الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تظلموا القاضي

قحطان محمد صالح الهيتي

2021 / 10 / 16
دراسات وابحاث قانونية


قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ، وَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ، فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّار". وقال ﷺ": مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ". فالقاضي في الإسلام شخص ولي القضاء ليحكم بين المتنازعين على وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
والقضاء من عمل الرسل ورسول الإسلام محمد ﷺ كان مأمورا بالدعوة والتبليغ، وكان مأمورا بالحكم والفصل في الخصومات. وقد ورد في القرآن الكريم في غير ما أية ما يشير إلى ذلك، منها قوله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: 488]
ويتعين على القاضي على وفق مبادئ الشريعة الإسلامية أن يكون محايدا ونزيهاً، ولا يميل لخصم في المنازعة المعروضة أمامه. وأن يحترم حقوق الدفاع، فلا يجوز له الحكم على الخصم بدون سماع دفاعه واطلاعه على أقواله وإعطائه المهلة اللازمة لإعداد جوابه في سماع هذا الدفاع. والا ينشغل بأي عمل لا يتفق وكرامة القضاء واستقلاله، وأن يراعي في حياته الخاصة الامتناع عن أي سلوك، ولو كان في ذاته مشروعاً ولكنه لا يتفق مع ما يجب أن يكون عليه من هيبة ووقار وبُعدٍ عن الشبهات.
وعلى وفق مبادئ بانغالور لتنظيم سلوك الجهاز القضائي، وهي المبادئ التي تم استخلاصها من الصكوك والاتفاقيات والمعاهدات الدولية وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ والمعتمدة الأمم المتحدة كمعايير للسلوك الأخلاقي للقضاة؛ فإن على القاضي أن يتصف بالصفات الآتية:
1.الاستقلالية: وهي مبدأ جوهري يضمن توفير محاكمة عادلة، فيجب على القاضي أن يدعم ويجسد الاستقلالية القضائية اذ يشترط استقلال السلطة القضائية من جهة ومن جهة اخرى استقلال القاضي ضمن السلطة القضائية، فعلى القاضي ان يتخذ القرارات عن قناعته وعلى وفق القانون، وعليه أن يكون مُستقلاً عن زملائه بالقضاء فيما يتعلق بالقرارات التي يلتزم القاضي باتخاذها بصورة مُستقلة. كما ان على القاضي أن يُدعم ويجسد استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
2.الحيادية: على القاضي أن يقوم بأداء واجباته القضائية دون محاباة، أو تحيز أو تحامل كي يحافظ على ثقة المواطنين بالقضاء وعلى ثقة أطراف الدعوى المتقاضين. وعلى القاضي الامتناع عن إبداء أي تعليق يمكن ان يؤثر على نتيجة دعوى معروضة عليه او اية قضية من الممكن ان تعرض عليه في المستقبل، وعليه ان يتنحى عن الفصل في اي قضية يكون أحد اطرافها أحد اقربائه او أصدقائه او شخص له خصومة معه.
3.النزاهة: النزاهة هي صفة الاستقامة والصلاح. ومكونات النزاهة هي الصدق والأخلاقيات القضائية، عليه فإن على القاضي أن يتصرف بشرف وبأسلوب يناسب المنصب القضائي، وأن يبتعد عن الاحتيال والخديعة والكذب، وأن يكون طيباً وفاضلاً سلوكاً وطباعا، ويجب ان يكون عمل القاضي فوق الشبهات من وجهة نظر المُراقب المعتدل لأن نزاهة القاضي تعني نزاهة السلطة القضائية، اذ من غير الممكن ان تقام العدالة بدون نزاهة.
4.اللياقة: اللياقة ومظهر اللياقة أمران جوهريان في ممارسة أنشطة القاضي كافة، فعلى القاضي أن يظهر بمظهر حًسنٍ في اثناء عمله وحتى خارج عمله، وعليه أن يقبل قيوداً شخصية قد تمثل عبئاً بالنسبة للمواطن العادي، ويجـب أن يفعل ذلك بحرية وبإرادة تامة. وان يتصرف بشكل يتماشى مع هيبة المنصب القضائي. وهذا يفرض على القاضي في علاقاته الشخصية ان يتجنب اية علاقة تثير الشبهات حوله مثل: علاقاته مع المحامين والمحققين والمعاونين القضائيين، اذ يجب ان لا يُظهر للناس ان هناك محاباة او تحيزاً. كما أن على القاضي ألا يسمح باستخدام مسكنه لاستقبال المحامين وموكليهم، وعليه ألا يسمح لعلاقاته العائلية بالتأثير في عمله او ان يستغل منصبه لتعزيز مصالح شخصيةله او لأفراد أسرته، وعليه عدم الإفصاح عن المعلومات التي يتحصل عليها نتيجة اطلاعه على القضايا أو استغلالها لتحقيق مكاسب شخصية أو لأي سبب ليس له علاقة بواجباته القضائية.
وعلى القاضي أو أفراد عائلته ألا يتقبلوا أية هـدايا أو مكافأت أو قروض أو معروف يتعلق بأي شئ يفعله أو متوقـع أن يفعله، أو أن يُحجم َعن فعله فيما يتعلق بأداء واجبات منصبه القضائي، وعليه ألا يسمح لموظفي المحكمة أو غيرهم من الخاضـعين لنفـوذه أو تعليماته أو سلطته،عند علمه بذلك، أن يسألوا أو يقبلوا أية هدية أو مكافأة أو قرض أو معروف يتعلق بأي شئ يفعله.
5.المساواة: على القاضي في أثناء أداء واجبات منصبه القضائي ألا يبدي تحيزا أو تحـاملاً، سواءُ بالكلمات، أو بالسلوك، نحو أي شخص أو جماعةً بناءً على أسباب لا علاقة لها بالدعوى. وعليه أن يمارس واجبات منصبه القضائي مع توخي التقدير الملائـم للأشخاص كافة سواء كانوا أطرافـاً أو شهوداً ، أو محـامين، أو مـوظفي المحكمة أو زملاء في المهنة القضائية، دون تمييز على أسـاس أسـباب لا علاقة لها بالدعوى، ولا تتصل بتنفيذ تلك الواجبات على نحو سليم.
6.المقدرة والاجتهاد: إن واجبات المنصب القضائي التي يقوم بها القاضي تحتل مركز الصدارة قبل كافة الأنشطة الأخرى؛ فعلى القاضي أن يُكرس نشاطه المهني لواجبات منصبه القضـائي التـي لا تشمل أداء الواجبات والمسئوليات القضائية في المحكمة واتخـاذ القـرارات فحسب، بل أيضاً المهام الأخرى المتصلة بالمنصـب القضـائي أو عمليـات المحكمة. وعلى القاضي أن يحيط نفسه علماً بشأن التطورات المختلفـة فـي القانون الوطني والقـانون الدولي بما فيها الاتفاقيات الدولية والأدوات الأخرى التي تحدد معايير حقوق الإنسان.
وعلى القاضي أن يُحافظ على النظام واللياقة في جميع جلسـات القضـايا المنظورة أمام المحكمة، وأن يكون صبوراً وقوراً دمـث الخلـق تجـاه الأطراف المتنازعة والمحلفين والشهود والمحامين وغيرهم ممـن يتعامـل معهم بصفته الرسمية. وعلى القاضي أن يطالب الممثلين القانونيين وموظفي المحكمة وغيرهم من الخاضعين لإدارته أن يتصرفوا بنفس الكيفية.
وللقاضي واجب اخر الى جانب واجبه في الفصل بين المتخاصمين في المحاكم، وهو الواجب الذي يمليه عليه منصبه في القضاء وهي الواجبات الادارية؛ فهو مدير في عمله.
ورغم هذه القيود فان القانون يكفل للقاضي كأي مواطن حرية الراي والتعبير والعقيدة، ولكن يتعين عليه حين يمارس حقوقه ان يتصرف بشكل يحفظ هيبة القضاء.
ومع أن القاضي كموظف في الدولة يطلع على الكثير من الأمور التي تتعلق بالناس من حيث أحوالهم الشخصية ومعاملاتهم المدنية وقضاياهم الجنائية، فهو محكوم بأن يبقى بعيدا عنهم وأن يظل حبيس وظيفته، فلا علاقات اجتماعية تربطه بالناس، لأن أيَّ تواجد له بينهم يعرضه الى المسائلة القانونية والمجتمعية فهو يعيش أسير قراراته.
فلا تحسدوا القاضي على مكانته المرموقة، فهو قاضي الناس في قضاياهم جميعا ،ولكنه محروم من أن يعيش معهم اجتماعيا، وأن يكون واحدا منهم، يشاركهم افراحهم وأحزانهم. لقد أقسم أن يكون عادلا، وأن يحقق العدالة للجميع، وهذا ما يمنعه من أن يكون واحدا من الجميع.
والقاضي أسير ملفات الدعاوى التي ينظرها، وهو محاسب أمام الله، وأمام المجتمع، وأمام القانون، ومحكوم بـ(السجن المؤبد) بين جدران قاعة مرافعاته وبين ملفات دعاواه، فلا تظلموا القاضي إن التزم بهذه المبادئ التي لابد منها لتحقيق العدالة، من أجل استقرار المعاملات والأمن والنظام وارحموه يرحمكم الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدينة بنغالور هي عاصمة ولاية كارناتاكا يقدر عدد سكانها بـ (6.1) مليون نسمة تقع جنوب غرب ولاية كارناتاكا وتعد ثالث أكبر مدينة هندية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل


.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د




.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج


.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية




.. الأمم المتحدة تحذر من التصعيد في مدينة الفاشر في شمال دارفور