الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدخل الخارجي .

فريد العليبي

2021 / 10 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


التدخل الخارجي وجه من وجوه النزعة الاستعمارية ، ويُمثل ظاهرة موضوعية في العلاقات الدولية ، و لا تفلت منه أية دولة تقريبا ، بما في ذلك الدول العظمى فحتى أمريكا والصين تتبادلان الاتهام به ، ولكنه يشتد خطره خاصة في البلدان التي تعاني أزمات ، وهو فعل عنف، بل إنه برقى الى مستوى الحرب التي ليست دوما معارك وأسلحة وانما أيضا وعيدا واكراها وضغطا .
ويندرج التدخل الخارجي أو التهديد به ضمن استراتيجيات الهيمنة ، وتتمثل وظيفته في تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية وثقافية وغيرها ، بما يعني سيطرة بلد على بلد والحاقه به .وكثيرا ما يتم تحت شعارات مثل الحرية والعدالة والحماية والدفاع عن حقوق الإنسان وانقاذ أقليات مهددة بالتصفية العرقية الخ ..ويجري خلاله استعمال القانون الدولي و اللجوء الى جيوش مُعدة للغرض، مثل اللفيف الأجنبي و المرتزقة و تقسيم الشعب المعني بالتدخل الى طوائف ومذاهب وعشائر متناحرة ، وصولا الى تفجير الحروب الأهلية .
وغالبا ما بلجأ المُعتدون الخارجيون الى شراء أحزاب و اذاعات وقنوات وجرائد و صفحات الكترونية وسياسيين ومثقفين وجنرالات في البلد المعني بالتدخل، وهناك دوما في جل البلدان من يبيع ذمته لأعداء وطنه ، فهذا يكاد يكون قانونا عاما ، ولا تكاد تخلو منه مرحلة من مراحل التاريخ .
وفي مواجهته تضبط الدول خططا سياسية وأمنية وعسكرية وثقافية ، عادة ما تكون مبنية على استراتيجية السيادة الوطنية ، بما يعنيه ذلك من تقوية الجبهة الداخلية ، وإعلاء راية الوطن وصيانة وحدة الشعب، وتطوير قدراته ،حتى لا يكون عُرضة للأطماع .
وتفدم الانتفاضات العربية لوحة زاخرة بالتدخل الخارجي بأشكاله المختلفة ، بما فيها العسكرية ، حيث جري تهديم دول وتفكيك أنظمة ، في تناقض مع مطامح المضطهدين والمقهورين ، الذين نهضوا من أجل الحرية والعدل فجاء ذلك التدخل ليقطع الطريق على أحلامهم وتطلعاتهم المشروعة ، مُحولا إياها الى انكسارات ، مُوظفا دماءهم وجراحاتهم ومعاناتهم ضدهم ، لتنفيرهم من الثورة من جهة ، وتحقيق هيمنته عليهم من جهة ثانية، فأضحت الثورات ثورات مضادة باستعمال الإسلام السياسي على نحو خاص، فإشتد ساعد الفقر والجهل والهجرة والاستعمار والتبعية.
ولم تفلت الانتفاضة التونسية من التدخل الخارجي ، فقد تعرضت مُبكرا الى ذلك الخطر، وسرعان ما جرى الانقلاب عليها باستعمال سياسيين فاسدين ، فأضحى الحكام الجدد يتباهون بإسداء الخدمات لقوى خارجية ، متنافسين فيما بينهم لكسب ودها ، حتى جاءت هبة 25 جويلية 2021 لتعيد قدرا من الاعتبار لانتفاضة 17 ديسمبر، وهي التي استجاب رئيس الجمهورية لندائها ، بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب واقالة رئيس الحكومة السابق .
وكان لابد من عودة التهديد بالتدخل الخارجي، وهو ما انبرت اليه بعض الدول، ووجد كالعادة قوى داخلية تدعو اليه وتلتمسه وتتوسله ، من بينها رئيس جمهورية أسبق نادى علنا فرنسا بالتدخل ، مفتخرا بدوره في عرقلة التئام قمة الفرنكوفونية في تونس ، أما رئيس البرلمان المجمد فقد دعا دولا أوربية الى التدخل وإلا فإنها ستغرق في موجة هجرة سرية لا سابق لها ، بينما ذهب أحد أقطاب حزبه الى أبعد من ذلك برجائه الولايات المتحدة الأمريكية حجب لقاحات وباء كورونا عن تونس .
وبينما تثير تلك الدعوات الاستهجان والغضب لدى قطاع واسع من الشعب ، يتوغل أصحابها في طريقها ، ويفسر ذلك بإحساس بالهزيمة أمام شعب مصمم على استرجاع بلده من يراثن حكام فاسدين ، جاءت بهم استراتيجية التدخل الخارجي ، وهم الذين يعتقدون أنها ستعيد اليهم مجدهم الضائع ، بعد أن باءت بالفشل دعوة الجيش والأمن والقضاء الى التمرد على الرئيس والشعب الى تظاهرات حاشدة لعزله .
يُمثل اليوم التدخل الخارجي جزء من الخطر الجاثم ، فتونس تواجه أعداء داخليين وخارجيين أيديهم متشابكة ومصالحهم مترابطة ، وهي في حاجة لكي تنجح في الانتصار عليهم الى ضبط استراتيجية تحرير وطني ، وهو ما كان رئيس الجمهورية واضحا في لفت الانتباه اليه ، وتلك الاستراتيجية المضادة متعددة الأبعاد، فهي تشمل الاقتصاد والسياسة والثقافة ودفاع الشعب عن نفسه ، ولا يمكنها إلا أن تكون نظرية وعملية في الآن ذاته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة