الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة العشرون

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2021 / 10 / 13
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تعلم متى تتراجع ومتى تتباهى


فى المواضيع الجادة اغمط عباراتك ومع أقلها جدية بالغ فيها


فى مقاله " لماذا أكتب " ؟.


يشرح جورج أوريل أن النثر الجيد مثل إطار نافذة . والعمل الأفضل يشد أنتباه القارى للكلمات الموصوفة دون الزينة التى يضعها الكاتب عليها .


عندما ننظر الى الأفق عبر النافذة لا نلحظ برواز النافذة ، ولكنه يؤطر رؤيتنا تماما كما يؤطرها الكاتب عند قراءتنا لقصته .


هناك نموذجين يتبعهما أكثر الكتاب ، أحدهما يقول : لا تلتفت للكاتب خلف الستارة ، وانظر للعالم .أما الاخر فيقول بلا حياء : انظر إلى وأنا أرقص ، الا تجدنى ذكيا ؟


نظريا هناك أسماء لهذه النماذج ، الأول نسميه " الإغماط " والثانى " المبالغة ".


إليكم هذه الطريقة المعتمدة الفعالة بالنسبة لى : كلما كان الموضوع جادا أو دراميا ، كلما كان على الكاتب الإغماط ، ليحقق تأثيرا تصنعه القصة بنفسها .


أما عندما يكون الموضوع هزليا أو بلا أهمية ، هنا يمكن للكاتب الاستعراض بلغته ومفرداته .


فكر معى فى افتتاحية " هيروشيما " لجون هيرسى :


"فى تمام الساعة الثامنة والربع صباحا بتوقيت اليابان فى اليوم السادس من أغسطس 1945م ، فى اللحظة التى أضاءت فيه القنبلة النووية سماء هيروشيما ، جلست للتو الانسة توشيكو ساساكى ، الكاتبة فى دائرة التوظيف بشركة شرق اٌسيا لصناعات القصدير ، وأدارت رأسها للحديث مع الفتاة الجالسة على المكتب المجاور ".


تبدأ " هيروشيما " التى وصفت بأنها واحدة من أهم الأعمال الأدبية الواقعية فى القرن العشرين ، بمشهد اعتيادى ، عرض للتاريخ والتوقيت ، وموظفتين على وشك أن تتحادثا .


وميض القنبلة النووية يختبىء فى منتصف الجملة .ولأننا نتخيل الرعب الذى تلا هذه اللحظة . خلق اغماط هيرسى قلق الترقب .


هاكم بدء ميكال غيلمو ، أخ القاتل العتيد غارى غيلمو ، سيرته " طلقة فى القلب ":


" لدى قصة أرويها ، قصة جريمة تحكى من قلب المنزل الذى حدثت فيه ، المنزل الذى كبرت فيه ، المنزل الذى بطريقة ما ، لم اتمكن من مغادرته . وإن استطعت يوما وغادرته ، فيجب أن أروى ما أعرفه ، لذلك دعونى أبدأ
أحداث هذه القصة شنيعة ومأسوية .

لكن نثر غيلمور أحادى المقاطع يأتى هزيلا منهكا كزنزاتة محكوم بالإعدام .


قارن هذا الاغماط ببهرجة سول بيت اللغوية ، الذى يصف فيها عمدة نيويورك إد كوخ للاسوشيتيتد برس:


لم تعرف نيويورك شيئا غضا مثله منذ الكبدة المقطعة ، إنه خليط مجازات سياسية ونقائص ، يتعذر كبته، صريح، عفوى ، مرح ، حاد الطباع ، مستقل ، عديم الجاذبية ، دميم ، يفتقر الى للاناقة ، لكنه بشكل عام ذا شخصية متميزة ، رجل يعيش سلاما مع نفسه فى مكان مضطرب .


عمدة على رأس بابل الأمريكية بقليل من الحبور " .


نشر بيت الاستعراضى المتكلف كرقصة متواضعة ، كبقعة مياه فوارة على بنطالك ، كما العمدة الذى يتحدث عنه .


ومع أن السياسات المدنية موضوع جاد إلا أن السياق هنا أتاح لبيت المساحة لكتابة هذا النقد المسرحى .


يستطيع الكاتب المسرحى المتمرس الوصول بكتاباته الى الصفحة الأولى ، هكذا تخبرنا آنا كويندلن .


الصحفى بيل نوتنغهام ، وجد ذلك عندما أسندت له مهمة تغطية مسابقة التهجئة فى صحيفة بطرسبرج تايمز المحلية ليكتب :


" لاين بوى ، طفل الثالثة عشرة يهجىء بمهارة ، كما هى مهارة بيلى ذا كد ، فى التصويب بالأسلحة النارية ، بكل برودة أعصاب ودقة " .


لفهم الفرق بين الإغماط والمبالغة ، تأمل الفرق السينمائى بين فيلمين ، لستيفن سبيلبرغ .


فى فيلم " قائمة شندلر " ، يوقظ سبيلبرغ أهوال الهولوكوست بدلا من نقل التفاصيل .


فى فيلم بالأبيض والأسود يجعلنا نتابع مسيرة طفلة يهودية فى معطف أحمر إلى الموت .


بينما فى فيلمه الآخر " إنقاذ الجندى ريان " يظهر لنا بشاعة الحرب على شواطىء فرنسا خلال إنزال النورماندى ، أشلاء متناثرة وشرايين تتفجر .
وكل ذلك بالألوان .

أنا شخصيا ، أفضل التوجه المتحفظ ، حيث يترك الفنان مساحة لخيالنا .


تقول الروائية المخضرمة إلمور ليونارد " إذا بدا وكأنه كتابة ، فإننى أعيد كتابته ".

والى الأداة الواحد والعشرون فى المقال القادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-