات لمؤرخ وأدواته ومن جملة ما قاموا به هو (أن يكون المؤرخ حياديا في تناول الأحداث) وهذه الصفة لا أؤمن بها نهائيا لأنها فهمت خطأ من قبل المؤرخين العرب والمسلمين وساروا عليها ردحاً من الزمن ودرسوها إلى طلابهم فانشأ جيل من المؤرخين أضاعوا حقوقهم التاريخية وبدأوا يتكلمون بلسان حال أعدائهم من الأمم الأخرى ويلقون اللوم والتهم على الأمة أي ما يسمى (جلد الذات) وهنا سوف نرى كيف المؤرخ الألماني أو الأمريكي أو التركي أو الفارسي وكيف يؤرخ العربي والإسلامي .
يذكر المؤرخ العربي عبد الكريم غرايبة في مقدمة كتابه (تاريخ العرب الحديث) انه ذات مرة كان يتكلم مع سائق تكسي في انكلترا وكيف كان سائق التكسي يتكلم عن المشكلة الايرلندية ويدين أفكارهم ويقول كنت أؤيده وقلت له نحن أيضا مثلكم عندنا مشكلة في فلسطين مع اليهود لكنه رفض وقال لا الأمر هنا مختلف انتم العرب تعادون اليهود وتعتدون عليهم. هذا مواطن بسيط فكيف لو كان مؤرخا أما معظم مؤرخينا درسوا على المناهج الغربية واغفلوا حقيقة حقوقهم ومقدساتهم وأنا أرى لا يوجد مؤرخ انكليزي يؤمن بان بريطانيا كانت دولة استعمارية احتلت العراق واضطهدت شعبه ونهبت خيراته لكن بالمقابل العديد من المؤرخين العراقيين انطلت عليه أكذوبة (أن يكون المؤرخ حياديا) فقام يفسر تاريخ العراق بلسان البريطانيين وعندما يحصل احد المؤرخين العراقيين على كتاب (المس بيل) مثلا يراه كتابا مقدسا لا بل ذهب العديد منهم إلى إدانة العراقيين وذكر لي احد المؤرخين أن العشائر العراقية التي قامت بثورة العشرين هم سراق ويسرقون من مخازن البريطانيين وان بريطانيا جاءت لتقيم لنا دولة عصرية.
وذات مرة وجهت لي دعوة للمشاركة في مئوية ثورة العشرين في العراق والذي أقامه مركز الأبحاث للعلوم ودراسة السياسات في قطر فقمت بكتابة بحث يعادل جهد أطروحة أكاديمية وذهبت إلى تركيا للحصول على الوثائق والتي قدر عددها (80) وثيقة استخدمت منها خمسة وثائق أساسية لكني فوجئت بان اللجنة العلمية أرسلت إليها مجموعة من الملاحظات يرغبون في تصحيحها ومن هذه الملاحظات يرون بان ثورة العشرين ليس ثورة وإنها تمرد وعصيان وان العراق لم يؤسس دولة عام 1921 وإنما ظلت بريطانيا تحكم العراق و و و ... الخ من المغالطات فرفضت المساس بالبحث وقمت بنشره في مجلة لارك للفلسفة واللسانيات في جامعة واسط، أنهم يريدون إعادة كتابة التاريخ بأقلام مأجورة مع الأسف.
ولنأتي إلى المؤرخين الأتراك هل وجدتم مؤرخا تركيا يرى بان الثورة العربية الكبرى عام 1916 هي ثورة للعرب للتخلص من سوء الحكم العثماني وهل رأيتم مؤرخا تركيا يعتبر لواء الاسكندرونة السوري أرضا عربية وهل رأيتم مؤرخا تركيا يقر بمشاركة العرب والأكراد في حروب الدولة العثمانية وتضحياتهم أم يرون بان العرب غدروا بالأتراك وكانوا سبب سقوط الدولة العثمانية علما بان أسباب سقوط الدولة العثمانية معروفة وهل وجدتم مؤرخا تركيا يرى ويشير إلى تجاوزات السلاجقة الأتراك على الخلفاء لا يوجد مثل هكذا مؤرخين لكنهم يشيرون إلى الايجابيات التي تخدم قوميتهم ووطنهم ويدافعون عن حكمهم وحضارتهم حتى وان كان على حساب الأمم الأخرى وهذا الأمر هو الصحيح باعتقادي أن على كل امة أن تدافع عن نفسها وحضارتها وبالمقابل كم من المؤرخين العرب والمسلمين يرون بان الثورة العربية الكبرى عام 1916 هي تمرد وعصيان وخيانة أنهم كثيرون باعتقادي يوصف هؤلاء (بالدياثة السياسية) لان ليس لديهم غيرة على أوطانهم، ولنأتي إلى المؤرخين الفرس هل يوجد مؤرخا واحدا يرى بان الجزر الثلاث التي احتلتها إيران هي عربية أو الاحواز عربية الجواب لا يوجد وبالمقابل نرى الكثير من المؤرخين العرب والمسلمين يرون بان الخليفة أبو جعفر المنصور قتل القائد أبو مسلم الخرساني غدراً وان أبا مسلم بريء من التهم الموجهة إليه.
ولنأتي أيضا إلى الدراسات الاستشراقية فالكثير من المؤرخين والباحثين يرون بان دراسات المستشرقين هي عفوية وجاءت من باب دراسة الشعوب الاخرى وعاداتهم وتقاليدهم وهذا فيه جانب من الحقيقة ولكن ليس هي الحقيقة أن دراسات المستشرقين جاءت لرفد أصحاب القرار من بلدانهم والاستفادة من هذه المعلومات ومعرفة مواطن القوة والضعف في الأمة وتوظيفها في الحروب العسكرية على الأمة العربية والإسلامية وتوظيفها أيضا للمناظرات الدينية..... الخ.
واليوم نرى اغلب الذين يدرسون الاستشراق تراهم معجبين بهم بصورة عاطفية مثيرة للسخرية فذات مرة قرأت مقالة للمسترقة الايطالية (روم لاندو) وهي تشرح الصلوات الخمس عند المسلمين بطريقة نراها سطحية كوننا مسلمين ونحن اعرف بالصلاة والإسلام منها حتى أن الدكتور عماد الدين خليل رد عليها وفندها وقال ما الجديد من الصلوات الخمس؟ أما المؤرخين المهتمين بالاستشراق فأنهم يرون (روم لاندو) شيئا كبيرا ولولاها لما عرفنا الصلاة فلم أرى شخص درس الاستشراق وأشار إلى الطعون التي بين طيات أبحاثهم بل فقط يشيرون إلى الموضوعية والحيادية عند المستشرقين.
وكان هؤلاء المستشرقون يكتبون بصورة فردية أما اليوم فقد ظهرت مراكز الأبحاث للقيام بالدور نفسه ولكن بصورة أكثر دقة فمثلا اليوم توجد في تركيا مراكز بحثية في ظاهرها أكاديمية وفي حقيقتها ترفد أصحاب القرار السياسي بالمعلومات والإحصائيات في ظاهرها أكاديمية وفي حقيقتها ترفد أصحاب القرار السياسي بالمعلومات والإحصائيات وبالمقابل فان الدولة أيضا تستفيد من المؤرخين وأصحاب الاختصاص في المفاوضات مع الطرف الأخر، أما نحن فلم نرفد أصحاب القرار بأي معلومة والحكومة أيضا تستنكف أن تستعين مثلا بأكاديمي متخصص بشؤون المياه أو الأقليات عند التفاوض مع تركيا مثلا وعندما التقينا مع السفير العراقي في أنقرة على هامش مؤتمر دولي عن (العلاقات العراقية التركية) وسبل تطويرها وكنا أساتذة متخصصين ولدينا كتب ومؤلفات وأبحاث عن الدول الإقليمية المجاورة للعراق وإمكانية الاستفادة من أرائنا وأبحاثنا من قبل الدولة العراقية كان التجاهل واضحاً.
الذي يهمنا في هذه هو الوصول إلى قناعة (كيف نكون مؤرخين وطنين) غايتنا توثيق تاريخ بلداننا والمحافظة على حقوقنا وكرامتنا فالعراق مع الأسف الذي نراه عدم الالتزام بالثوابت الوطنية في كتابة التاريخ وبمرور الأيام على سبيل المثال العراق يكون عرضة لتدخلات الدول الإقليمية الطامعة به وهو منقسم فكريا أو عرقيا وتكون ولائه للأمم الأخرى من نفس القومية أو المذهب .
لابد للمؤرخ العراقي أن يصنع له ثوابت في كتابة التاريخ وهي الانتماء إلى الوطن والدين أولا والتي لا تقبل المساومة واستحضار حقوق العراق وعدم ذكر الإخفاقات على أساس أن المؤرخ يكون حيادي لان الأمم تذكر حقوقها وطموحاتها فقط ولا تتكلم عن حقوق الغير حتى وان كانت مشروعة فالأولى كل امة تدافع عن نفسها وعندما تركنا نحن المؤرخين العراقيين والعرب الانتماء الوطني في كتابة التاريخ ضاعت فلسطين واستلبت لواء الاسكندرونة العربي من قبل تركيا والجولان من قبل إسرائيل وكذلك الجزر العربية الثلاث والاحواز.
لا بل أتمنى من المؤرخين الشباب أن يكونوا جمعية حتى وان كانت غير رسمية للتباحث ومناقشة القضايا العالقة والوصول إلى خطاب موحد في النظرة إلى تاريخنا وتعليمه للأجيال القادمة والاتفاق على مبدأ واحد وفهم واحد والرد بقوة على كل من تجاوز على بلدنا العراق وامتنا العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات