الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح في العالم العربي وإشكالية التكامل العقلاني لمصالح القومية والدولية-الجزء 7

أشواق عباس

2006 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


العالم العربي وتحديات النظام الدولي الجديد.

إنَّ اصطلاح "النظام الدولي الجديد" الذي استخدم على نطاق واسع، من قبل الباحثين والمحللين خلال الفترة الأخيرة، يشير إلى مجموعة علاقات التعاون والصراع بين أعضاء المجتمع الدولي والتي تجري وفقاّ لنسق أو منظومة معينة من القيم . ويُستدل على ذلك أنَّ أي نظام دولي إنّما تتحدد عناصره المفهومية في مجموعة مقومات رئيسية، تتمثل أبرزها فيما يلي:
أولاً: أي نظام دولي عادةً ما تتحكم أو تؤثر فيه قوة أو قوى معينة، تُمسك زمام الأمور فيه. وتكون لها الكلمة العليا في توجيه مسار الأحداث بين أطرافه. وسبب ذلك يقوم في أنَّ حقيقة النظام الدولي من حيث كونه مفهوماً مجرداً، إنّما يقوم أساساً على مبدأ الصراع والمواجهة بين القوى الفاعلة فيه . على خلاف الحال في التنظيم الدولي الذي يفترض فيه أن يقوم على مبدأ التعاون والتآزر.
ثانياً: يُلاحظ أنَّ أي نظام دولي لابد وأن تسود فيه طريقة أو طرق معينة لإدارة الأزمات، أو العلاقات المتبادلة بين أطرافه. وبما يحقق أو على الأقل، لا يتعارض مع المصالح القومية للدول المهيمنة فيه .
ثالثاً: لكل نظام دولي سمات وملامح خاصة، تميزه بدرجة ملحوظة عن السابق. وهو الأمر الذي يطرح السؤال التالي: ما المقصود إذاً بالجديد في هذا النظام ؟.
يتفق الباحثون أن المقصود "بالنظام الدولي" هو بنيان العلاقات الدولية الناتج عن نمط علاقات القوة والمصلحة بين الفاعلين الدوليين (International Actors)، التي تتشكل بتأثير علاقات القوة والمصلحة والإيديولوجيا بين أولئك الفاعلين . إلا أنّهم يختلفون في توصيف المقصود بالجديد في هذا النظام، فالبعض يستخدم هذا الاصطلاح بوصفه تعبيراً مضاداً للنظام القديم، وبالتالي اعتباره نظاماً عاملاً من أجل عالم يسوده السلام والأمن. بينما يتجه البعض الآخر إلى إظهار الفروق الجوهرية مع النظام السابق دون أيّة اعتبارات قيمية. في حين يذهب فريق ثالث إلى الإشارة إلى أنَّ النظام الجديد يحمل معه أيضاً بعض ملامح وخصائص النظام القديم. وفي نفس الوقت اختلفت مقاصد الباحثين في تناولهم لمختلف أبعاد النظام الجديد. حيث اهتم البعض بهيكل النظام، والبعض الأخر بمصادر التهديد فيه، وفريق ثالث بتفاعلاته الداخلية، بينما اتجه فريق رابع إلى دراسة إمكانيات التحرك الجماعي على المستوى العالمي، وأخيراً اتجه فريق خامس لدراسة وضع الدول النامية فيه .
وإذا وضعنا النظام العربي في إطاره العالمي، فإنّنا نستطيع القول، أنّه إذا كانت فترة الخمسينات والستينات هي مرحلة النضال من أجل الاستقلال السياسي، وتبني سياسة عدم الانحياز، فإنَّ حرب عام 1967 وما بعدها قدمت فرصة جديدة للكولونياليات السابقة لاسترداد بعض مواقعها المفقودة. ومن هنا فإنَّ القوى التي ستكتسب مركز الصدارة في الوطن العربي هي نفسها التي كانت تتطلع إلى علاقات تكامل مع الغرب، لا إلى علاقات تناقض معه، أو مواجهة مع الاستعمار، كما كان الأمر سابقاً. وفي مناخ هذه "الحقبة النفطية" الجديدة، التي بدأت في سبعينات القرن العشرين، علقت القوى الكبرى آمالاً على إنجاز تحول سياسي تحت إشرافها، ووفق مصالحها، استناداً إلى التحولات المهمة التي اعترت المنطقة العربية خلال هذه الفترة.
فقد اعتقدت تلك القوى أنَّ موقف العرب من الغرب، لابد وأن يتغير بعد زيادة الثروة النفطية، وتراكم الفوائض المالية. وبعد أن أصبحت "الثورة النفطية" لا الثورة القومية، الظاهرة الأكثر بروزاً وتأثيراً على الساحة العربية. ويبدو أنَّ الغرب قد استوعب جيداً دروس المراحل السابقة، فلم يعد يسمح لنفسه بأي وهم في تقييم مدى ثبات الأسس التي يبنى عليها مشاريعه في المنطقة العربية. لاسيما وأنّه أدرك تماماً أنَّ ما تم حتى الآن ليس الرضى الشعبي العربي بمشروع إسرائيل (كما حدث في الحالة المصرية عقب زيارة السادات للقدس)، بل الاعتراف العربي الرسمي بالعجز أمام هذا المشروع. والفارق بين الاثنين كبير، فالأول صامد وثابت، والثاني متغير وزائل . صحيح أنَّ الغرب ما زال يبنى مشاريعاً، ويقيس واقعيتها على أساس العجز العربي، ولكن تجربته التاريخية الاستعمارية علمته أنَّ استمرارية العجز العربي مرهونة بفرض وتعميق وترسيخ ظروف تجزئته وضعفه.
وضمن هذا السياق يمكن القول بأنَّ غياب النقد في العالم العربي، أفضى إلى ضعف الرؤية الذاتية العقلانية في التعامل مع أزماته. وهو أمر جلي في نوعية التصورات والأفكار التي وضعتها مختلف التيارات لاسيما القطرية منها، وإدراجها ضمن مشاريع لحل أزمات المجتمع. حيث يمكن رؤية مستويين في الطروحات والرؤى العربية التي عالجت موضوع التعامل مع النظام الدولي، أولهما جزئي، يتعامل مع متغيرات دولية بعينها مثل العلاقة مع أوروبا الموحدة، وروسيا الاتحادية بوصفها وريثة الاتحاد السوفيتي. وثانيهما كلي، طُرح بصفة أساسية من قبل كلٍ من التيارات القومية والإسلامية. فالتيار القومي ركز في طروحاته على إعادة إحياء فكرة القومية العربية والنظام العربي، وتفعيل دور الجامعة العربية، وتدعيم سياسة التنمية المستقلة، واعتماد الدول بشكل فردي وجماعي على ذاتها. إضافةً إلى العمل من أجل توسيع وتعميق إدراك العلاقة السياسية بين مختلف التيارات، وبالأخص القومية منها والإسلامية، وإبراز القواسم المشتركة مع دول الجنوب والحركات السياسية والاجتماعية فيها. وإسقاط الدعاوى التي تحاول ترسيخ مقولة نهاية حركة عدم الانحياز. وتدعيم التعاون العربي الإفريقي، وتهيئة الأقطار العربية للانفتاح على القارة الآسيوية لتقليل الاعتماد على الدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وتعزيز التعاون بين المنظمة الدولية والمنظمات الإقليمية. ذلك يعني أنَّ موقف هذا التيار في علاج الأزمة تركز على رفض التعامل مع الغرب كوسيلة لعلاج الأزمات التي نشأت في مجرى التعامل معه. أما التيارات الإسلامية فقد تمحورت رؤاها في جملة من الأفكار أهمها ، إحياء "المشروع" الحضاري الإسلامي بوصفه بديلاً للنموذج الحضاري الغربي، ووضع الإسلام موضع التطبيق في الدول الإسلامية، ومقاومة النظم السياسية التسلطية والعميلة فيها. والتحريض على مواجهة ومجاهدة أمم الكفر والضلال!، بل إنَّ بعض إيديولوجي هذا التيار ذهب إلى ضرورة إقامة سوق اقتصادية إسلامية مشتركة، وتدعيم أسس التعاون والتكامل بين الدول الإسلامية، وتدعيم الروابط بين القوى والحركات الإسلامية. ووضع كل ذلك في أساس تحدي كافة صور الهيمنة والاستغلال التي يفرضها "النظام الدولي الجديد" على المسلمين . وعلى الرغم من أهمية هذا الطرح الأخير فيما لو جرى تأسيسه بمعايير الرؤية الواقعية لكي يكون قادراً على الدخول ضمن منظومة العلاقات الدولية كقوة إقليمية، إلا أنَّ سيادة الرؤية الراديكالية مازالت تعيق إمكانية تجسيده العقلاني.
يتبع........................









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات