الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صَقر مُطارَد

ساطع هاشم

2021 / 10 / 18
الادب والفن


كانت هناك عاصفة شديدة في الليلة الماضية، وقد استمرت طوال اليوم، وأصبح الجو رطبًا جدًا لدرجة يصعب معها الخروج، وكانت الأشجار التي لا تزال مليئة بأوراق الخريف، تكافح في الظلام الدامس، واصبح المنزل مغلق عليَّ وعلى نفسه، في انتظار مرور العاصفة.

غالبًا ما كنت أسير في شوارع فارغة في أحلامي وادخل منازل خالية لأرى ما تحتويه أو من تحتويه، اما الآن فبسبب هذا الجو الخريفي الداكن تجدني وكأني ماشياً في حلم مرعب آخر اشهد فيه فوضى حروبنا (الخلاقة) الطويلة كلها:

فتحت فيه بابًا وكانت امرأة ميتة تقف هناك وتنظر إلي، أغلقت الباب وفتحته مرة أخرى وكانت لا تزال هناك، انكسر الصمت عندما وصلت مجموعة من الرعاة مع قطيع من الأغنام، وأجراسهم تدق وأصواتهم شبه البشرية تنادي بعضهم البعض.
ثم وجدت نفسي في بلدة قديمة خالية من البشر عانت بشدة خلال الحرب وتركت أطلالها دون إزعاج كنصب تذكاري لما حدث هنا وهناك او في أي مكان آخر في جميع أنحاء البلاد.
أكوام الرجال والنساء والأطفال الذين ماتوا ولم يتم دفنهم حتى الآن بين أنقاض منازلهم المحطمة، بقايا كرسي استرخاء أنيق بدا وكأنه يحاول الهروب من درجات سلم محطم، والمباني المدمرة اصبحت ملاذاً لحشود هائلة من الأشخاص المحرومين من ممتلكاتهم وهم يعرضون آلامهم والجروح التي سببتها لهم الحرب على شاشات التلفزيون.

امرأة صغيرة متجعدة ترتدي ملابس سوداء بالكامل تمشي بصعوبة، تسندها من كلا الجانبين بناتها ذوات الشعر الرمادي، وقد عادت إلى بلدتها بعد غياب طويل، ربما كانت آخر مرة شاهدتها عندما كانت النيران مشتعلة والناس ما زالوا يهربون بكل الاتجاهات، كانت تتحدث وتبكي باستمرار وهي تتنقل في الشوارع، وتعطي اسمًا لبقايا هذا الخراب وذاك، لمكان إلى جانب منزل صار كومة من الحجارة، بينما أرواح الموتى تحوم حولها مثل الحمام الجائع.

وبدأت مواكب يوم الجمعة:
كان الناس يرتدون أردية سوداء وليس هناك اردية بالوان اخرى، رجال يشربون السوائل ويقرعون الطبول، نساء يرضعن الأطفال، طفل ينام بهدوء في حضن امه غافلاً عن الضوضاء مع لعبة صغيرة معلقة على ردائه، رجلاً يبتسم برضا وهو يفحص راحتي يديه الجريحتين المخضبتين بالدماء من شدة ما ضرب نفسه بالزنجيل، رجلاً آخر يمسح الدموع المتدفقة على وجهه بمنديل أبيض كبير سيسقط على الأرض مثل شجرة مقطوعة، فتاة صغيرة ترتدي زياً محتشماً تركض للانضمام إلى الموكب ممسكة برأس مصنوع من القش مقطوع يتأرجح من يدها، شخصية الموت بالمشهد التمثيلي تتقدم الحشود إلى الأمام وغطاء من الحرير داكن اللون يغطي وجهه وعيناه مثل الثعبان تتأرجحان.
كان بإلامكان رسم صورة للرجل النحيف وهو يبتسم لنفسه، للرجل الذي يبكي، لثلاث فتيات صغيرات يهمسن، وأربعة عجائز غارقات في بكاء مر، كان من الممكن إظهار ذلك الحشد من الناس المرعوبين عندما تحولوا بسبب الخوف أو الكراهية او الإفلاس إلى شكل وحشي بعيداً عن صفات النفس البشرية، صدورهم مدماة من كثرة ما ضربوها في طقوس الموت والاستشهاد، أفواههم مفتوحة على مصراعيها ومليئة بضوضاء حروب لاتنتهي وتبدوا الان مثل الثقوب السوداء في مجرى درب التبانة.

ثم افقت مرعوباً، فقد تناثر المطر بقوة مثل سلسلة من الحصى الصغيرة الحادة تضرب على جدران المنزل والنوافذ والأبواب وهي تحاول ان تصدها او تمتصها بمشقة، بينما الرياح تطاردني وتلهث بالركض من حولي في كل مكان.
اين سأهرب؟ لقد قتلوا الفراشات
(انطفأ الحلم والصقر مطاردٌ في غابته)
اين المَهرَبُ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود حميدة عدم وجود قانون لصناعة السينما وراء غياب كبار الس


.. لينا شماميان: أستعد لحفل الموسيقى العربية.. وهعمل مشاكل با?




.. محمود حميدة من مهرجان وهران لابد من وجود قانون ينظم صناعة ال


.. قفزة إيلون ماسك المفاجئة على المسرح خلال تجمع انتخابي مع ترم




.. خطأ كارثي.. عرض فيلم -إباحي- أثناء رحلة طيران